صقلية. هذه الجزيرة الإيطالية السابحة عند جنوب غربي إيطاليا حيث تغتسل بمياه البحر الأبيض المتوسط الفيروزية، كأنها حورية تغيّر ألوانها بتبدل الزمان الإنساني الذي طبع في ثنايا جسدها الفضي تاريخ ذكريات عالم قديم تستحضره في كل مرّة تحنّ إليه. إنها الجزيرة التي ارتاح على شاطئها عولس بطل ملحمة هوميروس «الإلياذة» قبل عودته إلى إتاك.

ولا تكتفي صقلية بتاريخها، ففي جغرافيتها الطبيعية ما يجعلها تتباهى بريفها البحري ونباتها الاستوائي وتتضمخ بشذا عطر ريفها الداخلي و ما يخفيه من غموض ساحر جذب الفينيقيين إليها فسكنوها، تلاهم اليونانيون وسمّوها تبعاً لشكلها ذي الرؤوس الثلاثة تريناكيا ، ثم احتلها الرومان. سيطر عليها البيزنطيون ثلاثة قرون، ثم احتلها العرب مدة قرنين، وجاء بعدهم النورمانديون الذين ابتكر ملوكهم لقاحًا حضرياً نادرًا لجعل هذه الجزيرة ملتقى حضارتي الشرق والغرب، فمزجوا الحجر الروماني والذهب البيزنطي والديكور العربي في هندستها المدنية. مما جعل صقلية جزيرة فريدة من نوعها تشبه المتاهة المائية التي يستحيل حل لغزها.
تتلاعب مدن صقلية بزائرها كما يتلاعب صاحب الدمى بخيوط دماه ليحركها كما يشاء. وصقلية الشهيرة بمسرح الدمى تجعل زائرها يتوق إلى الهروب إلى كواليسها ليعرف أسرارها قبل أن ترميها في مياه بحر يتوالى فيه المد والجزر دون كلل، لتستريح الأساطير على شاطئها.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]