تعد الجريمة نتيجة لسلوكيات يرتكبها الفرد من الواقع السيء الذي يعيش فيه. ولم يعد الاجرام ظاهرةً تقتصر على مرتكبيها من الذكور، ولم يعد السجن مليئًا بالرجال فقط. دلت الإحصائيات الجنائية على ان النساء متورطات أيضًا، وأن فعل الاجرام لدى المرأة يختلف عن فعل الاجرام لدى الرجل من حيث الكم والنوع والوسيلة، وان الاجرام لدى الرجل يفوق الاجرام الذي ترتكبه المرأة بخمسة اضعاف، وفي بعض الأحيان يصل الى عشرة اضعاف. فما الذي يدفع المرأة المعروفة برقتها وحنانها وعطفها وحتى ضعفها، للتحوّل الى مجرمة، ومن ضحية الى مرتكبة للفعل الاجرامي ؟

الفاعلة امرأة ولكن!

قال المحامي وخبير الاضرار المعنوية فادي شديد ان العوامل التي تدفع المرأة للجريمة هي عوامل متداخلة مع بعضها البعض، وتشمل عوامل اقتصادية واجتماعية ونفسية وبيئية ومحيطة وحتى بيولوجية، لكن العوامل الاجتماعية والاقتصادية تتصدّر سلم الأسباب التي تدفع المرأة الفلسطينية لارتكاب الجريمة. وأشار شديد الى المرأة انسانة عاطفية ويمكن ان تدفعها هذه العاطفة الى ارتكاب الجرائم. اذ تتميز المرأة بسرعة استجابتها وتاثرها بالمتغيرات المحيطة بها فيؤثر ذلك على شدة انفعالاتها وبالتالي الى فقدان توازنها النفسي والعصبي الذي يدفع في بعض الحالات المتطرفة لارتكاب الجريمة .

وقال شديد ان العوامل الاجتماعية ومدى كون البيئة محافظة يعتبر عاملا مؤثرًا في ما يسمى "الجرائم الأخلاقية" حيث يكون حظ النساء فيها كبيرًا وتعمد فيه النساء الى استخدام الحيلة والدهاء والخديعة لارتكاب أفعال مخالفة للقانون مثل السرقة.

ان أكثر حالات السرقة الشائعة لدى النساء تقوم النساء فيها باستهداف محالٍ تجارية وتعمد الى اخفاء الأغراض المسروقة داخل ملابسهن بشكل يضمن إخفاء معالم الجريمة وصعوبة اكتشافها. قد لا تكون السرقة جريمة بقدر القتل او الاعتداء الجسدي لكنها مخالفة قد تكون تتحول الى جريمة بفعل التكرار.

تعد العوامل الاقتصادية كالفقر والبطالة دوافع مهمة تخلق لدى المرأة شعورًا بانعدام العدالة الاجتماعية فتندفع نحو السلوك غير السليم للحصول على المال او الحاجيات غير ابهة بالقيم الاجتماعية .

التعنيف ودس السم!

واستطرد شديد بالقول ان اغلب جرائم القتل من قبل النساء تتبع ذات الطريقة وهي استخدام مواد سامة حيث يندر ذلك الاسلوب لدى الرجال. وكذلك قد تستخدم المرأة القتل عن طريق الحرق او عن طريق الاشتراك مع فاعل آخر . في مدينة أريحا، تم الكشف عن جريمة قامت فيها المرأة وعشيقها بعملية خطف وخنق وطعن لزوجها.

تعتبر المرأة في بعض الجرائم الدافع الرئيسي لارتكابها - وان نفذها الرجل- ويرى المختصون ان النساء يقمن بجرائم تقع تحت ما يسمى "بالجرائم النظيفة" او "بجرائم الياقات البيضاء" أي الجرائم غير الدموية وغير العنيفة .

أوضحت المتحدثة باسم النيابة العامة لمنطقة حيفا والشمال والمتحدثة باسم وزارة العدل للاعلام العربي حنان حداد حاج انها واجهت خلال عملها العديد من القضايا التي تورطت بها نساء. وتصدرت تلك القضايا جرائم الحاضنات، ففي بلدة فسوطة تعرض ما يقارب عشرة أطفال للعنف الجسدي من قبل حاضنتين وهما ام وابنتها وقد تم اكتشاف ذلك عن طريق وضع جهاز تنصت مع احد الاطفال من قبل والديه بعد أن لاحظت الأم تغييرًا في سلوكيات طفلها وخوفه من كل شيء وصراخه المستمر ليلا لتكتشف بان طفلها يتعرض للعنف والتنكيل مما أدى الى تعرضه لنوع من الإعاقة بالإضافة الى الأذى النفسي، وتؤكد حداد على ان الخلفية الاجتماعية والعائلية لهاتان الحاضنتان جيدة ولا يعانين من أي مشاكل .

أفادت احدى دراسات جرائم النساء الى نتائج ملفتة للانتباه اذ وجد ان جرائم قتل المواليد وتعنيفهم يكون نصيب المرأة فيه اكثر من الرجال. حيث ترتكب النساء أنواعا معينة من الجرائم التي يرتكبها الرجال بنسبة اقل وهي جرائم ترتبط بالطبيعة الانثوية للمرأة سواء من الناحية البيولوجية او الفيزيولوجية او من ناحية وضعها الاجتماعي .

وذكرت حداد ان العامل الاقتصادي كالفقر يلعب دورا في ارتكاب الجريمة من قبل النساء حيث قامت امرأة من مدينة القدس بتهريب سلاح للحصول على المال، وأدى توافر العوامل الاجتماعية كوجود عائلة مفككة الى زيادة احتمالية ارتكاب الجريمة من قبل النساء.

أمر منع النشر!

عبرت حداد عن صعوبة تعاملها مع قضايا جرائم قامت بها نساء فلسطينيات، حيث يعتريها القلق من ان تتعرض النساء للانتقام من عائلاتهن او من المجتمع في حال تم نشر اسم مرتكبة الجريمة، حيث يتم منع نشر اسم المرأة في العديد من الحالات حرصًا على حياتها. وعبرت حداد عن رفضها لذلك كونها لا تريد ان يصبح ذلك سياسة متبعة في النيابة العامة فالمرأة في نهاية المطاف مذنبة.

وقالت حداد على ان التلاعب بمشاعر المرأة واعطائها وعد بالزواج ثم التراجع عنه يدفعها للانتقام. حيث قامت فتاة من منطقة الشمال بالاتفاق مع شخص اخر للاعتداء على شخص كانت على علاقة معه. قام الشخص الذي تم الاتفاق معه بقتل العشيق وتم اتهامها بالقتل غير المتعمد كونها لم تكن تعلم بالنتيجة القاتلة وهي ارادت ضربه والاعتداء عليه وليس قتله. وعندما تم التصريح للاعلام عن هذه الجريمة طالبت حداد بإزالة كلمة "زوجية" من وصف العلاقة ونشر كلمة "علاقة" فقط لما يحمله ذلك من مخاطر سوف تتعرض لها الفتاة من قبل مجتمعها في حال نشر التفاصيل.

تذكر الإحصاءات على ان مجموع الجرائم التي ترتكبها المرأة في المجتمع تبلغ 5% بمقابل 10% من الجرائم التي تكون المرأة محرضة فيها .
ووضحت حداد أن هناك برامج للتأهيل داخل السجون لكن لا يوجد مثلها خارجها مما يصعب على المرأة العودة الى حياة طبيعية بعد السجن. وأكدت ان هناك وعي اكبر حول خلفية المجرمة وظروفها وعلاقة ذلك بارتكاب الجرائم، لذا تم الاتفاق في النيابة العامة على تقسيم الجنايات حسب الجنس والقومية والدين، لكن هذه الخطوة تحمل خطورة كونها تعمل على تكوين صورة نمطية تجاه النساء من خلفيات معينة ولكن من جهة أخرى يساعد على تكوين قاعدة بيانات والحصول على ارقام تساعد برسم خطط وسياسيات مستقبلية للحد من ظواهر ارتكاب الجرائم من قبل النساء.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]