بعد (26) عامًا من العمل داخل المجتمع اليهودي، قررت " شوش كولين"، مديرة مركز " هيلين دورون" لتعليم اللغة الانجليزية، أن تنطلق مع بداية العام نحو " تغيير أجواء" لتتولى إدارة مركز لتعليم الانجليزية في المجتمع العربي، فكان أول مركز في هذا الإطار في شارع " لوحمي هجيتاؤوت" في حيفا. واليوم يعمل (28) مركزًا لهيلين دورون في إسرائيل، نصفُها في المجتمع العربي، الأمر الذي يدل على الأهمية البالغة التي يوليها الأهالي وأولياء الأمور لمسألة تعليم أولادهم اللغة الانجليزية، في سن مُبكّرة.

مسلمون ومسيحيون

تقول السيدة " كولين" أنه ليس صدفة أن هنالك عددًا كبيرًا من مراكز تعليم الانجليزية، وتعزو ذلك إلى الرغبة الجامحة لدى الأهالي بأن تكون هذه اللغة الثانية لأولادهم، بعد لغة الأم، وبفضل الإرادة والطموح إلى التقدم والتطور، لا تبدو هذه المهمة مستحيلة، وهي تُشدد على الانسجام والتناغم بين التلاميذ الدارسين للغة- مسلمين ومسيحيين، وعربًا ويهود، في كافة المجموعات.

تلميذ عمره سنة و (8) شهور

ويتعلم في المركز الكائن في حيفا حوالي مئة تلميذ من سن سنتين وحتى الصفوف العاشرة (16 عامًا)، ويبلغ أصغر تلميذ من العمر سنة وثمانية شهور، تتولى تعليمه المعلمة " كارين محيشم"، وهو قادر على لفظ كلمات وجمل مختلفة باللغة الانجليزية، مع الإشارة إلى أن هذه المعلمة (24 عامًا) ترعرعت في المركز وسوية معه، حتى أصبحت إحدى المعلمات الرائدات، وإحدى زميلاتها المعلمات من عكا، وتدعى " إلهام"، هي من مواليد البلاد، وقد نشأت وتعلمت في سويسرا، وهي مختصة بتطور الأطفال في سن مُبكرة.

عرب ويهود

وردًا على سؤال حول الانسجام الثقافي والتربوي بين التلاميذ العرب واليهود الذين يتعلمون في المركز تقول السيدة " شوش كولين"، أن الأولاد، بعكس البالغين الكبار، خالون من الأفكار المسبقة، وأن التلاميذ هنا يستمتعون بالدراسة، وينشغلون سوية بها، مكوّنين قواسم مشتركة. وتتجلى هذه الحقيقة في الأعياد المختلفة: ففي عيد الفصح لدى المسيحيين، يجلب الأولاد المسيحيون لزملائهم المسلمين واليهود البيض الملون المسلوق، وفي أعياد الميلاد المجيدة تنتصب شجرة عيد الميلاد في ردهة المركز، وقبل الخروج إلى عطلة العيد، يتلقى كافة التلاميذ الهدايا بالمناسبة، ومن المفارقات اللافتة أن التلاميذ هنا قادرون أكثر من كبار السن على الشرح بشأن مختلف الأعياد، لدى جميع الأديان والطوائف، بفضل الانسجام والتعايش والاختلاط في المركز.

وهنا تلفت السيدة " كولين " إلى أن المركز يغلق أبوابه ويعطل الدراسة بمناسبة الأعياد الهامة للجميع: المسلمين والمسيحيين واليهود، مع معايدتهم وتقديم التهاني لهم، كتعبير عن الاحترام والتآخي.

المربية " هيلين دورون"

وتجدر الإشارة إلى أنّ طريقة " هيلين دورون" في التعليم قد استُحدثت وطُورت قبل (27) عامًا، من قبل السيدة المربية ( هيلين دورون) بصفتها خبيرة في اللغة، ومنذ ذلك الحين أصبح عدد مراكز التعليم يقارب (700) مركز، منتشرة في حوالي ثلاثين دولة مثل روسيا والصين ونيجيريا وتايلند وايطاليا وبولندا والأكوادور، وغيرها. واستفاد من دروس الإنجليزية حتى اليوم أكثر من مليون تلميذ، تتراوح أعمارهم ما بين ثلاث سنوات وحتى (18) سنة، ويتعلمون اللغة بأساليب وطرائق جذابة متنوعة تُثري المعارف والمدارك، مثل الأغاني والموسيقى والحركة والألعاب وغيرها من الفعاليات المميزة- بالإضافة إلى موقع على شبكة الانترنت، طوّره المركز مضمّنًا إياه ألعابًا محوسبة وأنشطة متنوعة أخرى يتدرب التلاميذ بواسطتها على إجادة اللغة والبراعة والإبداع في الدروس خلال اللقاءات الأسبوعية.

الفرق بين العرب واليهود

وتُشير المربية " شوش كولين" إلى فارق هام ورئيس بين العرب واليهود في مجال تعلم الانجليزية، فتقول أن ما يُميّز اليهود هو " استعجالهم الظاهر، فما أن يصلوا إلى المركز مصطحبين أولادهم، حتى يعلنوا أنهم مسرعون ويتوجب عليهم مغادرة المركز إلى أشغالهم ثم يعودون بعد انتهاء الدروس لاصطحاب أولادهم إلى البيت، دون أن يبدوا اهتمامًا خاصًا بطبيعة الدروس ومضامينها وبأداء وتجاوب أولادهم، بينما الأهالي العرب يمكثون قريبًا من أبنائهم، ويتابعون الدروس ويسألون ويهتمون ويستفسرون كما تؤكد.

وتفسر المربية " كولين" هذه الظاهرة الطيبة لدى العرب،بأن تعليم الأولاد للغة الانجليزية يبدأ منذ الصف الأول، بينما يبدأ الأولاد اليهود بتعلّم اللغة في الصف الثالث، ولذلك يحرص أولياء الأمور العرب على مواكبة ومتابعة أولادهم الصغار ودعمهم في هذه المرحلة المبكرة من أعمارهم ودراستهم، وهنا تُشدد المربية " كولين" على أبحاث تفيد بأن اكتساب اللغة الأجنبية في مثل هذه السن المُبكرة تجعل منها أشبه بلغة الأم، لأنها أشد التصاقًا بالذهن، وتوسع الآفاق والقدرات العقلية.

ولدى المربية " شوش كولين" تفسير آخر لا يقل أهمية بشان حرصهم على تعلّم أولادهم، حيث أنهم يشعرون- كما تقول- بأن التمييز اللاحق بهم من كافة السُلطات يحفزهم على التغلب على هذا التمييز، من منطلق إدراكهم لأهمية التعليم والتحصيل الدراسي لضمان مستقبل أكاديمي لأولادهم، والتحاقهم بالمعاهد والجامعات، وحصولهم على وظائف ومناصب مرموقة، ويُشكّل تعلّم اللغة الإنجليزية، وإجادتها، بابًا واسعًا لبلوغ هذه الأهداف.

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]