22703 يوماً و 554872 ساعة مضت حتى كتابة هذه السطور على ذكرى النكبة.... والوقت لا زال يمضي.

كان من المفترض لهذه الكلمات أن ترى النور قبل عدة أيام فلطالما كان عامل الوقت والزمن محور مقالات وكنايات أصحاب الفكر وأرباب القلم ولقد تعمدت إرجاء نشر هذا المقال لأكثر من سبب!! لكن أهمها التأكيد على أن النكبة لم تكن في عام 48 وحسب. بل إن لنا في كل يوم نكبه وفي كل ساعة نكبه إذا كان الحديث يدور حول أرقام فقط !! فإن حقيقة النكبه كانت قبل هذا التاريخ أي قبل إعلان الكيان الصهيوني حكومته على أنقاض قرانا ومدننا الفلسطينية, فلقد تم تدمير عشرات القرى والمدن قبل الإعلان المشئوم ولو لم تكن هناك مجازر ونكبه سبقت النكبه لما تجرؤا على إعلان حكومتهم.

في كل عام وفي ذات التاريخ الخامس عشر من أيار نسعى لجمع ما تبقى من ذكرى النكبه وفي كل خطاب نسمع ذات التأكيد أننا لن ننسى ولن نسامح وهذا هو الأمر الطبيعي والسليم لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هل من الصواب أن نودع هذه الذكرى والتي عادةً ما نحييها في يوم واحد, لننتظر عامنا المقبل لنعيد إحياء ذكراها ؟ ! وهل انتهت نكبة شعبنا بذلك التاريخ المشؤوم؟! إن لنا في كل صباح نكبه , وفي كل مساء نكسه. فهل توقفت سياسة هدم المنازل؟ وهل أصبح هذا الكيان حملاً وديعاً وما عاد متعطشاً للدماء؟ أم يا ترى أننا أصبحنا أحراراً في حرية التصرف بملكية أرضنا نفعل بها ما نشاء؟!

إنهم حتى اللحظه يمزقون ويقطعون أوصال الوطن يصادروا وينهبوا.

كم من شاب وفتاه هجروا أرض فلسطين بسبب التضييق والخناق وبسبب ملاحقات سياسيه؟!

إننا ونحن نتحدث في القرن الواحد والعشرين, ولسنا في القرن المنصرم, حيث التواصل الإعلامي ونقل الصوره الّتي لا يمكن حجبها ومع ذلك لا تزال سياسة التهجير والقتل قائمه. فماذا يعني وجود ما يقارب العشرة آلاف أسير فلسطيني غرباء في أرضهم منفيين في وطنهم لا يُعرف عنهم سوى أنهم صاروا كحجاره بنيت منها جدران السجون والمعتقلات؟ وأن تعزل مليون ونصف المليون إنسان عن العالم الخارجي لا يملكون أدنى مستويات المعيشة ويمتهنون ليل نهار أليست هذه نكبه؟!!

إغراق الشباب الفلسطيني بالمخدرات ونشر ثقافة الجريمه أليس هذا من ممارسات النكبه؟!

إن نكبة عام 48 أشعلت فينا جذوة العطاء والتضحية. ولكن نكبات اليوم تخمدها وتشعل بدلاُ منها نار الجهل واللامبالاة أحياناُ أخرى. إذا طوينا صفحة الأمس وعوّلنا على الغد فهذه هي النكبة الحقيقة. لذا يجب أن نعمل منذ أللحظه وعلى مدار الساعة لإبراز ومعالجة أثار نكبتنا. وإذا كنا قد تعلمنا الدرس ولم نعد نرغب بنكبة جديدة على مستوى أكبر وأخطر فإن الواجب يدعوننا لرسم خطط وإستراتيجيات جديدة ليس فقط لإحياء ذكرى النكبة في النفوس. وإنما حتى لا تتكرر النكبة.

الكيان الصهيوني يعمل ليل نهار وعلى مدار 24 ساعه لإبراز مزاعمه عن الاضطهاد والظلم وهو أكبر كيان في الوجود يظلم ويضطهد وينتهك كل الأعراف والقوانين لم يتركوا مسرحاً ولا ساحة سواء كان ذلك على مستوى المؤسسات أو على المستوى الدولي الا والتمسوا تجييرها لصالحهم وجعل تلك المؤسسات تتبنى قضيتهم.

لقد أصبح أي شخص ينتقد الصهيونية ينعت باللاسامي وكأنها تهمه يستوجب على فاعلها التوبة منها. وسر نجاحهم بذلك يكمن في التركيز وفي استمرارية الطرح. فلا أحد ينكر أنهم استطاعوا طرح مشاكلهم بالشكل الصحيح حتى وإن كانت كذباً وافتراء . لقد استطاعوا زرع وهم المحرقة في أذهان وعقول الناس بحيث تجد الذين يدافعون عن المحرقة ليسوا يهوداً ولا ينتمون للصهيونية أليس هذا انتصارا؟! إننا نمر بحاله أشبه بالمحرقه لا بل تفوقها. لكن أحداً لم ينجح بنقل هذه الحقيقه الى العالم؛ والأنكى من ذلك أننا أنفسنا لم ننجح بتبنيها وتبني حقيقتها إذ لا يكفي العلم بتاريخ النكبة لنحي ذكراها, وإذا كان الإنسان الذي بداخلنا قد مات فعلينا أن نحيي هذه النفوس فبل كل شيئ . ويجب حماية شبابنا من الضياع والسقوط, فالجريمه تتفشى تفشي السرطان. والهجرة الطوعية فتحت أبوابها وقرى الجنوب تهدم ولا مغيث وأكبر دليل على ذلك قرية العراقيب ومن هنا ومن خلال هذا المنبر أدعو رؤساء الأحزاب والحركات السياسية وأصحاب الأقلام لتبني إستراتيجية جديدة بحيث تشمل الوعي السليم وتبني استراتيجيه المواصلة والنفس الطويل والاستمرارية كما أن الإعداد والتخطيط هما المطلوبان في هذه المرحلة خشية نكبه أعظم وهنا يأتي تحديداً دور الإعلام والصحافة والتي وبكل أسف لها باع طويل في تجهيل الناس والهائهم عن قضاياهم الرئيسية ولا أقول كل الصحف لكني على ثقه إذ لدينا مخزونٌ من الشباب الواعي والمدرك لما يدور حوله. لقد تعمدت بعض الصحف ووسائل الإعلام طمس الحقائق وإبراز الرذيلة في مجتمعنا مع العلم أن فضائل شعبنا لا تعد ولا تحص.

أتوجه عبر هذه الصحيفه الموقره للكتاب والصحافيين الذين يكتبون وينقلون الأحداث بلغة الضاد. إذا لم ترغبوا بصنع المجد فلا تطمسوا معالمه وإذا لم ترغبوا لسبب أو آخر بنقل الحقيقة فلا تزوروها واعلموا أن الإعلام رسالة نبيلة تخدم عادةً مصالح شعوبها وعلينا أن نتذكر كيف كان بالأمس حلماً أن نرى شعوب الدول العربية تتوافد على حدود فلسطين وهي تعلم أنها ذاهبه نحو الموت لكن ذلك لم يثنيها , كل شيء حولنا يتغير والحياة لا تعرف الثبوت فلا ننتظر 15 أيار القادم لنحيي ذكراه بل يجب أن نعيش هذه الذكرى بكل جوارحنا وأحاسيسنا لنترجمها على أرض الواقع.

ظافر فتحي جبارين
أسير سياسي
سجن الجلبوع
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]