من سجينة أمنية سابقة... الى وزيرة في مكتبٍ وسط مدينة رام الله... تحملُ معها ذكرياتِ الماضي، حين رفعت علم بلادها، يومَها كانت قدوتها، واحدة من المناضلات اللواتي استطعن تحرير بلادهن من الاحتلال، "جميلة بوحيرد" كانت مثلاً يحتذى به في عيون طفلة لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها.. وظلّت تناضل... وكبر الهم الفلسطيني، فصارت تعتقل مع غيرها من الفلسطينيين كلما استشاط الاحتلال، لكنها... في كل مرّة تخرجُ أقوى... حالمةً بيومٍ يستعيد فيه الوطن عافيته، وتحقق الحرية.. إنها ربحية ذياب المرأة الفلسطينية التي كسرت القيود... ثم قادت وزارة شؤون المرأة.

عددٌ من الصحافيين التقوا أواخر الأسبوع الماضي، الوزيرة ربحية ذياب، التي تحدثت اليهم عن مسيرة حياتها، منذ كانت مناضلة وحتى أصبحت وزيرة في العام 2003، إليكم اللقاء مطوّلاً:

الوزارة مهمة نضالية

بدأت ربحية ذياب التعريف بعملها فقالت: "اعتبر الوزارة مهمة نضالية وليست شيء آخر، فهي ضمن التسلسل الذي مرّ بحياتي وهي جزء من العطاء الذي نقدمه لشعبنا عمومًا ولنسائنا بصورة خاصة".

"يأتي تأسيس أول وزارة لشؤون المرأة في فلسطين استجابة لنضالات المرأة الفلسطينية لنيل حقوقها الوطنية في الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية من جهة، ولنيل حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لبناء مجتمع مدني تتحقق فيه التنمية الإنسانية الشاملة من جهة أخرى.
وبما أن قضية المرأة قضية وطنية ومجتمعية، وجب على الدولة لعب دور مركزي وحيوي في تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها الكاملة والفاعلة في مجالات الحياة كافة بهدف جسر الهوة القائمة بين الرجال والنساء في مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية، ومن اجل ترشيد وتنظيم الجهود الموجهة لتمكين المرأة من قبل كافة الجهات الرسمية والأهلية، فكان لا بد من وجود وزارة تتوج نضال وعمل المرأة الفلسطينية وأخذ احتياجات النساء بالاعتبار عند وضع الحكومة البرامج والخطط التنموية بشكل يضمن عدم التمييز ضد النساء".

المرأة والرجل

وزارة شؤون المرأة، تقول ذياب: "تستهدف المرأة والرجل في المجتمع الفلسطيني، فهما يعيشان نفس العادات والتقاليد، نفس ظروف القهر والعذاب والضغوطات أسوة بسائر أبناء الشعب، ورغم ما حققه الفلسطينيون من انجازات، لكن ينقص امرٌ يجب ان يصحب الوعي الشخصي، هو التشريعي، وبما انّ التشريعي معطّل، فإنّ كثيرًا من التطورات تواجه عثرات جمّة"...

وتضيف ذياب: "وزارة شؤون المرأة تعمل منذ أن قامت على إجراء ورشات عمل، وتدريبات مستمرة تشمل نساءنا ورجالنا من إعلاميين وحقوقيين وموظفين وغيرهم، وبهذا نخدم الرجل والمرأة معًا".

على المرأة أن تعي مصالحها أولاً!

رغم التغييرات الطفيفة التي تُنصف المرأة الفلسطينية في القانون، فإنّ وزارة شؤون المرأة هي واحدة من الوزارات التي تسعى الى رفع مكانتها ودفعها الى نيل حقوقها، لكن الأهم أن تعي المرأة هذه الحقوق جيدًا، بروح هذا الكلام تحدثت ربحية ذياب وتابعت:
"إنّ القوانين التي تُسن لصالح المرأة وهي لا تعيها جيدًا قد تضرها أو تخسرها بسهولة، ومن هنا تأتي الحاجة الى توعية المرأة لدورها أو لهذا القانون الذي سيُسن، وهناك قوانين لا تتماشى مع روح الثقافة، وتبدو غريبة عن مجتمعنا، وقوانين اخرى ممتازة، لكنها تحتاج الى تأهيل للمرأة من أجل التمتع بها، خاصة أننا مجتمع فلسطيني عربي شرقي، نتعامل مع الحداثة والتطور الى جانب تقاليدنا وعاداتنا لكن عبر تخطيط مدروس للوصول الى المبتغى".

وزارة غير تنفيذية

تؤكد ذياب أنّ وزارة شؤون المرأة، جاءت ثمرة جهد للعديد من المؤسسات النسوية، ولا تحمل دورًا تنفيذياً، وإنما مهامها تقتصر على الرقابة وتنفيذ خطط وبرامج، ومن بين الأمور التي يتم مراقبتها : الإجحاف في الوظائف، التمييز بين الرجل والمرأة -عندما تكون هناك كفاءة بين الاثنين- في أماكن العمل وخاصة المؤسسات والوزارات الحكومية، كما يتم متابعة شؤون المرأة في المجالات التالية: الحياة العامة، العمل، الاقتصاد، التعليم الالزامي، التعليم العالي، الصحة، الثقافة.

ازالة بندين من القوانين المجحفة بحق المرأة.. بيد الرئيس

ساهم وجود وزارة لشؤون المرأة بطرح بدائل لكوكتيل من القوانين المفروضة على الفلسطينيين، جراء الاحتلالات المتراكمة منذ الانتداب البريطاني ويليه تمّ اتباع القوانين المصرية والأردنية يليه الاحتلال الاسرائيلي والحكم العسكري... وإحدى القضايا التي وضعت على المحك تتعلق بما يسمى "شرف العائلة"، وقد رُفعت مادتين تنصفان المرأة وتساويانها بالرجل في هذا الباب، الا انّ الموافقة على القانون مرهونة بإمضاء الرئيس.

سلطة فلسطينية غير مكتملة السيادة

رغم التأخير في إصدار قوانين تنصف المرأة، الا ان الوزيرة ذياب، تنظر الى الوضع المحلي بكثير من التفاؤل، فهي تعترف أنّ السلطة الوطنية الفلسطينية غير مكتملة السيادة، وهي على طريق انشاء الدولة، وهناك تخوف كبير من ان يعود الفلسطينيون الى نقطة الصفر، لكنّ هذه السلطة ترنو الى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات عاصمة وذات حدود وسيادة.

ومع صراحتها فإنّ ذياب فخورة بما أنجزته الحكومة خاصة بشؤون المرأة، من خلال وجود 5 وزيرات، وقيادات في السلطة، فـ"في أحلك الظروف وعندما كانت المواقع حكرًا على الرجال، اصبح هناك محافظ لمدينة رام الله والبيرة امرأة، وأخرى رئيسًا لهيئة سوق المال الفلسطيني، وثالثة مسؤولة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وهناك 20 قاضية عادية وثلاث قاضيات شرعيات".

14% أو ما يزيد قليلاً ... نسبة النساء العاملات في الضفة الغربية

إنّ 14% من الفلسطينيات هن من النساء العاملات، والإشارة هي الى النساء في الوظائف الحكومية، بينما لم تحصر العاملات في أماكن غير حكومية، كالزراعة والبيع وهو رقم يحدث صدمة قوية في وزارة شؤون المرأة وفي الضفة الغربية بصورة عامة.

أما في الداخل الفلسطيني فنسبة العاملات العربيات هو 19% من مجمل النساء الفلسطينيات.

قفزات مهمة

تشير ذياب ان المرأة الفلسطينية تتطلع الى تحقيق المساواة التامة، وخيرُ دليل على ذلك كما تقول ان تكون 60% من طلاب التوجيهي هن من الفتيات، وأنّ من بين 20 طالبًا متفوقًا هناك 18 طالبة.

وتنهي ذياب "لا يمكننا أن نتجاهل نضال المرأة الفلسطينية وصمودها، وقدرتها على الحفاظ على نفسها وعائلتها، وهي التي اعتُقلت، أو سجن زوجها، أو استشهد شقيقها... إنها المرأة التي ربّت عائلتها على "حب التراب".

ما لا تعرفونه عن وزيرة شؤون المرأة!!

* وُلدت في دورا قرب رام الله، لعائلة فلسطينية.
* اعتقلت لأول مرة وهي في الثانية عشر من عمرها بتهمة تنظيم مظاهرات ضد الاحتلال الاسرائيلي، كان ذلك عام 1968.
*اعتقلت عام 1976، حُكم عليها 3 سنوات نفذت سنة ونصف فعلية.
* سجنت عام 1981، حكُمت بقانون "تمير" وسجنت 5 سنوات، بينما قضت 4 سنوات من المحكومية.
*1987 مع بداية الانتفاضة، اعتقلت 4 مرات للتحقيقات، وحكم عليها بالإقامة الجبرية لمدة 6 أشهر، وقد خُتمت هويتها 9 مرات، لدواعٍ "أمنية" احتلالية.
*كانت متزوجة وحامل عندما داهمها المحققون واعتقلت اربع مرات، مرتين وهي حامل ومرتين عندما كانت طفلتها رضيعة.
* بدلاً من الحصول على اللقب (علم اجتماع، خدمة اجتماعية)، بـ4 سنوات، حصلت عليه بعد 25 سنة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]