لاحظت فى مطبوعات وأنشطة منظمات المجتمع المدنى فى مصر المعنية بحقوق الإنسان أنها لم تلق بالا لموضوع حصار غزة. صحيح أن هناك استثناءات محدودة على تلك القاعدة، وهناك نشطاء شاركوا بأشخاصهم فى جهود الإغاثة ومساعى كسر الحصار. لكن الأغلبية تنطبق عليها الملاحظة التى ذكرتها. هذه الصورة بدت أكثر وضوحا خلال الأسابيع الأخيرة.

إذ فى حين وجدنا أن منظمات المجتمع المدنى الأوروبية والتركية هى التى تولت تجهيز أسطول الحرية، بتعاون مع منظمات موازية أخرى فى الكويت وقطر، وفى حين تكاتفت جهود منظمات عدة فى لبنان لتجهيز السفينتين مريم وناجى العلى، فإننا لم نلمس جهدا يذكر فى هذا الصدد من جانب منظمات حقوق الإنسان المصرية، ولولا الإسهام النسبى فى الإغاثة من جانب الهلال الأحمر المصرى والجمعية الشرعية ولجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب وبعض النقابات المهنية الأخرى (التى ليست تحت الحراسة)، أقول لولا تلك الجهود لبدا منظر مصر فى هذه الساحة بائسا ومحزنا.

لا أريد أن أهون من شأن جهود منظمات حقوق الإنسان المصرية التى تبذلها داخل البلاد. حيث يعرف الجميع كم هى تستحق التقدير والاحترام، ويدرك الجميع أيضًا أنها تدفع ثمنا مرتفعا لقاء قيامها بمهام التحقيق والتوثيق والرصد للانتهاكات الحاصلة.

لكننى مع ذلك استغرب أن تتحرك بهذه الهمة فى داخل مصر، ثم تغيب تماما عن الحاصل فى غزة، رغم أنه يجسد أحد أبشع مظاهر انتهاك حقوق الإنسان الفلسطينى.

حاولت أن أبحث عن تفسير لذلك، فتراءت لى الاحتمالات التالية:

استبعدت فى البداية أن تكون تلك المنظمات حريصة على عدم إغضاب الحكومة، التى لا تحبذ التحرك الأهلى لإغاثة القطاع، بما قد يخل بالحصار المفروض عليه.

كما استبعدت أن يكون مسئولو تلك المنظمات قد آثروا السلامة، وتجنبوا التوقيف والاعتقال وغير ذلك من الإجراءات التى يتعرض لها الناشطون.

وكان سبب استبعادى لهذين الاحتمالين أن تلك المنظمات تغضب الحكومة وتستفز الأجهزة الأمنية فى حالات أخرى كثيرة، وبالتالى فهى ليست فى وارد إرضائها، ثم إن أعضاءها يعرفون جيدا أن نشاطهم فى المجالات الأخرى يعرضهم للملاحقة والاعتقال وغير ذلك، ولكثيرين منهم «سوابق» تدل على أنهم على استعداد لدفع ثمن الدور الذى يقومون به.

خطر لى احتمال آخر يفسر ذلك العزوف انطلاقا من الموقف الأيديولوجى، باعتبار أن نسبة غير قليلة من قيادات تلك المنظمات من الماركسيين السابقين الذين لا يزالون يعتبرون الجماعات الإسلامية خصما لهم. وبعضهم ليس مستعدا لتقديم أى عون للقطاع طالما ظلت حركة حماس قائمة عليه.

ولذلك فقد صرفوا النظر عما يجرى فيه وأسقطوه من أجندتهم. وجدت أيضا أن يكون بعض الليبراليين أو العلمانيين المتطرفين، ربما اعتبروا أن التضامن مع القطاع قد يكون تعبيرا عن التضامن مع حماس، وهو ما لا يريدونه، ويفضلون الابتعاد عنه.

وكان هناك احتمال آخر، هو أن تكون تلك المنظمات ضد المقاومة ومع التسوية السلمية والمفاوضات التى تنحاز إليها رئاسة السلطة فى رام الله. وهو موقف يجعلها فى حالة تقاطع مع القطاع والقائمين عليه.

لم أجد أيا من تلك الأسباب مقنعا وكافيا فى تفسير غياب منظمات حقوق الإنسان فى مصر عن ساحة التضامن مع غزة، صحيح أن بعضها قد يكون له تأثيره السلبى بدرجة أو أخرى. لكن موقف ذلك البعض لا ينهض سببا كافيا لإحجام الكل، لذلك اتجهت إلى البحث عن قاسم مشترك أقوى يفسر الظاهرة. وقد وجدته فى التمويل الأجنبى الذى تعتمد عليه تلك المنظمات جميعها. وقد نبهتنى إلى ذلك ملاحظة استوقفتنى وأنا أقرأ مطبوعاتها وإصداراتها الأخرى.

إذ وجدت انها تدافع عن الشاذين جنسيا (يسمونهم المثليين من باب الالتفاف على الحقيقة)، الأمر الذى اقتضى أن ذلك الدفاع أصبح أحد بنود الأجندة الغربية.

وإذ لاحظت حضور الشاذين وغياب التضامن مع قطاع غزة فى مطبوعات المنظمات، فإن ذلك أكد عندى أنه يشكل الوجه الآخر للأجندة الغربية.

وقد تعزز ذلك التأكيد حين وجدت أن المنظمات الأهلية الوحيدة فى مصر التى تسعى للتضامن مع غزة واغاثتها (السابق الإشارة إليها) هى تلك التى تعتمد على التمويل المحلى ولا شأن لها بالمعونات الغربية.

إن الغربيين حين يدعمون أى منظمات فى مصر، أو فى أى بلد عربى آخر، لا يقدمون الأموال من باب البر والإحسان ولكنهم حين يدفعون فإنهم ينتظرون المردود يوما، عاجلا أو آجلا.

والموقف الذى تبنته منظمات حقوق الإنسان من قطاع غزة من نماذج الوفاء العاجل بذلك الدين.
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]