كان لا بُدّ أن نوجه أسئلتنا إلى رجال الدين، بعدما استفحلت هذه الظاهرة، قتل النساء، على خلفية ما يسمى بـ "شرف العائلة"، حيثُ يعتقد كُلُ مرتكب جريمة، انّ له الحق ان يوؤد النفس التي خلقها باريها، لمجرد انه شكّ بها، وفي كثيرٍ من الأحيان لا يكون للقتل، أيُ علاقةٍ من بعيد او قريب بهذه التسمية "الشرف"، فقد يكون ضاق خلق هذا الرجل، أو انه يعاني من أزمةٍ نفسيةٍ أو مادية، أو كلاهما، فيجد زوجته، هي "الضلع القاصر" الوحيد، الذي يمكنه التحكم بِه، دون أن يحاسبه أحد... كم جريمةٍ ارتُكبت باسم هذه العناوين، وفي جميع الأحوال المرأة تكون هي الضحية، ضحية مجتمعها، ضحية الدولة، التي تحرمها من الكثير من حقوقها، وضحية الرجل، الذي أخذها لحمها ورماها "عظمًا"، كما يقول المثل...

وفي جميع الأحوال يتخطى المجرم حدود الشرف والدين، ففي الديانات السماوية، لا حق لبشرٍ ان يضع حدًا لحياةِ جسدٍ براهُ الله،الا ان كان الأمرُ فيه دفاعُ عن النفس، في هذه الحالةِ فقط، اتيح للإنسان ان يدافع عن نفسه، لكن في الديانات السماوية، حُرم القتل، وفي الإسلام تحديدًا، ليس من حق الرجل ان يقتل المرأة، بل ليس من حقه ان يشك بها، ويسيء لها، ولا يحق له اعتبارها خانته، الا اذا تأكد من الفعلة، بوجود شاهدين على الأقل... لكن ليس بالقتل، وليس هو من يقتل، فلا يحق لمن يتيح لنفسه ان يفعل الجرم ان يُجرم بحق الآخرين...

أما بعد فنترككم رجال دين من جميع الطوائف، يلقون بدلوهم في هذه القضية الصعبة، وجميعهم قالوا بالحرف الواحد:"ندين ونستنكر ونطالب بانزال اقصى العقوبات على الجناة".

كما أجابوا على أسئلة مراسلنا من بينها:
- من اعطى الحق لاولائك بقتل النفوس والارواح ؟!
- لماذا لا تعلنون الحرمان الاجتماعي والديني على الجناة ؟!
- هل القتل على خلفية ما يسمى "شرف العائلة" هو الحل ؟!
- لماذا لا تعلنون موقفكم الصريح والواضح في القضية ؟!

 الوالد كان سعيدا بابنائه "الابطال" بعد ان غسل "عاره" والوالدة تموت حسرة

عندما احتل السواد عيون الوالد بعد ما سمعه من احاديث واقاويل حول ابنته "امل"(اسم مستعار)، من احدى قرى الشمال قرر قتلها ليحافظ بذلك على شرفه، اجتمع مع ابنيه المتزوجين والاخت الصغرى، وكانت الجريمة: قتل الوالد ابنته امل بمساعدة ابنيه ووضعوها في البئر المهجورة، عندما تدخلت الشرطة وبعد مرور اسبوع على اختفائها عثرت قوات البوليس على امل في البئر، حكم على الابنين بالسجن، احدهما متزوج ولديه اربعة ابناء حكم عليه بالسجن لمدة (16 عاما)، والاخر لديه ابنان حكم عليه بالسجن لمدة ثمانية اعوام، اما الاخت الصغرى، والتي فضلت الموت لمدى حبها لاختها "امل" فحكم عليها بالسجن لعامين، الوالد البالغ من العمر سبعين عاما، كان سعيدا بابنائه "الابطال" بعد ان غسل "عاره"ن الوالدة تاثرت بالحادثة وتوفيت بعد ان ضاع مستقبل ابنائها بسبب حسرتها عليهم، الوالد وبعد وفاة الام ،وتعبيرا عن مدى فرحته بغسل العار، تزوج من امراة مطلقة صغيرة نسبيا واشترى سيارة جديدة، ومن يراه اليوم يجد انسانا فرحا بشوشا مفتخرا بولديه اللذين سجنا تاركين وراءهما ستة ابناء وزوجتين، وكل ذلك ليغسل الاب عار ابنته، باي حق قتلت؟!، من اعطاهم الحق بالقتل؟!.

هذه القصة تابعناها خلال النظر في المحكمة، كل ذلك بحجة القتل على خلفية ما يسمى الحفاظ على شرف العائلة، والذي اودى بحياة عشرات الضحايا وعلى ما يبدو، ولاننا لم نكسر بعد حاجز الصمت، فان المستقبل لا يحمل البشائر والقتل "باسم الشرف" سيستمر وستنزف دماء بريئة اخرى.

ازدواجية في مفهوم الشرف وتغيب المعاني السامية للشرف كالعزة والعلو

يعتبر قتل النساء على خلفية ما يسمى "شرف العائلة" احد اشكال التمييز وانتهاك حقوق الانسان ضد المراة بشكل خاص، فهي ظاهرة موجودة في العديد من المجتمعات منها المجتمع العربي، وهي لا تعود كونها ردة فعل لعدة عوامل اجتماعية ، نفسية، بيئية، تربوية، اقتصادية، ثقافية وغيرها.

التعريف الاجتماعي المتعارف عليه تقليديا لمفهوم القتل على خلفية الشرف يتعلق فقط بالمراة، فالمراة التي تقيم علاقة مع رجل خارج مؤسسة الزواج يبرر قتلها، حفاظا على شرف العائلة، فالشرف هو احد القيم الاجتماعية المحورية التي تؤكد ابوية المجتمع العربي، ومن هنا نجد ازدواجية في مفهوم الشرف، حيث تغيب المعاني السامية للشرف كالعزة والعلو ويقتصر المفهوم على جسد المراة، وغشاء البكارة اذ يصبح شرف المراة ملكا للرجل ولا تلعب المراة فيه سوى دور الوسيط الصامت، فيصبح الرجل مسؤولا عن سلوك المراة واحتشامها.

فالتقاليد والعادات الاجتماعية ادت الى عزل المرأة جسديا في المنزل وفرض عليها الاحتشام من اجل حماية شرف الرجل، فالمراة الشريفة امتداد للرجل الشريف، من الضروري الاعتراف بخطأ استخدام مصطلح القتل بدافع الشرف، حيث انه يعكس اعطاء مبرر للجاني، وفي الوقت ذاته ادانة المجني عليها دون اعطائها الفرصة للدفاع عن ذاتها، لذلك تقترح الادبيات النسائية استخدام مصطلح جريمة قتل النساء على خلفية الشرف.

هل من موقف واضح وعلني ضد جرائم القتل؟

ظاهرة قتل النساء على خلفية الشرف موجودة في مجتمعنا وبكثرة، ومع ان هذه القضية كانت موجودة في مجتمعنا منذ زمن الا انها كانت مغيبة ضمن الواقع الذي عاشته البلاد، من احتلال وانتفاضة حيث غلب الاهتمام بالقضايا السياسية على الاهتمام بالقضايا الاجتماعية ومع بداية الاستقرار السياسي بعد توقيع معاهدات السلام عام 1993 تكشفت هذه القضايا بشكل واضح بسبب انتشار المراكز النسوية واهتمامها بقضايا العنف ضد النساء والتي بادرت الى ورشات عمل وبعض الدراسات القيمة التي تتعلق بهذا المجال:

عام 2005 انتهى بمقتل 12 ضحية، الجمعيات النسائية طالبت المسؤولين وصناع القرار ابداء موقف واضح وعلني ضد جرائم القتل، وعلى ما يبدو فان نداءاتها تلك لم تجد اذانا صاغية.

الجمعيات النسوية اكدت ان القتل على خلفية شرف العائلة هو ظاهرة مجتمعية لا تخص المجتمعات النسوية فقط بل المجتمع باسره، وعليه فان دائرة مكافحة هذه الظاهرة، يجب ان تتسع لتشمل جميع شرائح المجتمع، وقالت الجمعيات ايضا اننا نستنكر ونشجب ولكننا نعلم بان ذلك ليس كافيا لردع الجريمة القادمة.

موقع "بكرا" يفتح الملف

موقع "بكرا" يفتح ملف القتل "باسم الشرف"، وقد وجهت بعض الاسئلة، ومنها المحرجة لرؤساء الطوائف والاديان، هل بالفعل المراة الشريفة امتداد للرجل الشريف؟!، من اعطى الحق لاولئك بالقتل؟!، لماذا لا تعلنون موقفكم الصريح والواضح حول القضية؟!، هل القتل على شرف العائلة هو حل مضمون وعملي؟!، هل هذه القوانين مكتوبة في الكتب المقدسة؟!، لماذا لا تعلنون الحرمان الاجتماعي والديني على الجناة؟!، لماذا يرافق بعض رجال الدين اولئك الجناة الى المحاكم ليقفوا الى جانبهم؟!

الشيخ موفق طريف- رئيس المجلس الديني الدرزي الاعلى

"الدين الدرزي يمنع قتل الارواح، وكذلك الحال بالنسبة للقتل على خلفية شرف العائلة، والدين يشدد على هذه القضية، وبشكل واضح وصريح ويؤكد منع قتل النفوس، لم يعط احد اولائك الجناة الحق بقتل النفوس والارواح".

لماذا لا تعلنون موقفكم حول القضية؟ سالت الشيخ  فاجاب: موقفنا واضح وصريح ونقوله بالصوت العالي:" الدين الدرزي يمنع القتل، نحن ضد القتل والعنف وكل الظواهر التي لا تمت بصلة للدين".

هذه الآفة في تزايد مخيف ومقلق، فماذا فعلتم لردعها؟ لماذا لا تلقون الحرمان الاجتماعي والديني على الجناة؟
للاسف هذه القضية موجودة في جميع الطوائف، وهذا لا يعني انه مبرر او ما شابه، القتل بدون شك محرم، نناشد كل فتاة او شاب التمسك باهداف الدين والقيم والعادات والتقاليد، كل شذوذ نحن ضده، الحل للقضاء على هذه الافة هو التوعية من قبل رجال الدين وهناك برنامج مدروس سيتم تنفيذه عما قريب للتوعية الاكبر على نطاق المدرسة وغيرها من المؤسسات".

هناك مقولة تزعم ان المراة الشريفة امتداد للرجل الشريف؟
لا فرق بين الرجل والمراة في الدين الدرزي، كما هو مفروض على المراة ان تكون شريفة كذلك الحال بالنسبة للرجل مفروض عليه ذلك ايضا".

الشيخ موفق طريف وجه كلمة عبر "بكرا" في هذا السياق حيث قال:"العلاج الوحيد لهذه الافة هو الرجوع الى الدين واهداف الدين، نحن نشجب ونستنكر هذه الجرائم، والدين الدرزي يحرم القتل على خلفية شرف العائلة ومثل ذلك القتل غير وارد في كتبنا المقدسة".

الشيخ سمير العاصي- امام مسجد الجزار

"لا يجوز قتل المسلم على الاطلاق، الا بشروط قد فصل بها العلماء وتجد ذلك واضحا في كتب الفقه في هذا المجال، وبخصوص الشرف لا يجوز القتل باتفاق، يعني هذه المسالة واضحة انه لا يجوز القتل على خلفية شرف العائلة، فهذا الموضوع قد نفض العلماء اياديهم عنه"، فالكتب المقدسة لم تتحدث ابدا عن مثل ذلك القتل، فعملية القتل على خلفية شرف العائلة نتركها للقضاء".

القتل على خلفية شرف العائلة في تزايد، فماذا فعل رؤساء الديانة الاسلامية في هذه القضية؟
نحن دورنا في هذا المجال دور تثقيفي، نقوم بعملية تثقيف وتوعية وتحذير الناس من هذا الخلق الرديء، وبالتالي لا نملك اكثر من ذلك، لكن كون بعض الناس يمارسون هذا العمل فهذا لا يعطيه شرعية ابدا حيث ان الكثير من الاعمال يقوم بها الناس تخالف الدين، وهل قيام الناس بذلك العمل يعطيهم الشرعية ابدا؟ ابدا لا يعطي شرعية".

لماذا لا تفرضون الحرمان الديني والاجتماعي على الجناة والذين اتخذوا لنفسهم الحق في القتل؟
هذه مسالة تحتاج الى تفصيل وتدقيق، ان كان جاهلا بما ارتكبه فلا يمكن ان نعامله معاملة حرمان، خاصة اذا كان يخضع لمحاولات تضليل من بعض الاطراف في العائلة، اما اذا كان متعاليا على تعاليم الدين متحديا لنصوص القران الكريم، فان المسلمين يتخذون منه موقفا شديدا بحيث يشعرونه بما اقدم عليه.

ما هو الحل حسب رايك للحد من التزايد المخيف والمقلق لهذه الآفة؟
"للائمة دور، لكن ترشيد الحياة الاجتماعية لا يتوقف فقط على دور ائمة المسلمين وعلى مشايخهم ودعاتهم، وانما هنالك مدارس وهناك جامعات ومراكز ثقافية فلا بد للكل لن يتعاون حتى نستطيع ان نتصدى لهذه الظاهرة الرهيبة، وفي الوقت ذاته ينبغي ان تدق لنا هذه العمليات ناقوس الخطر، فاخلاقنا العربية وقيمنا الاجتماعية آخذة بالتقلص، وبالتالي يجب علينا ان نمنع إقدام الفتاة على مثل هذا العمل بنفس القوة التي نمنع بها القتل بحجة شرف العائلة".

الكلمة الاخيرة لفضيلة الشيخ سمير العاصي عبر موقع "بكرا" حول هذه القضية؟
ادعو كل الاخوة العرب وكل الناس، ان يهتموا بالمحافظة على الاخلاق، ليس اهتماما اقل من اهتمامهم ببطونهم وحاجاتهم المادية، وقبل كل شيء اقول انه يجب علينا العودة الى حياة الايمان وان نضع نصب اعيننا مقولة: "اذا الايمان ضاع فلا امان ولا حياة لمن يحيي دينا، ومن اراد الحياة بغير دين فقد جعلنا الفناء له قرينا".

لذلك اقول على الاباء والامهات والمجتمعات ان تربي ابنائها على الفضيلة والقيم الايمانية، ثم نقول لكل من قام بالقتل بحجة شرف العائلة: اتق الله في نفسك واهلك، واعلم ان هذا العمل لا يرضي الله، انما يغضب الله تبارك وتعالى، وينبغي عليه اذا واجه مشكلة كهذه ان يعرضها على اهل العلم واهل الذكر، انطلاقا من قول الله تعالى:" وإسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون".

المطران بطرس معلم- رئيس أساقفة أبرشية الجليل سابقا

لا تقتل، لا تقتل، هذا هو، في الديانة المسيحية ممنوع القتل، ولا نعرف القتل على خلفية شرف العائلة، لا يوجد اخذ وعطاء في هذه القضية، نحن نستنكر مثل تلك الاعمال، هذه الامور بحاجة الى توعية وتثقيف، لان هناك لا مبالاة غير مبررة تجاه هذا الموضوع.  وفي الدين المسيحي لا يوجد شيء اسمه قتل على خلفية "شرف العائلة"،

أن تقتل نفسا لتقول شرف العائلة ؟، باي حق؟ ومن يعطي الحق بقتل حياة انسان؟ مرة اخرى نحن نستنكر ونشجب مثل تلك القضايا..  وديننا قال لا تقتل ..  اذا لا تقتل!!"، انهى المطران معلم حديثه.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]