ليست كبقية المدارس الأساسية في فلسطين رغم أن لافتةً قديمةً تعلوها كتب عليها "السلطة الوطنية، وزارة التربية والتعليم، مديرية القدس، مدرسة النبي صموئيل الأساسية" شمال غرب القدس المحتلة، تلك مدرسة ربما تكون الأغرب في فلسطين، فهي مدرسة مكونة من غرفة واحدة ويدرس فيها تسعة طلاب من الذكور والإناث معا، يتولى تدرسهم ثلاث معلمين.
على العناصر التعليمية (الطالب، والمعلم، والمدرسة) تدبر أمورهم في تلك الغرفة، فهي غرفة للصفوف الثلاث الأساسية في القرية، كما أن الغرفة ذاتها هي غرفة للإدارة وللمعلمين، وتستخدم أيضا قاعة للنشاطات ومختبر للحاسوب، والساحة والملاعب المخصصة للمدرسة هي الشارع العام، فلا أسوار تحيط بـ"المدرسة الغرفة"، ولا ساحات للعب ولا مظلات تقي الطلبة حر الصيف وبرد الشتاء.
عند الساعة العاشرة والنصف يحين وقت الاستراحة يخرج الطلبة تسعة إلى الساحة المخصصة لذلك، فيجدون أنفسهم في الشارع العام، يتناولون بعض الشطائر المحضرة منزليا لهم، ويلهون بين الحجارة التي تشكل أداة اللعب الوحيدة لهم، لحين عودتهم إلى فصلهم الدراسي.
في واحدةٍ من أعلى قرى القدس المحتلة، تقع مدرسة قرية النبي صموئيل، التي يصدح من داخلها صوت طلبة يرددون وراء المعلمين، في محاولة للتعلم أملاً في خدمة قريتهم التي عزلها الاحتلال عن محيطها وتفنن في تعذيب سكانها الذين لا يتجاوز عددهم الـ300 حاليا بعد أن أجبر العشرات منهم على الرحيل.يتابع خليل أبو عرقوب مدير المدرسة سير الدراسة في الفصول الثلاث ويجلس مستمعا إلى المدرس الذي يتحدث بصوت مرتفع لطلبة الصف الأول، في حين يتولى المدرس الأخر متابعة الواجبات المنزلية التي أعدها طلبة الصف الثاني، ونجلس نحن نراقب طلبة الصف الثالث الذين يتابعون ما يجري أيضا.
ويضيف: نقوم بتطبيق نظام (التعليم الجامع-المختلط)، الذي يتعلم فيه طلبة ثلاثة فصول معا في هذه المدرسة التي تعد الأصغر في الوطن، رغم ذلك تضم بين جنبتها طلبة يعتبرون من الأذكياء مقارنة بالمدارس الأخرى، إلا أن ظروف قريتهم أجبرتهم على التعلم هنا.
يتابع: " في القرية التي لا يوجد بها مجلس قروي أو بقالة أو أي من متطلبات الحياة نواجه مشاكل كبيرة في التعليم، خصوصا لدى طلبة الصف الأول لأنهم يحضرون مباشرة إلى المدرسة ولا يدخلون في المراحل التمهيدية التي توفرها "روضات الأطفال" فلا توجد روضة في القرية، لان الاحتلال منع الأهالي من بنائها، كما لا توجد أي مرافق تعليمية في المدرسة لذات السبب".
أحلام من الواقع
سندس عادل، والشقيقان ملك وملاك أمير، وتامر عبيد، وباسل صلاح، وآلاء فلاح والشقيقان كريمة ومي باسم، وطلال سامي، هم جميع طلاب المدرسة، يدرسون بجد غير آبهين بكل الظروف المحيطة بهم.فتلك سندس تتحدث عن حلمها، فهي تريد أن تغدو طبيبة تعالج أهل قريتها الذين لا تتوفر لهم عيادة صحية لتلاقي العلاج، كما يتمنى تامر بان يعمل سائقا للتكسي ليتمكن من نقل أصدقائه إلى الحاجة إلى معاناة المشي اليومي لأي شخص يريد الدخول أو الخروج إلى القرية، ويحلم طلال بأن يكون مقاولاً للطرقات ليتمكن من تعبيد الطريق الواصل إلى قريته.
رغم أن أكبرهم سنا لم يتجاوز التاسعة أعوام، إلا أنهم يدركون ما يدور حلوهم من معاناة، ويعرفون كل ما يقوم به الاحتلال من تهويد لقريتهم أملا في السيطرة بشكل كامل على مسجدها، الذي حولت السلطات الإسرائيلية أجزاءً كبيرا منه إلى كنيس يهودي، ويحلمون بالتخفيف من مرارة العيش التي يواجهونها.
ولا تبدو أحلام طلال مختلفة عن زملائه فهو يحلم في أن يصبح مهندسا ويتمكن من تصميم منزل عصري له بالقرب من المدرسة يطل على مدينتي رام الله والقدس التين يشير إليهما بيده، في يحين يقول مدير المدرسة إنه لم يسمح لأهالي القرية بوضع لبنة واحدة جديدة في القرية منذ احتلالها في العام 1967.
الاحتلال يمنع المدرسة من التطور
ويقول: تواصل سلطات الاحتلال منعنا من إدخال الكرفانين المخصصين لتوسيع المدرسة الذين قامت بتوفيرهما وزارة التربية، بزعم عدم وجود تنسيق مسبق مع حاجز "جفعات زئيف" المخصص لتنقل أهالي القرية، والذي لا يسمح لأي أحد من غير سكانها من دخولها دون تنسيق مسبق مع الإدارة المدنية التابعة للاحتلال.
ويضيف" يحاول الاحتلال السيطرة على القرية بالكامل وطرد سكانها منها نظراً لموقعها الاستراتيجي المطل على القدس الغربية، لذلك جرى صادرة معظم الأراضي الزراعية وإجراء حفريات حول المسجد الذي أصبح رمزاً لصمود القرية، وجرى إزالة الأتربة من الأبنية القديمة وتقدمها للقادمين إلى القرية على أنها بيوت أثرية تعود لقدماء الإسرائيليين الذين سكنوا المنطقة في السابق!.
في نهاية الدوام يغادر الطلبة مدرستهم إلى منازلهم مسرعين، ربما هربا من التعب الذي يسببه التعليم لهم، في حين تبقى أحلامهم بمستقبل أفضل تصطدم بالواقع الأليم القائم حاليا، في قرية نسيها الزمان والسلطان.بعد الخروج من المدرسة والنزول إلى بيوت القرية، التي تبدو بالية وغير مرممة، ندخل أحدها إنه منزل رئيس المجلس القروي حسني بركات، الذي لا يملك مقرا للمجلس القروي أيضا.
في نهاية الدوام يغادر الطلبة مدرستهم إلى منازلهم مسرعين، ربما هربا من التعب الذي يسببه التعليم لهم، في حين تبقى أحلامهم بمستقبل أفضل تصطدم بالواقع الأليم القائم حاليا، في قرية نسيها الزمان والسلطان.
[email protected]
أضف تعليق