هي النكبة وما تتركه من ويلات للشعب الفلسطيني... هي نكبة الشعب الفلسطيني التي ستبقى اسقاطاتها على كل فلسطيني طالما عاش، وهي التي اجبرته على ترك وطنه، لكن... شيءٌ ما... في أعماقه حتمًا سيعيده الى وطنه... حتى لو رمادًا... هكذا كانت قصة الزوجين شفيق ومارسيل من شفاعمرو.
فهما وان اجبرا على ترك الوطن، والعيش في الشتات واضطرا الى ترك منزلهم، أسوة بمن علق مفاتيحه في عنقه، وكما كل لاجئٍ نقل قصة تشريده بحذافيره، الى الأبناء وحملهم أمانة في أعناقهم : ان يحفظوا تراب فلسطين في قلوبهم، وان يعودوا بهما... ان اجلاً ام عاجلاً... حتى وان كانوا رمادًا.
الزوجان شفيق راجي ابو الزلف ومارسيل ميخائيل أبو الزلف، اقترنا معًا وعاشا معًا في المهجر، لاجئان، وانجبا اولادهم ليكونوا ذخرًا لهم وللوطن، لكن أبدًا لم ينسيا الأمنية الغالية، أن يدوسا تراب فلسطين ولو أمواتًا... والحرف الواحد طلبا ان يعودا الى الوطن ولو رمادًا... وهذا ما كان... اليوم... عادا الى التراب رمادًا.... ليرتاحا لأولِ مرةٍ في حضن الوطن كما لم يرتاحا من قبل.
القصة كاملة... مراسيم الدفن...رماد الجثث
بقدر ما كانت مراسيم الدفن غريبة، كانت محزنة أيضًا، فقد تمنى المرحوم شفيق وزوجته العودة إلى شفاعمرو، إلى أحيائها القديمة، إلى المكان الذي اضطرا مغادرته، وكان قد أوصى اولاده أن يدفن بعد مماته في شفاعمرو، مشيرًا أن هذا سيعيده إلى الحياة مجددًا حتى لو كان ميتًا.
الإبن راجي وعد والديه أن يعمل على تنفيذ وصيتهما، فبعد وفاة الوالد في بشهر آب 2007 قام بحرق جثته، حتى يستطيع الحفاظ على الرماد ولكي يستطيع تحمل مصاريف الدفن في دولة أخرى غير الولايات المتحدة، حيث سكن والداه مؤخرًا.
وبعد أربعة أشهر لحقت مارسيل زوجها شفيق إلى دار الحق، وذلك بتاريخ كانون ثاني 2008، فقام راجي أيضًا بحرق الجثة والحفاظ على الرماد في علبة أخرى.
منذ ذلك الحين عمل الأولاد على ترتيب جميع الأوراق اللازمة لإرجاع الجثث، رمادًا، إلى شفاعمرو ودفنها في أرضها الطاهرة.
وفعلا بتاريخ 27.9.10 وحسب ما يظهر في المستندات الرسمية أرسل الأبناء بواسطة الطائرة صندوقين وبداخلهما رماد الجثيّن، حيث تمت مراسيم الدفن صباح اليوم بمشاركة قدس الأب أندراوس بحوث.
قصة لجوء...وحنين دائم لشفاعمرو
المرحوم شفيق راجي أبو الزلف وزوجته المرحومة مارسيل ميخائيل أبو الزلف أجبرا عام 1948 على ترك شفاعمرو، ووصلا الى لبنان، ثم استقرا فيها لفترة طويلة، ثم نزحا الى الكويت، واستقروا هناك حتى العام 1960، بعدها انتقلا الى الولايات المتحدة.
وخلال مسيرة اللجوء هذه، ولد الابنين: راجي ورندة، ومع الاستقرار في الولايات المتحدة ولد لهما أيضًا الابن ريتشارد، وعاش الخمسة في مدينة هيوستن.
وطوال هذه الفترة، كما حدثنا الابن راجي، تحمل العائلة شوقًا كبيرًا للعودة الى الوطن، وتحديدًا الى مدينتهم شفاعمرو، وكبر الشوق والحنين مع الأولاد، إذ لم ينسَ الوالدان يومًا حكايا الوطن والبوح بالعشق واللهفة والحُب لفلسطين التي تركوها قسرًا واضطرارًا.
يذكر أنّ الابن راجي، زار شفاعمرو قبل 31 عامًا وعاد اليوم ليزورها مجددًا، وفي كل مرة يعلن انّ "للاجئين وطن... وحق عودة حتى ولو بعد حين...".
[email protected]
أضف تعليق