بما انه لايوجد تعريف محدد للخجل، كما لايوجد مقياس مطلق له، ومع ذلك يشير تعبير الخجل إلى أولئك الذين يجدون صعوبة في التفاعل الاجتماعي، ولدى بعض الأطفال أو المراهقين قد يكون الخجل ناجماً عن عدم كفاية المهارات الاجتماعية او ما يسمى بالادوات الاجتماعية، ولدى البعض الآخر يرجع إلى افتقاد الثقة بالنفس مما يجعلهم يبالغون في الاهتمام بنظرة الآخرين لهم. 

الوالدان الخجولان عادة ما ينجبان أطفالاً خجولين، ومع ذلك، من الممكن تخفيف حدة صفة الخجل إلى حد كبير من خلال جهد الآباء والمدرسين من أجل بناء الثقة الداخلية والمهارات الاجتماعية لدى الطفل أو المراهق. 

بعض الأفراد يرون أنفسهم خجولين إلى حد ما ومعظم الأفراد يجدون صعوبة في بعض المواقف الاجتماعية، وهناك حوالي واحد من كل عشرة أشخاص يؤثر خجله على حياته اليومية، ويؤدي الأطفال الذين يعانون من الخجل بشكل مزمن أداء جيداً في الدراسة ولكنهم يتأخرون بعض الشيء في الزواج، وعادة ما يعتبر الآباء والمدرسون الطفل خجولاً عندما يتسم بالهدوء الزائد عن المعتاد ويميل إلى اللعب مع نفسه أو أن لديه عدداً قليلاً من الأصدقاء. 

كون الطفل أهدأ من المعدل المعتاد أو يميل إلى اللعب بمفرده ليس بالضرورة سبباً يدعو للقلق، فأول سؤال يتعين على الوالدين طرحه هو ما إذا كانت المواقف الاجتماعية تسبب لطفلهما القلق والتوتر أم لا، الطفل السعيد والواثق من نفسه ولكنه يفضل البقاء بمفرده لا يدعو للقلق، ولكن الطفل الذي يجد صعوبة شديدة في المواقف الاجتماعية ويحزن نتيجة لذلك فيحتاج إلى الالتفات.
 
هناك صعوبة في تقدير أعداد الأطفال أو حتى الكبار الذين يعانون من الخجل لأن أعراض الخجل الخارجية قد تكون خادعة، فقد يكون الطفل لديه الحافز للتفاعل الاجتماعي ولكنه يجد تلك الخبرة غير مريحة إلى حد بعيد، وتتم معظم الإحصائيات من خلال سؤال الأشخاص عن خبرتهم أكثر من مراقبة سلوكهم، وقد وجدت الأبحاث أن حوالي 40 % من الكبار يشعرون بالخجل بشكل متكرر و40 % مروا بمشاعر الخجل مرة واحدة واعترف 15% بأنهم شعروا بالخجل في بعض المواقف، فقط 5% من الكبار يعتقدون أنهم لم يشعروا بمشاعر الخجل على الإطلاق، لو صدقت تلك الأرقام وهي بالطبع تعتمد على مفهوم كل فرد عن الخجل، إذن فمعظمنا يشعر بالخجل إلى حد ما ولو في بعض المواقف، وعلى أية حال فقد صرح واحد من كل عشرة أشخاص أنهم يعانون من الخجل لدرجة أن لذلك تأثيراً سلبياً على أداء مهام حياتهم اليومية. 

هناك أسلوب مختلف لتقييم الخجل وهو ملاحظة ردود الأفعال البدنية والسلوكية التي تثيرها المواقف الاجتماعية لدى الشخص، الكثير منا يجد المواقف الاجتماعية الجديدة مقلقة لكن بالنسبة لبعض الأشخاص يستبد بهم القلق لدرجة أن يحدث لديهم تأثيرات فسيولوجية يمكن إدراكها، فعند مواجهة مواقف اجتماعية جديدة أو أشخاص جدد يصاب الطفل أو المراهق الذي يشعر بمخاوف حقيقية من التفاعلات الاجتماعية بحالة من القلق ويتوقف عن الحركة ويبعد بصره بعيداً و تزداد معدل نبضات قلبه، ومع مرور الوقت قد يعاني الأطفال الخجولون من صعوبات كلامية في المواقف الاجتماعية فإما أنهم يتكلمون ببطء شديد أو يقومون بحركات عصبية مثل ملامسة وجوههم أو يدعكون أيديهم أو ما شابه ذلك. 

وبالنسبة لبعض الأطفال ينشأ الخجل أساساً من فقدهم للمهارات الاجتماعية الأساسية، فلو تمت تنشئة الطفل بشكل منعزل أو أنه لا يرى أشخاصاً جدداً بشكل كافٍ قد لا يتمكن من اكتساب المهارات الاجتماعية الضرورية إذ لا تكون لديه الخبرة أو الممارسة اللازمة للشعور بالثقة في المواقف الاجتماعية المختلفة.
فالأطفال يتعلمون كيف يكونون صداقات من خلال المشاهدة ومحاولة تجريب عدة تكتيكات واستراتيجيات.
بمقدور الآباء والمدرسين والأشخاص المؤثرين في الطفل أن يلعبوا دوراً مهماً بخصوص تلك المشكلة، الراشدون الذين يتذكرون طفولتهم المتسمة بالخجل يتذكرون أيضاً أن آباءهم كانوا يفرضون عليهم حماية أكثر من اللازم ويتذكرون فقدانهم للدفء العائلي وتعرضهم للانتفاد الشديد، وهم يتذكرون عادة انعزالهم اجتماعياً بشكل ملحوظ، خاصة إذا كانت عائلاتهم تمارس نشاطات اجتماعية محدودة ولا تتوافر لديهم الفرصة للاختلاط بالمجموعات الأخرى، تلك العائلات قد تطلب من أطفالها التفاعل الاجتماعي مع الآخرين ولكنها في الوقت ذاته لا تقدم نموذجاً جيداً لكيفية هذا التفاعل، وفي هذه الحالة يعاني الأطفال من الخجل بسبب افتقارهم للممارسة الكافية للتعامل مع الآخرين. 

وفي حالات أخرى تبدو المشكلة مرتبطة بإحساس الطفل بنفسه، فالطفل السعيد الواثق من نفسه يكون لديه إحساس ومعرفة داخلية أنه في حالة جيدة، بعض الأطفال الخجولين يفتقرون تلك الثقة الأساسية بالنفس وينشغلون دائماً بالسؤال عن ما إذا كان الآخرون يقبلونهم وملاحظة كيف يتجاوب الآخرون معهم وكيف يقيمونهم، نتيجة لذلك يمثل مقابلة أشخاص جدد والدخول في مواقف اجتماعية جديدة أمراً مثيراً للتوتر لهم لأنهم يشعرون أنهم في محاكمة والآخرون يحكمون عليهم. 

ومن الممكن ملاحظة الخجل لدى الطفل من عمر مبكر جداً، فقد اكتشفت الأبحاث اختلافات فسيولوجية بين الأطفال الصغار الاجتماعيين والأطفال الخجولين منذ عمر شهرين، وبوجه عام يظهر حوالي خمس الأطفال حديثي الولادة هدوءاً وحذراً و تحفظاً في المواقف الجديدة ويظهر خمس آخر عدم تأثره، أما الباقون فيتأرجحون بين الموقفين، ان وجود مثل هذه الاختلافات منذ سن مبكر يظهر إمكانية وجود عامل الوراثة في موضوع الخجل إلى حد ما، ومما يرجح ذلك أن الأطفال الخجولين يأتون إحصائياً من أبوين خجولين على الأرجح. 

بعض الأطفال إذن يولدون ولديهم في شخصيتهم ومزاجهم ميل لاكتساب صفة الخجل.
ولكن ذلك لايعني أن الخجل بكل عواقبه السلبية لا يمكن تجنبه، فهناك دلائل جيدة على أن التربية الإيجابية بمقدورها أن تقطع شوطاً طويلاً على طريق التخفيف من حدة صفة الخجل.
وقد وجدت الأبحاث أن ثلاثة من كل أربعة أطفال خجولين يظلون على خجلهم بعد أن يصبحوا أشخاصاً بالغين، أي أن هناك فرصة لواحد من كل أربعة أطفال خجولين أن يتخلص من خجله، وفي هذه الحالات يكون الوالدان على الأغلب هما اللذان منحا طفلهما الثقة بالنفس ومنحاه المهارات الاجتماعية لكي يخرج من دائرة خجله.
فالآباء الإيجابيون يشجعون طفلهم على الأنشطة الاجتماعية ولا ينتقدون خجله.
ويشعر هذان الوالدان طفلهما بأنه مقبول ومحبوب كما هو، ويركزان على الأشياء التي يتميز بها الطفل ويمتدحانه، باختصار يعملان على بناء ثقة الطفل بنفسه أكثر من انتقاد خجله أو تجاهل الموضوع برمته، إن الأمر يستحق بذل الكثير من الجهد من أجل مساعدة الطفل وأيضاً المراهق في التغلب على خجله لأن عواقب الخجل المستمر تسبب المشاكل على المدى البعيد، فقد أوضحت الأبحاث أن الأشخاص الخجولين يتمتعون بعلاقات محدودة مع الجنس الآخر ومن السهل أن يعانوا من الاضطرابات الغذائية، كما وجدت الأبحاث أيضاً أن الرجال الذين يعانون من الخجل يتزوجون في أعمار أكبر وتزداد احتمالات أن تكون زيجاتهم غير مستقرة، كل تلك العواقب تنجم أساساً عن افتقار للثقة بالنفس وعدم قدرة على التفاعل الحر مع الآخرين. 

* ماذا يفعل الوالدان للتغلب على هذه المشكلة:
عدم توجيه النقد للطفل أو المراهق على سلوكه الخجول، إن لفت نظر الطفل إلى خجله بشكل دائم يزيد الأمور سوءاً، وبدلاً من ذلك حاول أن تكون قدوة للطفل في السلوك الاجتماعي المتسم بالثقة وتذكر أن الأطفال الصغار يكتسبون الكثير من مراقبة سلوك الوالدين. 

محاولة اكتشاف نشاط يجيده الطفل: حاول اكتشاف نشاط يفعله طفلك ويشعره بالنجاح ولا يهم طبيعة هذا النشاط، امنحه كثيراً من المديح على أي نجاح يحققه وشجعه على مزيد من المشاركة، إن التفاعل الاجتماعي من الممكن أن يكون مكسباً جانبياً عندما يقوم الطفل بالنشاط الذي يحبه، ويعد النشاط الرياضي دليلاً واضحاً على هذه الفكرة حيث يحقق دفعة في ثقة الطفل بنفسه. 

محاولة تعريض الطفل لأنشطة متنوعة وأشخاص مختلفين: شجِّع طفلك على المشاركة في مجال من الأنشطة المتنوعة مع مجموعات مختلفة من البشر، وتعد الكشافة والألعاب الجماعية وأندية كرة القدم مجالات جيدة تمكن الطفل من مقابلة أنواع مختلفة من البشر وتطوير مهاراته الاجتماعية. 

توقع بعض مشاهد الخجل من طفلك: ليس هناك داع للقلق لو لاحظت ظهور صفة الخجل بشكل مفاجئ على طفلك، فالعديد من الأطفال يمرون بمراحل مؤقتة من الخجل تكون عادة رد فعل لحدث ما مثل الالتحاق بمدرسة جديدة أو الانتقال إلى منزل جديد أو حتى البدء في ارتداء حمالات الصدر بالنسبة للفتيات، ولايعد ذلك خجلاً متأصلاً ولكنه فقدان ثقة مؤقت، في مثل هذه المواقف يجب الحفاظ على باقي جوانب حياة الطفل في حالة من الاستقرار بقدر الإمكان، فعلى الأغلب سوف تهدأ الأمور مرة أخرى مع استعادة الثقة بالنفس.
لا تشجع الطفل على قضاء الكثير من الوقت بمفرده: حاول أن تحد من الوقت الذي يقضيه الطفل منفرداً تماماً، فالاستقلال شيء جيد ولكن قضاء الطفل لساعات طويلة في مشاهدة التليفزيون أو اللعب بألعاب الكمبيوتر بمفرده لن يساعده، وقد وجد أن قضاء ساعات طويلة أمام شاشة التليفزيون مرتبط بالشعور بالخجل، فكل منهما يغذي الآخر. 

اترك طفلك يتعرف على راشدين آخرين: بينما يكون من الضروري والأساسي للطفل الصغير الارتباط القوي بالأشخاص الذين يعتنون به، يكون من المهم أيضا تشكيل علاقات مع راشدين آخرين أيضاً، فلو أن الطفل الصغير لا ترعاه سوى والدته فقط على سبيل المثال، فقد يتكون لديه تصور أن العالم لا يكون آمنا إلا في وجودها، أما الأطفال الذين يقضون بعض الوقت مع شخصيات أخرى مقربة مثل الأجداد أو الأقارب أو أصدقاء الأسرة فيكونون أكثر تحرراً، بالطبع مع ملاحظة عدم ترك الطفل على الإطلاق سوى مع أطفال تثق بهم تماماً.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]