عندما يغيـّر الكنيست تخصصه، وينشغل بملاحقة الأعضاء العرب فيه، تصطف هذه الصحيفة (هآرتس) إلى جانبهم وتساندهم. وسواء كنا نتفق معهم أو نخالفهم الرأي، علينا أن نذكر دائما أنهم يمثلون جمهوراً، يحتلون مواقعهم بقوة الحق وليس منـّة من أحد عليهم. ولذلك، فإن كل حقوقهم المترتبة على عضويتهم بالبرلمان يجب أن تحفظ لهم، ومن الممنوع مسّها بأي شكل من الأشكال.
إنهم يجلسون في الكنيست بمساواة تامة مع كل الآخرين، حتى عندما يثيرون غضب أحد أعضاء "يسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا)، فهي بيتهم أيضا (إسرائيل).
ما بين الفينة والأخرى، يخرج هؤلاء النواب العرب للقاء بعض قيادات العالم العربي، مما يثير غضب الآخرين عليهم، وهو غضب غير مبرر ولا وجه حق فيه.
وبالمناسبة، ليساعد القادة العرب المواطنين العرب في البلاد، ليلتقوا بهم وليتحادثوا معهم! ما الضير في ذلك، وأي شيء سيء من الممكن أن ينتج عنه؟! لا شيء سيء، بل ربما ينتج عن ذلك يوما ما شيء إيجابي.
بعض قيادات العالم العربي غير معروفين بكونهم من "القديسين". ففيهم الكثير من الطغاة، ولم تكن هنالك حاجة للثورات الأخيرة لنكتشف حقيقتهم ونكشف عـُريـّهم الفاضح. ولكن، حتى مع أمثال هؤلاء من المسموح الالتقاء إذا ما كان هنالك احتمال لفائدة ما ترجى من اللقاء. ففي الأسبوع الأخير التقى وزير الخارجية الألماني بالرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" في محاولة منه لإطلاق سراح بعض المواطنين الألمان من السجون الإيرانية، وقد نجحت هذه المحاولة. وبالرغم من كل الانتقادات التي تعرض لها الوزير، لا شك بأنه قام بالخطوة الصحيحة... لا حلول أمامنا، أحيانا علينا أن نحتك بالموبوئين لأجل إنقاذ الناس من بين أيديهم.
نعم للحوار... لا للتملق! لا مبرر للضحك المجلجل والقهقهات العالية في حضرة بشار الأسد، ولا في حضرة القذافي. ولا أقول هذا بسبب موقفهم المعادي لإسرائيل (وهو موقف يجب العمل على تغييره)، ولكن بالأساس بسبب مواقفهم من أبناء شعوبهم. فهذه المواقف تستحق الاستهجان.
الحقيقة، أنه ليس من اللائق أن يقوم الضيوف "بصفع" وجوه مضيفيهم، ولكنهم ليسوا مطالبين، بالمقابل، بتقبيلهم "بمحبة بالغة"، ولا بإغداق الألقاب الكبيرة عليهم ونعت أحدهم بأنه "ملك ملوك أفريقيا"!!! فسوريا وليبيا، هما دولتان ظلاميتان، كانتا كذلك، ولا زالتا...
نحن نتحدث عن أنظمة تقوم بإلقاء معارضيها السياسيين في السجن وفي أقبية التعذيب. أنظمة تقمع بقبضة حديدية كل رأي مخالف لرأي النظام. وكل ثورة، أو تمرد، تقوم هنا أو هناك، سرعان ما تجد نفسها مقموعة و"مسحوقة" ومنتهية بحمام من الدم، كما حصل في مدينة "حماة" السورية قبل ثلاثين عاما، مثلا.
لذلك، حتى عندما تتم الدعوة لدمشق أو طرابلس، وعندما يضطر القياديون العرب في البلاد للحفاظ على الحد المعقول من الأدب، لا بأس إن قالوا بوضوح بعض الكلمات بحق الديمقراطية، وضد الدكتاتورية.
أحمد طيبي، محمد بركة، جمال زحالقة ورفاقهم لا يفتقرون لحدّة اللسان ولا للباقة الحديث، فليس الخجل من سماتهم البارزة. ومع ذلك، كانت حنين زعبي الوحيدة التي تجرأت على التغريد خارج السرب والاعتراض على أقوال وتصرفات العقيد (القذافي) منغصة بذلك "الجو الاحتفالي" الذي كان سائدا. وبالنظر إلى الوراء، لا أعتقد أنهم كانوا سيتراكضون اليوم تنافسا على دور المنظم ومـُخرج تلك الزيارة لليبيا إلى حيز التنفيذ.
ليست الوحشية وحدها هي التي تدفعني لقول هذا، بل هو الفساد السائد هذا النظام أيضا. وهما عادة ما يأتيان معا! فهل تعرفنا على فساد عائلة القذافي هذا الأسبوع فقط؟!!!
ألم نراقب على مدى سنوات طويلة مضت تصرفات أبناء القذافي الثمانية الذين كانوا يعيشون حياة مليئة بالفوضى والعنف، حياة مترفة مبنية على استغلال عائدات النفط "الوطنية" العامة؟! مع مثل هؤلاء الأبناء، كيف لا يختنق الشعب تحت سلطة القذافي؟! ليس القذافي هو القائد الذي كان يجب التشرّف بالتقرب منه والدوران بفلكه.
الآن، يقوم القذافي بذبح أبناء شعبه عن اليمين وعن اليسار، ويرتكب المرتزقة باسمه أبشع الجرائم ضد الإنسانية، وقد دفع الآلاف حتى الآن أرواحهم ثمنا لجنونه، لأنه يتصرف بجنون... جنون العظمة!
خلال الأيام القليلة الماضية، كنا ننتظر سماع ردة فعل من قيادات الوسط العربي في البلاد، ولا أقول أنها يجب أن تكون "صهيونية" الروح، ولكنها يجب أن تكون على مستوى الحدث الواقع في ليبيا. لكنها تأخرت بالصدور، وجاءت متلعثمة ومترددة بعض الشيء. وعندما اضطر القياديون للإجابة على أسئلة الصحافيين، كانت لهجتهم متلعثمة كما لم نعهدهم من قبل...
خسارة، فبالمرة القادمة التي سنشير فيها (معا) إلى المسّ بالديمقراطية في البلاد، أو عندما نرغب بالاحتجاج على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة واستنكارها، سيكون صوتنا ضعيفا بعض الشيء، وإن كان سيبقى مؤثرا، فإنه سيكون أقل تأثيرا وحزما.

• الكاتب هو الرئيس السابق لحركة "ميرتس" – نقلا عن "هآرتس".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]