في كل صراعٍ او مواجهةٍ بين فريقين متخاصمين، هنالك نقطة صدام مفترضة. وغالباً ما يسعى الطرفان لتحقيق اهدافهما دون اللجوء لهذا الصدام ، الَّا انَّه يُفرض على احدهما فرضاً. كل طرف من الاطراف له مكاسب يسعى لتحصيلها ، ولكنه يعلم انه مقابل ذلك ، هنالك ثمن يجب ان يدفعه . فما دام الثمن يسيراً وآمال تحقيق الاهداف جيدةً فهو مستمر في السير نحو هدفه ، وكلما كان الثمن باهظاً اكثر ، والخطر أشدُّ فداحةً ، اضطر لتقييم خطواته ولربما التراجع عنها تجنباً للكارثة. حتى يصل الجميع الى نقطة التوازن بين التكلفة الباهظه والكارثة المهدِّدة . أما انفجار الازمة ، ووقوع الكارثة فتُكَون حين يخطئ أحد الطرفين في تقييم تلك التوازنات ، فيستعجل الخطوات ، ولا يقدِّر العواقب، ليحدث الصدام الذي قد يصل الى مرحلة تكسير العظم ، وإحراق الاخضر واليابس .

يحدث ذلك على صعيد الشعوب مقابل الانظمة ، والدول قبالة بعضها البعض، والمقاومة ضد الاحتلال والائتلاف مقابل المعارضة وغير ذلك من ميادين المواجهه . الطرف الاقوى يسعى دائماً للتهديد بالثمن الباهظ الذي سيدفعه الطرف الاخر مقابل سعيه للتغيير، اما من يسعى للتغيير ، فانه يبذل قصارى جهده لإثبات استعداده للتضحيات مهما بلغت،وتحمله للتحديات مهما عظمت. حتَّى يقتنع صاحب السلطة والنفوذ بأنه لا خيار إلا بتغيير الواقع بشكل مقبول، او المواجهة حتى ينكسر احد الطرفين فيخضع امام الصدام والمواجهة .

لعبة الامم بين الحروب الباردة والساخنة

ما يجري على الارض في سوريا او مصر او تونس والعراق وفلسطين وغيرها، يمكن تقسيمه دائما الى حلبتين:حلبة محلية ساخنة، فيها الصدام الدموي، والمواجهات اليومية بين اطراف متناحرة، تتناقلها وسائل الاعلام بالصوت والصورة.وحلبة دولية باردة، فيها صراع ارادات بين دول اقليمية، وقوى عظمى، تتصارع على النفوذ والمصالح، وما لم تصل الى توافق، وتقاسم للمكاسب فان الشعوب تظل تدفع الثمن. ونحن موقفنا دائما مع شعوبنا العربية والإسلامية،ولتذهب مصالح الدول المتربصة والمستكبرة الى الجحيم.

بين امريكا والغرب من جهة، وبين روسيا وإيران من جهة اخرى، صراعات واضحة جلية على النفوذ في منطقة الشرق الاوسط.وعليه فان كلا الطرفين يسعى لحسم الصراع في سوريا لصالحه دون التورُّط في مواجهة اقليمية او حرب متعددة الاطراف الدولية.ومثل ذلك ايضا هو النزاع حول السلاح النووي الايراني المفترض. كل طرف يضغط في الاتجاه الذي يخدم مصلحته، ولكنه يحفظ خطّ الرجعة من خلال التوازنات والكوابح التي ذكرنا سالفاً.وعليه فانه ما لم تصل القوى العظمى والإقليمية الى توافقات وصفقات، فان الحرب على الارض بين الاطراف المتناحرة ستظل تحصد الارواح البريئة حتى يحسمها احد الطرفين لصالحه، وقد يطول امد الحرب حينها الى اجل مسمى.

اسرائيل وإصبع السَّلَّاخ

يُضرب المثل بمن يسلخ الشاة بعد ذبحها، حيث يبدأ بنعومة يتعسَّس موضعاً يدخل فيه اصبعه بين الشاة وجلدها، ثم يتقدَّم بإصبعه حتى يُدخِل يده كلها، ثم قد يلجأ لنزع اخر جلد الشاة باستخدام كلتي يديه وقدمه.تماماً كذلك هي السياسة الاسرائيلية في التحرش بجيرانها العرب.تجس النبض بعمليات استطلاع ثم استهداف مواقع محدودة، وكلَّما وجدت ردود الفعل خافته وضعيفة تقدَّمت في مطامعها حتى تضرب ضربة موجهة او ترتكب فعلاً جسيماً، في جوارير الاجهزة الامنية الاسرائيلية هنالك العدد الكبير من المخططات، وبنوك الاهداف لكل جبهة وجبهة حافلة بالعناوين. فسواء كان الامر بخصوص هدم المنازل ومصادرة الاراضي في النقب والقدس والضفة الغربية.او كان الامر بخصوص اهداف المقاومة في غزة ولبنان، او الاهداف الاستراتيجية في سوريا وإيران.عناوين كثيرة للمطامع التي لا تنتهي، والإجرام الذي لا يعرف الحدود، ويبقى دائماً اجراء الحسابات حول التكلفة والجدوى.اي ثمن ستدفع اسرائيل، حكومةً وشعباً، اقتصادياً وعسكريا. وما احتمالات الربح والخسارة. بناءً على هذه التقييمات تتقدَّم الخطوات وتُتخذ القرارات.

سلاح الردع بالقوَّة او بالرعب

تعاني اسرائيل من تآكل قوة ردعها تجاه المقاومة من جهة والدول الاقليمية من جهة اخرى . فصواريخ المقاومة في غزة ولبنان احدثت توازناً للرعب ، يجعل الساسة الاسرائيليين يفكرون مليَّاً قبل الاقدام على أي اعتداء في هاتين الجبهتين ، وبالمقابل فإن عدم وجود قوة رادعة في الضفة الغربية ، وتآكل الردع السوري يجعل اسرائيل تتطاول وتتمادى في هاتين الجهتين محاولةً رفع سقف مطامعها ، ونفوذها وهيمنتها .

اما من جهة ايران فقد تراجعت كثيراً لغة التهديد التي مارسها نتنياهو في السابق. فلم يعد ابتزازه لأمريكا كما كان،ولا ثقته في جيشه بأنة قادر على تدمير الترسانة الايرانية، لم يعودا بالشكل الذي يهدد بضربةٍ وشيكة لإيران. باختصارــ لقد اكتشف نتنياهو بأنه أعجز من ان ينفذ تهديداته ، واجبن من ان يُقدم على حرب لا يضمن فيها الامريكان والغرب الى جانبه.ولقد بات معلوماً ان اسرائيل تملك القدرة على ان تضرب بغتةً ، ضربات خاطفة، ولكنها لا تستطيع حسم المعارك، لأنه ليس لها نَفس طويل ولا استعداد لتضحيات الحروب الطويلة. فقد بات نتنياهو مردوعاً اكثر من رادعٍ، ومرعوباً اكثر من مرعبٍ.

والله غالب على امره.

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]