بينما لم تنزل احتجاجات المعلمين عن العناوين الرئيسية بالأشهر الأخيرة، وبشكل خاص معلمي المدارس الابتدائية ورياض الأطفال التابعين لمنظمة المعلمين- الهستدروت، والإضرابات المتتالية، والتي من خلالها يطالب المعلمون بتحسين ظروفهم، وبشكل خاص المعلمون الجدد لترغيب دخول المزيد من الطاقات إلى المجال، لا زالت مشكلة المعلمين في المجتمع العربي تختلف كليًا. فبينما تحاول نقابة المعلمين جذب المزيد من المعلمين إلى هذه المهنة، هنالك الآلاف من المعلمين العرب الذين ما زالوا يبحثون عن وظائف شاغرة".

لا يوجد معطيات محددة لعدد المعلمين الباحثين عن عمل، كون هنالك من تسجل في وزارة التربية والتعليم وهنالك من تسجل في المجالس المحلية للمدارس الثانوية وهنالك من تم استيعابه مؤخرًا، وهنالك أيضًا من وصل إلى حالة يأس تدفعه لعدم التسجل أصلًا، والبحث عن فرص عمل أخرى بمجالات أخرى. واذا أردنا التحدث عن عدد المعلمين الباحثين عن عمل في المدارس بالابتدائية، فإن "آخر معطى يشير إلى أن الطلبات يبلغ عددها 10 آلاف" وفق رئيس لجنة متابعة التعليم العربي التابعة للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، د. شرف حسّان، والذي أضاف: "هذا العدد لا يشمل الذين يبحثون عن عمل في المدارس فوق الابتدائية ولا يشمل الذين توقفوا عن تقديم طلبات التوظيف، رغم أن هنالك فرص وامكانيات عديدة لتوظيف المعلمين، خصوصًا في البرامج التعليمية الجديدة التي تزيد من ساعات التدريس وفي برامج التربية اللامنهجية وبالإضافة إلى دمج المعلمين والمعلمات العرب بالمدارس اليهودية، إلّا أننا ذلك لا يحصل بما فيه الكفاية، لذلك فإن مشاكل المعلمين العرب ليست نفسها مشاكل المعلمين بشكل عام والتي تنظم بسببها النقابة الاحتجاجات منذ شهور، رغم دعمنا الكامل لهذه المطالب، فنضال النقابة يهدف إلى تحسين ظروف المعلمين الموجودين وتحسين ظروف المعلمين الجدد لإغراء المزيد من الشبان والشابات على التوجه لموضوع التدريس، وهذا يُفهم أنه موجه للوسط اليهودي، حيث النقص في عدد المعلمين".

مستوى اقوى 

وفيما يتعلق بمستوى التعليم، يقول حسّان: "لدينا توجه واضح في لجنة متابعة التعليم، بأن يكون مستوى المعلمين أقوى، هذا توجه طبيعي ولصالح الطلاب ولصالح المجتمع، وبالتالي ندعم رفع شروط القبول لتعلم هذه المواضيع في الكليات والجامعات، فجلب أشخاص ملائمين ويؤمنون بالتعليم وأهميته، ولديهم القدرات الكافية وليس أشخاص توجهوا إلى هذا الموضوع كخيار أخير أو لكونه الموضوع، سيجعل مستوى التعليم أفضل في كل شيء".

وأكد حسّان، وهو محاضر في عدة كليات للتربية ومعلم مدرسة أيضًا، أن كثرة تغيير الحكومات، وبالتالي وزراء التربية والتعليم، يؤثر بشكل كبير على استقرار جهاز التعليم، إذ أن كل وزير جديد يحاول اجراء إصلاحات سريعة وكبيرة، وكل الإصلاحات تأتي من فوق، بمعنى أنها لا تكون بمشاركة المعلمين أنفسهم ولا حتى المنظمات، وبالتالي هذا يزيد من الفجوات ويعزز ظاهرة الاستعلاء والتهميش بحق المعلمين من قبل الوزارات".

عن تجربتها الشخصية، تقول (س.س)، رفضت أن نكتب اسمها لأسباب خاصة: "أنهيت اللقب الأول مع شهادة تدريس، لتعليم اللغة العربية، عام 2013 ولم أجد عملًا، كحال معظم الخريجات، ثم قررت أن أتعلم اللقب الثاني لأنهم قالوا لي أن هذا يعزز من فرصة قبولي للعمل كونه يرفع من عدد النقاط، فأنهيت اللقب الثاني ورغم ذلك لم أتوفق بعمل جديد، بعد ذلك قررت أن أتعلم للقب الثالث، وبدأت فعلًا بذلك، لكني توقفت فالتكاليف كبيرة وأنا أم عزباء (حاد هوريت)، دخلت بحالة احباط، فكل شهاداتي بعلامات عالية جدًا وامتياز، ونجحت بامتياز في كل الامتحانات الخاصة بالوزارة والتي من المفترض أن يرفع النجاح بها عدد النقاط، ورغم ذلك، أجد نفسي كل عام بلا وظيفة، مؤخرًا عملت كمعلمة بديلة لمعلمة أخرى خرجت لاذن ولادة، وعندما رأت المديرة قدراتي، قررت أن تبقيني في المدرسة بشكل جزئي كمعلمة بديلة، ولكن هذا ليس عملًا، نعاني من حالة احباط كبيرة، وطبعا العمل في النقب، حتى وإن كانت الفرص ممكنة، لكنه غير ممكن بالنسبة لي، فلا استطيع ترك عائلتي ولا استطيع نقلها معي. وحاولت أن أتقدم للتعليم في مدارس ثانوية، ولكن لم اتوفق بذلك وسأستمر بالمحاولات، رغم معرفتي أن حالتي تشبه حالة الآلاف من المعلمات والمعلمين".

"هذه الأزمة الخاصة بالمجتمع العربي، هي واحدة من أصعب الأزمات، فبينما يرتفع سنويًا عدد الخريجين والخريجات، هنالك انخفاض ملحوظ في عدد الطلاب، فالعائلة العربية أصبحت أصغر من السنوات السابقة، وبالتالي فإن انخفاض عدد الطلاب يزيد من عمق أزمة المعلمين، فهو يعني عدم توفر ملكات جديدة، بل تقليص عدد الملكات" يقول صفوت طه، القيادة في نقابة المعلمين (الهستدروت)، ويضيف: "هنالك بين 8-12 ألف معلم يبحثون عن عمل، وفي كل سنة هنالك 500 خريج وخريجة جدد، ينضمون إلى هؤلاء، يتوظف منهم عدد قليل، فيما يبقى العدد الأكبر ضمن المعطلين عن العمل، وباعتقادي حتى عام 2030 سيصل العدد إلى 20 ألفًا، اذا لم تستفيد الوزارة وتقوم بخطط ومشاريع تضمن توظيف هؤلاء المعلمين، ومن ضمن الاقتراحات، موضوع دمج المعلمين العرب في المدارس اليهودية، هنالك اليوم نحو 500 معلم ومعلمة عربي في المدارس اليهودية، في منطقة المركز بشكل خاص، لكن العدد يجب أن يكون أكبر بكثير".
"قضية مثل هذه بإمكانها أن تكون برنامج انتخابي كامل لحزب في الانتخابات، فنحن نتحدث عن آلاف العائلات التي تعاني، عن أضرار كبيرة وخطيرة، ولكن للأسف حتى لو وُجد الحل للمدى الطويل، إن المشكلة بالنسبة للمدى القصير ستبقى قائمة، فالاقبال، بشكل خاص من قبل الشابات، على تعلم هذا المجال في الكليات، كبير جدًا".

النقابة ...

وحول عمل نقابة المعلمين: "في نقابة المعلمين لا نبحث بشكل خاص قضية المعلمين الباحثين عن عمل، كون النقابة تبحث ظروف وشروط المعلمين من أعضائها، بمعنى الذي يعملون فعلًا في المجال، والنضال الذي تقوده النقابة حول ظروف المعلمين، يشمل الجميع على حد سواء، ولكن بالنسبة للمجتمع العربي، فنحن نناقش موضوع النقاط والتعيينات حسبها وكل الاعتراضات على هذه الطريقة".

حول نظام النقاط، تنتقد عضوة الكنيست غيداء ريناوي زعبي (ميرتس) العمل به، وتقول "هذا النظام المستخدم فقط لدى العرب، والذي قالوا أنهم اعتمدوه لمنع الواسطات والمحسوبيات، والذي يجمع المعلم فيه النقاط وفق عدة معايير، منها الخبرة، اللقب الجامعي والمشاركة في دورات واختبارات معينة، هو نظام غير واضح، ولا يعرف المعلم فيه أين يتواجد، في أي مرحلة أو في أي مرتبة، فيه من الغموض أكثر بكثير مما فيه من العدل الذي أقيم من أجله، والشكاوى ضده كثير وعديدة ومحقة".

"منذ دخولي إلى الكنيست، أعلت أني سأعمل على قضية معاناة 13 معلمة ومعلم المعطلين عن العمل، وعلى قضية معاناة المعلمات اللواتي يعلمن في النقب وعددهن بين 3-4 معلمة ومعلم، يبيتون في النقب وبعضهم يسافرون يوميًا لساعات طويلة، شاركت بجلسات وطرحت الموضوع أكثر من مرة أمام وزيرة التربية والتعليم يفعات شاشا بيتون ونائبها عضو الكنيست مائير هليفي، وهو كشخص متعاون ومصغي، ولكن كل الاجتماعات لم تحقق أي شيء، وبالمقابل، كانت الوزيرة تتفاخر أنها زادت الملكات في جهاز التربية والتعليم بـ400 وظيفة، 400 من 13 ألفًا، هذا عدد لا يستدعي التفاخر، فالإمكانيات كثيرة، منها زيادة عدد الصفوف، وتوسيع المدارس، فالانخفاض في عدد الطلاب غير قائم في كل البلدات، ولكن هذه الزيادة تحتاج إلى ميزانيات كبيرة، وبالتالي هذا ما يجعل الدولة تفكر مرتين وأكثر، فمثلًا في الخطة الخماسية 550، هنالك ميزاني مخصصة لبناء المزيد من الصفوف، لكن دون التطرق لتوسيع نفوذ البلدات كي يتسنى بناء صفوف جديدة، ودون ملكات جديدة. وأيضًا بالإمكان إيجاد حلول خلاقة، مثل تعليم المعلمين العرب في مدارس يهودية، وتوظيف ملمين جدد في مشاريع التعليم اللامنهجي، حتى لو كانت وظائف جزئية، قد تعجب قسم كبير من المعلمين والمعلمات، ولكن للأسف، الإعلام العبري والهستدروت، يركزون كل جهودهم على قضايا المعلمين اليهود، دون أي اهتمام أو تطرق لقضايا المعلمين العرب، وبينما يطالب المعلمون اليهود بأن يتم تحسين ظروف عملهم، يطالب المعلمون العرب بأن يعملوا فحسب".

فيما يتعلق توظيف المعلمين العرب في المدارس اليهودية، أرجع مدير مدرسة "تيخونت في تل أبيب، رام كوهين، الذي تقاعد في نهاية العام الدراسي المنصرم، الأمر إلى عدة أسباب "منطقيًا، لا ينبغي أن تكون هنالك مشكلة بتوظيف المعلم العربي في المدارس اليهودية. نائبتي معلمة عربية وتضع على رأسها الحجاب وأحيانًا كان هناك بعض الأشخاص الذين يتفاجئون من النظرة الأولى عندما يرونها ولكن بمجرد أن تتحدث، تختفي الدهشة. كما يوجد مدرّسة لغة انجليزية عربية في المدرسة، وهي معلمة متميزة وبارعة، بمعنى أنه ليس من المستحيل توظيف المعلمين العرب في المدارس اليهودية لكن السبب الأول لعدم إدراج المدرسين العرب في المدارس اليهودية هو البعد الجغرافي، فالنقص بالمدارس اليهودية هو بالأساس في المركز والجنوب، ومعظم المعلمين العرب من الجليل والمثلث، أي المسافة ليست قريبة، فهي 40 كيلومترا على الأقل. وهذه مسافة طويلة بالنسبة للمعلم الذي يأتي إلى العمل كل يوم. السبب الثاني، في رأيي، يتعلق بحاجز اللغة، قدرة الشخص على التحدث باللغة العبرية بطلاقة لا تعني قدرته على التدريس باللغة العبرية، يحتاج التدريس إلى لغة قوية جدًا، وقد يكون عائقًا أمام بعض المعلمين، ويفكرون مرتين قبل التقدم لوظيفة تدريس في مدرسة يهودية ".

عنصرية 

ويرى كوهين أن السبب الأكثر تعقيدًا هو السبب المتوقع في الواقع الإسرائيلي "العنصرية" ، ويضيف: "المجتمع اليهودي في إسرائيل منقسم بين الحريديم والعلمانيين. مدارس الحريديم لا تقبل المعلم العربي. أما بالنسبة للمدارس في المجتمع لعلماني، فلا تزال هناك حواجز للأسف، منها أسباب عنصرية، لخوف من تعليقات الأهل أو مخاوف من التجربة نفسها. لا بد من الاعتراف بأن المجتمع الإسرائيلي مجتمع عنصري ويتعامل مع الأحكام المسبقة، وحتى المعلمة اليهودية المتدينة قد تكون غير مقبولة في بعض المدارس اليهودية العلماني ، فكم بالحري بمعلمة مسلمة ترتدي الحجاب على رأسها؟

من ناحية أخرى يقول كوهين أن "هناك مواد مثل الفيزياء والرياضيات في المدارس الثانوية، وأيضا الكيمياء واللغة الإنجليزية بمستوى 5 وحدات، هذه مواضيع تعاني من نقص في المعلمين لدى اليهود والعرب على حد سواء".

أما بالنسبة للحلول ، فلا يرى كوهين حلولًا في المستقبل القريب لهذه الأزمة، وقال: "على سبيل المثال، إذا قررت وزارة التربية والتعليم إطلاق خطة لرفع رواتب المعلمين العرب بمقدار 3000 شيكل حتى يتمكنوا من العيش في المركز لتسهيل انضمامهم إلى طاقم المدرسة اليهودية، قد يكون حلاً مفيدًا، لكنه بعيد المنال".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]