إنها مدينة القدس بمسجدها الأقصى المبارك، تتعالى على الجراح وإن كانت مكلومة، إنها القدس يتربع على عرشها المسجد الأقصى المبارك ، هواؤه الذي يشفي العليل ورحابه التي تشرح الصدور، وقبته الصخرة تسحر العيون وتأسر القلوب، إنها القدس المباركة المقدسة ، أنها القدس مهبط الوحي ومحط الأفئدة والأنظار، إنها القدس تئنّ من ألم القيد، ولكنها دائما القدس الصابرة المتفائلة بالخير والنصر القريب ، إنها القدس والمسجد الأقصى في اللحظات الأخيرة من شهر رمضان التي تسبق ايام عيد الفطر السعيد ، كنا هناك لننقل المشهد المقدسي الذي إجمع بأن " هداة بال أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – وتحرير المسجد الأقصى من براثن الإحتلال ، هو العيد " ، هكذا قالها لنا الصغير والكبير في القدس والاقصى .
الحاج أبو إياد - القدس : نسأل الله أن يفك أسر القدس
التقيناه مستظلا تحت أحد أشجار المسجد الأقصى المبارك قريبا من " كأس الوضوء" يقول :" " الأقصى في هذا اليوم حلو وجميل وراقي ، وبالذات في هذه الأيام الأخيرة من شهر رمضان ، أيام فيها عبادة وتقوى ، المسجد الأقصى ملىء بالناس وبحبّ الناس وبقلوب الناس ، توافد هذا الشهر الكثير من المصلين والصائمين الى المسجد الأقصى ، في بعض الأيام كنّا نطمع أن يكون العدد أكبر ، لكن نقول حسبنا الله على الإحتلال الذي حرم كثيراً من الناس من الوصول الى المسجد الأقصى لأداء الصلاة ، وحدد الأجيال التي يسمح لها الدخول ، هذا التصرف غير حضاري وغير إخلاقي من قبل الإحتلال ، ونأسف أنه لا يوجد رسمياً على المستوى العربي والإسلامي والفلسطيني من يعترض على ممارسات الإحتلال هذه ، حيث أنّ المسجد الأقصى ليس فقط لأهل القدس ، المسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين ، نسأل الله أن يفك أسر القدس والأقصى قريباً ،وأن يفك أس المأسورين ، وأن يفك حصار اهلنا في غزة ، ونحن أيضا محاصرين في هذا البلد ، لذلك نحن نشعر بشعورهم " .
أما عن مشاعره بإستقبال العيد فحدثنا :" العيد حلو ، حلو للذي يملك النقود الكافية ، العيد بحاجة الى نقود حتى تعمّ الفرحة أفراد العائلة ، وأنت تعرف العيد للأولاد الصغار وليس لكبار السنّ ، غلاء الأسعار في أيامنا مؤثر سلبي لتكاليف العيد ، خاصة بعد مصاريف رمضان والمدارس ، نحن نشكر أهلنا من فلسطينيي الـ 48 الذين يأتون عبر " مسيرة البيارق " ويأتون إلينا أفواجاً أفواجاً ، وهذا يعضد من ثبات المقدسيين " ، ويضيف :" ليلة سبع وعشرين كانت حاشدة في المسجد الأقصى المبارك ، وتذكرت الأيام الخوالي يوم كانت حشود المصلين واضحة ومتواصلة ، يمكن ان نقول انه من الطبيعي أن يقلّ عدد المصلين في المسجد الأقصى بعد رمضان ، لكننا نطالب بتعمير المسجد الأٌصى بالمصلين دائما وأبدا ، ونقول لجميع الأهل المقدسيين ، ليس فقط الساكنين داخل سور البلدة القديمة ، بل الساكنين في أحياء القدس ، الطور والعيسوية والعيزرية وادي الجوز وغيرها ، أجرة الباص 4 شيقل ، فالأفضل أن يأتي الى المسجد الأقصى المبارك ليعزز وجود المصلين في الأقصى نهاراً وليلاً ، وأشير هنا أن الشرطة الإسرائيلية تقوم يومياً بإحصاء عدد المصلين الى المسجد الأقصى ، فمن المفروض أن ندخل من باب ونخرج من باب آخر حتى يلمسوا كم نحن متواجدون في المسجد الأقصى " .
حمزة زغير: نستقبل العيد بالأسف لأنّ مدينة القدس محتلّة
حمزة بدر يوسف زغير من سكان البلدة القديمة بالقدس: العبد الفقير الذي يتكلم إليك ممنوع من الدخول الى المسجد الأقصى المبارك ، بيتنا لا يبعد عن المسجد الاقصى سوى 100 متر ، لم أدخل الى المسجد الأقصى ولا يوم واحد ، حيث اني ممنوع من دخول المسجد الأقصى لمدة سنة ، كانت ستة أشهر ومددت الى ستة أشهر أخرى ، حرمت من دخول المسجد خلال شهر رمضان المبارك ، وكان الأمر جد صعب ، حيث انني طوال الوقت ومنذ صغري اعتدت الإعتكاف في المسجد الأقصى المبارك ، حرمت من ليلة القدر ، حرمت من العشر الأواخر ، حرمت من المساعدة والتطوع بنشاطات تنظيم وجبات الإفطار والسحور وسقاية الصائمين في المسجد الأقصى المبارك ، حرمت من جميع هذه الأمور هذا العام ، وهي السنة الأولى التي أمنع فيها من دخول المسجد الأقصى خلال رمضان ، أول سنة من 30 سنة من عمري".
سألناه ، وكيف تستقبلون العيد :" طبعا نحن اليوم نستقبل العيد بالأسف ، الكل يستقبل العيد بالفرح ، ولكن نحن نستقبله بالأسف لأنّ مدينة القدس محتلّة ، والمسجد الأقصى محتلّ ، ونستقبل العيد في ظلّ الإحتلال ، في ظل وجود مئات الشباب المعتقلين ، هناك شباب من اهل البلدة القديمة محكوم عليهم بالسجن البيتي ، هناك 10 شباب حكم عليهم عليهم بالسجن البيتي بسبب احداث متعلقة بالدفاع عن المسجد الأقصى ، هؤلاء يستقبلون العيد في بيوتهم ، وهؤلاء قضّوا أيام رمضان في بيوتهم ، كانوا يسمعون صوت مؤذن الأقصى ، ولا يستطيعون الوصول للصلاة في المسجد الأقصى " .
في هذه المناسبة أوجه رسالتين قال الأخ جمزة زغير :" الأولى لأهل القدس : نحن اهل القدس اليوم في الواجهة ، نحن في الصف الأول للتصدي لإنتهاكات الإحتلال للمسجد الأقصى المبارك ، وأوجه الرسالة الثانية للشباب من الجيل الصاعد ، إذا نحن لم نقف موقف المدافع والمحافظ المسجد الأقصى ، فسيضيع المسجد الأقصى ، وتضيع القدس ، كل الحمل علينا وعلى الأهل في الداخل الفلسطيني فلسطينيو الـ 48 ، إذا لم نقف نحن جميعا وقفة رجل واحد فسيضيع المسجد الأقصى وستضيع القدس " .
ابو صهيب: نحن أحق الناس بالدفاع عن المسجد الاقصى المبارك
عدلي ناصر الدين " ابو صهيب " – من سكان باب السلسة بجوار المسجد الأقصى المبارك : " العيد عندنا في القدس والحمد لله جميل ، انه جميل بوفود المصلين الى المسجد الأقصى من اهلنا في القدس والداخل ، ومن أهلنا في الضفة الغربية ، كان الأقصى سعيد ايضا بالسابق بوفود المصلين من أهلنا في غزة ، أما الآن وقد أغلقت الأبواب وشُدّد الحصار على غزة ، وعلى أهلنا في الضفة ، القدس اليوم حزينة ، والأقصى حزين ، بعدم إتيان أصحابه ، الأقصى حزين لأن كثير من المصلين لم يستطيعوا الوصول اليه ، لكنه فرح بالمصلين الذين اتوا اليه في شهر رمضان ، نقول سنبقى بالقدس ، نحن المقدسيون سنظل مرابطين في المسجد الأقصى ، وأقول لأهلنا في القدس إنّ المسجد الأقصى أعزّ من أن يُنتصر له ونحن عاصون ، بعيدين عن الله ، ورسالتي هي لشبابنا ، ولأولادنا أن يلتزموا بكتاب الله ، ويتّبعوا سنة الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم – وان يلتزموا الرباط في المسجد الأقصى المبارك ، فنحن أحق الناس بالدفاع عن المسجد الاقصى المبارك " .
ابو أشرف: أتمنى أن أصلي صلاة العيد في المسجد الأقصى
غازي شهاب " أبو أشرف " – من مخيم نور شمس – طولكرم : التقينا به وهو خارج من أحد أبواب المسجد الأقصى في طريق عودته الى بلدته : " انا معتكف في المسجد الاقصى في الأيام العشر الأخيرة في المسجد الاقصى ، رغم المخاطر التي والمضايقات التي نلاقيها ولاقيناها في الطريق لكننا كنا مصرّين للوصول الى المسجد الأقصى المبارك للصلاة فيه ، الطريق ليست سهلة ، حاجز قلنديا مفتوح لكن فيه كثير من المعاناة والمضايقات ، لكن الفرحة عارمة عندما تدخل المسجد الأقصى المبارك ، دموعك تنهمر تلقائياً ، بدون مقدمات ، وانا أتكلم إليك ودموعي تنهمر ، المسجد الأقصى هو معلم ديني تاريخي عظيم ، هو جزء من كياننا ، لكن الحسرة الآن في قلب الإنسان ، ان الواحد منا لا يعرف هل يستطيع العودة العام القادم الى المسجد الأقصى المبارك؟! أم لا ؟! ، الحزن الذي أشعر فيه الآن هو حزن الأرض كلها لفراق المسجد الأقصى المبارك ، ويا ليتنا كنا نستطيع أن نعيّد في المسجد الأقصى المبارك ، والله أتمنى أن أصلي صلاة العيد في المسجد الأقصى المبارك ، وهي أمنيتي الكبيرة أن أصلي صلاة العيد في الأقصى ، لكن كما تعرف نحن لا نسمح لنا أن نصل الى المسجد الأقصى في أيام العيد " .
ويضيف السيد شهاب : " رسالتي لأخواننا في القدس ، أقول لأهل القدس العظام الكرام المرابطين الصابرين الماسكين لجرحهم بكل ما أوتوا من قوة ، وهم الذين تكلم عنهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – بأنهم المرابطون الى قيام الساعة ، لأخواننا في القدس نقول ونوصي بالزيادة من التمسك بمسجدنا الاقصى ، ومسرى حبيبنا محمد – صلى الله عليه وسلم - ، اما لأهلنا في الضفة الغربية فأقول وأوصيهم بأن يكثروا من زياراتهم وتواصلهم الى المسجد بكل طريق ممكنة ، ولن نعدم الوسيلة للوصول الى المسجد الأقصى ، وان تحمّلنا العناء والمشقّات من اجل الوصول الى المسجد الأقصى المبارك "
يستكمل حديثه معنا ، هذا ابني احمد عمره عشرة سنوات أول مرة يدخل المسجد الاقصى وعندما دخل المسجد الاقصى ، بكى ، قال لنا أحمد :" أحب المسجد الاقصى وهذه أول مرة أدخل المسجد الاقصى ، وانا الآن حزين لأني أغادر ، وكم أتمنى أن يتحرر المسجد الأقصى المبارك ، لنزوره ونصلي به بحرية واطمئنان " .
رامي عبد السلام: وضعنا يسوء يوما بعد يوم
رامي عبد السلام - شارع الواد – القدس القديمة: برائحة فيحاء وهو صاحب محل للعطور يهنئنا فيقول: "بسم الله الرحمن الرحيم ، اولا الله يعيدو علينا بالصحة والسلامة والعافية ، علينا وعلى جميع الامة الإسلامية ، بالخير والبركات ، وتكون السنة القادمة أحسن وأحسن ، وأشدد على ضرورة وقوف العالم الإسلامي والعربي مع المدينة المقدسة ومع المسجد الأقصى ، وضعنا يسوء يوما بعد يوم من قبل الإحتلال والمستوطنين ، ونحن بحاجة الى الدعم المتواصل ، الحمد لله بشكل عام كان إقبال على العطور في رمضان وازداد في الأيام الأخيرة عشية العيد ، والله يهدّي البال " .
وكل مشاهد العيد المفرحة كانت في مدينة القدس ، فارتسمت الفرحة والبهجة على وجه أطفالها ونسائها ورجالها ، قال لنا الطفل محمد دويك ملخصاً: " رمضان كريم .. وعيد كريم" . لكن ستظل هذه الفرحة منقوصة الى أن يتحرر الاقصى والقدس ويومئذ تكتمل الفرحة ويهدأ البال ، ويستقر الحال ...
* تقرير : محمود أبو عطا
* تصوير : شرف أحمد
[email protected]
أضف تعليق