كل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده، هذا ما يؤكده تقرير دائرة الإحصاء المركزية الصادر في 23/11/2011، والذي يطوي بين ثناياه صفارات للإنذار من الأمراض المزمنة وطرق منعها. ووفقا له: السمنة هي عامل خطر ومسبب لأمراض مزمنة كثيرة، والذين يعانون من السمنة الزائدة يموتون بمعدل يقارب العشر سنوات قبل متوسطي الوزن نسبيا. ووفقا لما ورد في التقرير الأخير ل- OECD- تضاعفت نسبة السمنة في دول كثيرة منذ سنة 1980 ما بين الضعفين إلى الثلاثة أضعاف. بأكثر من نصف دول ال- OECD %50 أو أكثر من الناس يعانون من السمنة (بإسرائيل - %48). ونسبة السمنة الزائدة الأعلى لدى السكان البالغين هي في الولايات المتحدة، إذ أنها ارتفعت من %15 سنة 1985 إلى %34 سنة 2008. نسبة السمنة الأكثر انخفاضا سجلت باليابان وكوريا سنة 2009 وهي %4. توقفت نسبة السمنة الزائدة في إسرائيل على %14 أي أقل من معدل OECD البالغ %17.

السمنة، وباء العصر الحديث

د. بشارة بشارة رئيس قسم وحدة المنظار ونائب رئيس قسم الجراحة في مستشفى رمبام، هو طبيب متخصص منذ سنة 1991 وطبيب منذ سنة 1983. عاصر التغيرات السلوكية المفصلية للمجتمعات عامة ولمجتمعنا العربي خاصة من خلال مهنته، إذ أن تقرير مراقب الدولة الذي يعتبر السمنة وباء وأن %60 من سكان البلاد هم من السمان، و%20 من الأطفال كذلك، كان مستهل حديث د. بشاره عن السمنة، التي يعرفها بواسطة مؤشر كتلة الجسم BMI- Body Mass Index : الوزن بالكغم تقسيم تربيع الطول بالأمتار. عند متوسطي الوزن يتراوح مؤشر كتلة الجسم ما بين 18.5- 25، وعند السمنة الطبيعية يتراوح ما بين 25-30، ويؤشر في حالة السمنة الزائدة من 30-35، وعند ال 35 وما فوق يتم الحديث عن السمنة الزائدة المرضية التي قد تترافق معها مشاكل صحية عديدة منها: السكري من النمط الثاني، وازدياد احتمال الإصابة بأمراض القلب ومشاكل الأوعية الدموية خاصة تصلب الشرايين الذي يؤدي إلى ارتفاع نسب النوبات القلبية وشلل الدماغ، ناهيك عن ازدياد نسبة الدهون بالدم واتساع انتشار السرطانات المختلفة، بالإضافة إلى توقف التنفس أثناء النوم، ومشاكل المفاصل والظهر وأمراضهم، وصعوبات الولادة لدى النساء.

يسهب د. بشاره بالحديث عن تزايد الظاهرة في الوسط العربي ، فالسمنة لدى المرأة العربية أكثر ب 1.9 مرة منها لدى المرأة اليهودية وفق تقرير المركز الوطني للأمراض في وزارة الصحة لعام 2005، والظاهرة بازدياد بلا أدنى شك: "عندما لم تكن تسمح لنا الإمكانيات بالقليل من الخيرات حافظنا على طعامنا الشرقي الصحي الذي يعتمد على النباتات وهذا هو الصحيح. وعندما لم تتخل المرأة عن مكانها في الحقل والبيت معا وكانت فعاله، صرفت الطاقة في العمل والحركة ولم تتعرض لمشاكل السمنة الزائدة وأمراضها، رغم أننا لا نستطيع إغفال دور ما يتعلق بالجينات والسلوك من بين أسباب السمنة، إلا أن إلقاء كامل اللوم على كاهله خطيئة بحد ذاتها".

"لتعدد أسباب الراحة جل الأثر على المناهج اليومية وقلة ، إن لم يكن انعدام ممارسة النشاطات الجسدية، فوسائل المواصلات الحديثة وأدت فرصة السير على الأقدام، والأجهزة الكهربائية صادرت الرغبة بالقيام بالأعمال اليدوية، والتلفزيون والكمبيوتر حلا أهلا ووطئا سهلا واستبدلا الرفاق والأحباب، حتى الزيارات والمناسبات أصبحتا للاحتفاء بما لذ وطاب من أصناف مأكولات ومشروبات، بلا اعتبار أو مراعاة لصحة أو سمنة قد توضع بين فكي الأيام".

الوضع الاقتصادي المتردي، أحد أسباب السمنة!!!

لا يستثني د. بشارة الضائقة المالية للوسط العربي من مجمل الأسباب، فمن ليس بمقدوره توفير الطعام ذي الجودة والفائدة يرضى بما تصل إليه يداه من نشويات ودهنيات. فوفق تقرير وزارة الصحة عن العلاقة بين الوضع الاقتصادي لسكان البلاد الذي نشرت تفاصيله في صحيفة هآرتس بتاريخ 29/11/2011، درجة السمنة ترتفع كلما انخفض المستوى الاقتصادي، %11.2 من ذوي الوضع الاقتصادي المرتفع مقارنة ل %16.2 من ذوي الوضع الاقتصادي المنخفض.

يتحدث د. بشارة عن معاناة %5 من مواطني البلاد من السمنة المرضية الزائدة، ممن يصعب عليهم تخفيض أوزانهم بوسائل غير جراحية، فقط %4 ينجحون في تخفيض أوزانهم و %96 يرجعون إلى الوزن السابق وربما أزيد. وفقا لما ورد في تقرير أبحاث التغيرات الهرمونية التي تتبع تخفيض الوزن الصادر بتاريخ 15/12/2011 في NEJM- NEW ENGLAND JOURNAL OF MEDICINE فان التغيرات الهرمونية وانفتاح الشهية التي تتبع تخفيض الوزن تبقى سنة بعد إيقاف عملية تخفيض الوزن، مما يعني أن الحمية قد تؤدي إلى تقليل الوزن، لكنها لا تستطيع استدامته طويلا. لذا بصيص الأمل لقسم من 250000-300000 يعانون من السمنة الزائدة المرضية في البلاد ممن أصابتهم حمى جراحات تصغير المعدة يرضونها ولا يرفضها الطبيب المعالج يكمن في جوهره بالحل الجراحي، لكن أعداد الذين يسعون إليه يفوق قدرة استيعاب كافة مستشفيات البلاد التي لا تقدر على إجراء أكثر من 6000-7000 عملية جراحية لتصغير المعدة سنويا.

%50 ممن لديهم حلقة في المعدة يرجعون إلى سابق عهدهم 

يجرى في البلاد عدد من العمليات الجراحية: الحلقة التي تصغر وتكبر- يتم تحويل المعدة لما يشبه الساعة الرملية، القسم العلوي بحجم 15-25 سم3 والباقي يشكل القسم السفلي، الحلقة هي التي تقسم المعدة، و بهذه الصورة يتم التحكم بحجم الانتقال وزمن التفريغ، إذ تمتلئ المعدة بسرعة بعد كميات صغيرة من الطعام. أوج استعمالها كان في أوائل تسعينات القرن الماضي، حيث تقلص في الآونة الأخيرة بسبب المضاعفات المتزايدة مع السنين. بالرغم من سهولة العملية وبساطتها ونسبة الوفيات المتدنية جدا من جرائها إلا أنها قد تتسبب بجرح وربما تلوث أو تزحلق وانسداد بالمعدة. والأهم من ذلك هو أن المريء يستطيع التوسع على المدى البعيد، وما يقارب ال %50 ممن لديهم حلقة في المعدة يرجعون إلى سابق عهدهم من السمنة بعد سنوات. تكميم المعدة- استئصال %80-75 من حجم المعدة بواسطة منظار وثقوب صغيرة في البطن، ويتضمن القسم المستأصل الخلايا التي تفرز هرمون الجوع، وبهذه الطريقة يتم تصغير المعدة إلى ما يقارب 80 سم3 مع مجال لإضافة أو تقليص 20 سم3 أخرى. والدمج بين التصغير والتخلص من الخلايا التي تفرز الهرمونات فعال للتقليل من تناول الطعام ولخفض الشهية والوزن، ومن الضروري ممارسة الرياضة وتناول الفيتامينات لأشهر طويلة بعد العملية. عملية تكميم المعدة منتشرة في العالم وفي إسرائيل، الأعراض الجانبية ما بين %3-2، ولا تتعدى نزيف وتسرب للقطب مع إمكانية السيطرة عليها، إلى جانب المحافظة على الوزن الجديد لسنوات طويلة. تجاوز المعدة والأمعاء( مجازة المعدة والإثني عشر)- تحدد كمية استهلاك الغذاء تبعا لهذه الجراحة بصورتين: الأولى تقليص حجم المعدة وتجاوز ما يقارب 1.5 مترا من الأمعاء، والثانية تجاوز بضع أمتار من الأمعاء الدقيقة التي تعمل على امتصاص الغذاء. وهي جراحة ناجحة عالميا لكنها أطول وأصعب من سابقتيها، وقد تؤدي إلى تسرب وانسداد في الأمعاء.

العملية الجراحية ليست "مصباح علاء الدين"

الحل الجراحي ليس مثاليا أبدا، لكنه في الوقت الحالي فعال بالرغم من أنه لا يخلو من مضاعفات قد تكون قابلة للسيطرة. في المراحل الأولى يفحص الطبيب مدى احتياج المريض للعملية الجراحية التي تجرى فقط لمن مؤشر كتلة الجسم لديه أكثر من 40 أو بين ال 35-40 وقد أذاقته الأمراض الأمرين، ومن ثم يتعرف على مدى قناعة المريض وإدراكه للعملية الجراحية، واستيعابه للتغيير بعد العملية وأسلوب الحياة الجديد الذي هو مقبل عليه، فالعملية الجراحية وسيلة وطرف للمساعدة في فرض حمية قصريه لتخفيض الوزن، لكنها ليست مصباح علاء الدين ولا العصا السحرية، ولنجاحها يجب العمل وفق تعليمات الأطباء والاستمرار بنظام الحمية، وممارسة الرياضة والنشاطات الجسدية.

قد يحسب البعض أن الفوائد والأضرار سيان وأن " حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه" قد ولت مع غابر الأزمان، وأن الإقبال على الحياة لا يستقيم إلا بالإقبال على كل طعام والإدبار عن كل مجهود جسماني أو نشاط رياضي من دون الالتفات إلى أن رمي السهام ليس كتسديدها، فإن تساوت الصحة والمرض عند من اصطبغت جباههم بغبار الزمن فان من الأولى تعهد غضاضة العود وجيل الأمل بالتوعية والتربية السلوكية الصحية والصحيحة، وفرش دروب الغد بالإرشاد والنصح والتقويم والتصويب، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]