بالفرح والسرور والتكبير والتهليل استقبل الأسرى في سجن هداريم أخاهم إبراهيم حامد العائد من محكمة سجن عوفر يحمل على كتفيه حمل المؤبد ليس مرة بل 54 مرة .

لا أبالغ ولا أمزح وأنا أصف الموقف والحالة ، فمن دخل السجون وعاش حياة الأسر والتقى بالمؤبدات وذوي الأحكام العالية يتخيل الموقف ويعي الصورة ويعلم الظل الخفيف للأسرى وطريقة تعاملهم مع المؤبدات وخصوصاً المعروف أنه سيواجه الحكم المؤبد كما هو الحال في قضية أبي علي .

ليس هذا ما أريد أن أتحدث عنه وحسب كما لا أريد أن أسلط الضوء على شخص هذا العملاق بل أريد أن أشير إلى نقاط هامة في موضوع أبي علي والتي يجب أن لا نغفل عنها لحظة ونحن نتحدث عن حكم الشيخ إبراهيم .

أولاً : إبراهيم حامد اعتقل بعد فترة طويلة من المطاردة لم يمر بها أي مطارد فلسطيني وبذل جهوداً كبيرة في الاختفاء أرهق خلالها الاحتلال وكلفه ملايين لا عد لها ولا إحصاء وهي تبحث عن الرجل الأسطورة.

ثانياً : إبراهيم حامد أمضى فترة تحقيق قاسية جداً تعرض خلالها لكل أساليب التحقيق العسكري ومن دخل السجون يعلم ماذا يعني تحقيق عسكري .. جلس مع إبراهيم حامد كبار جنرالات التحقيق في محاولة للتعرف على شخص الرجل وتفكيره فهو مفكر وأكاديمي وكاتب وأستاذ جامعي كل هؤلاء لم يفلحوا في انتزاع اعتراف من إبراهيم .

كان يعلم أبو علي أن كل شيء لديهم جاهز وكان يعلم أيضاً أن حكم المؤبد ينتظره ولكن إبراهيم كان يريد أن يوصل عدة رسائل ...

رسالة أولى لشعبه وأبناء فلسطين وللأمة جمعاء أن الاعتراف خيانة وأن الصمود هو الأصل في المواجهة حتى إن كنت مقيداً ولا تملك من أمرك شيئاً تستطيع أن تواجه وتصبر وتصمد ...

رسالة ثانية للمحقق والاحتلال أن الإرادة أهم بكثير من القوة وأن من يملك الإرادة يملك كل شي وأن الكف الفلسطيني المقيد وهو مؤمن ينتصر على المخرز الإسرائيلي .

ثالثاً : إبراهيم حامد قضى وقتاً طويلاً من محكمة لأخرى وكان يستطيع من اليوم الأول أن ينهي ألم البوسطه ويقبل بالحكم ولكن أراد أن يتعب الاحتلال وأن يحاكمهم هو وليس هم من يحاكموه ، فالمتابع لملف قضية إبراهيم يعلم أن أبراهيم طُلب له في بداية الأمر 120 مؤبداً وكان صاحب أكبر ملف في تاريخ الاحتلال استمر محاميه بالمرافعة لتزول بعض التهم ويصل الأمر لثمانين مؤبداً لم يقبل إبراهيم بالحكم ووصل الأمر إلى 56 مؤبداً قبل أربعة أيام من إصدار الحكم عليه ويوم الحكم دافع هو ومحاميه ليأخذ منهم مؤبدين ويصبح الحكم 54 مؤبداً .

قد يقول قائل ما هو الفرق بين مؤبد و100 مؤبد أقول له أن رسالة إبراهيم هي كانت أن لا أريد أن أستسلم بسهولة لحكمهم ولا أريد أن يشعروا بالراحة أريد لهم أن يتعبوا ويأتوا ويجلسوا أما أنا فلن أعترف في محاكمهم ولن أقف لهم .

إبراهيم حامد والمعزول من فترة التحقيق في زنزانة انفرادية أراد أن يعلم المحتل درساً أن الفلسطيني صاحب العقيدة لا يُهزم وإن كنتم تريدون تعذيبنا في سجننا سنعذبكم في المحاكمات والمرافعات ولن تأخذوا منّا اعترافاً بالترغيب أو الترهيب .

إبراهيم الأستاذ يعلمنا درساً في الصمود والتحدي وعدم الاستسلام ، درساً في الصبر والتحدي والتجلد درساً في كيفية الحياة بشكل كريم .

إبراهيم الأستاذ أصبح أكبر في عيون تلك الصابرة التي ما فتئت تتحدث عنه تشارك في الاعتصامات تضع صورة زوجها على رأسها وتهتف باسمه واسم الأسرى إنها الزوجة أسماء .

إبراهيم اليوم في عيون ابنه الوحيد علي وابنته الوحيدة سلمى الجميلة أكبر وأكبر وهو الأسطورة ، فلك أن تتخيل قول سلمى الصغيرة لأمها مؤبد أفضل من سنوات لأن خروجه سيكون حتمياً أكثر يا أماه .. فمن الذي علّمها هذا القول يا ترى ؟؟

إبراهيم اليوم في عيوننا ذلك القدوة ذلك البطل الذي ننحني أمام هامته وقامته ، إبراهيم الصورة التي لا نريد أن تموت بداخلنا صورة الفلسطيني الثائر .

إبراهيم اليوم يعطي الدروس والمساقات في سجنه هداريم ، اليوم إبراهيم يمارس الرياضة برنامجه اليومي لن يتوقف بحكمه هذه السنوات بل سيكثف من نشاطه لأن موعد الحرية بات أقرب والله أعلى وأعلم .

أختم بقولي إننا اليوم سيدي تعلمنا منك درساً عظيماً لن نجده في الكتب ولن نسمعه في المواعظ ولن نستطيع الكتابة عنه لكونه فوق الوصف ، ولكن الرسالة قد وصلت ولكم منا كل التحية يا سيد الرجال . بقلم فؤاد الخفش كاتب وباحث مختص في شؤون الأسرى الفلسطينيين

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]