كما كانت متوقعًا، بدت انتخابات السلطات المحلية في المجتمع العربي هذا العام، مختلفة، ففي الانتخابات التي تأجلت مرتين، بسبب الحرب، كانت الحملات الانتخابات أقل، وكانت المشادات السياسية بين الأطراف أقل، ولكن أبرز ما بدا مختلفًا، كان نسبة التصويت، حيث انخفضت بشكل ملحوظ، على عكس المعتاد في المجتمع العربي فلم تتجاوز الـ75% في حين كانت في سنوات سابقة تصل إلى نحو 90%.

"أسباب انخفاض نسبة التصويت عديدة، أبرزها الحرب طبعًا، فمن الطبيعي عندما ترى شعبك يُقتل بهذا الشكل وهذه الوتيرة، يصبح اهتمامك بالمجالس المحلية وبكل أمر آخر، أقل بكثير، ناهيك عن حالة عدم الثقة بكل المنظومة الديمقراطية في إسرائيل" يقول جعفر فرح، مدير مركز مساواة، ويضيف: "المجتمع العربي لم يعد يؤمن، لا بالحكم المحلي ولا بالحكم المركزي، ولا حتى بجهاز القضاء، وما ارتفاع وتيرة العنف الا تعبيرًا عن انعدام الثقة بأجهزة انفاذ القانون، وانخفاض نسبة التصويت في صفوف المجتمع العربي هذه المرة لا يشبه الانخفاض الدائم لنسبة التصويت للسلطات المحلية في البلدات اليهودية، فهناك، يكمن الأمر غالباً بأن المجتمع الإسرائيلي مقتنع بأن كل شيء يبدأ وينتهي لدى الحكومة المركزية ومن يريد التعبير عن الاحتجاج، يحتج أمام الحكومة، أما في المجتمع العربي فالأمر لم يكن كذلك وليس هنالك ثقة أصلًا بالحكومة، والثقة تراجعت بالجهاز القضائي ومؤخرًا بالحكم المحلي أيضًا" خصوصًا بعد مسار الخصخصة الذي حصة في مجال الخدمات ونقلها كلها إلى السلطات المحلية، التي بدورها لم تعارض ظنًا منها أن هذا يزيد من صلاحيتها وقوتها، لكنه في النهاية وضعها ككيس ملاكمة أمام المواطنين وأمام الحكومة.

الاجرام المنظم

قبل الحرب، كان الموضوع الأبرز الذي يؤرق المجتمع العربي، هو الاجرام المنظم والارتفاع المخيم بالجرائم في السنوات الماضية وبسيطرة عصابات الاجرام وتدخلها في الحكم المحلي في قسم من البلدات، والأمر ازداد بشكل كبير في السنوات الأخيرة، منذ آخر انتخابات عام 2018، الانتخابات التي أبعدت الشباب والنساء عن الحكم المحلي أكثر من كل ما سبقها، يقول المحلل السياسي والناشط إيهاب جبارين: "تراجع الثقة مع المؤسسة نفسها ارتفع بالفترة الأخيرة، مع الدولة بشكل عام، والأمر كان حتى قبل 7.10، وتحديدًا منذ تدخل الاجرام المنظم في الحكم المحلي في عدة بلدات وهذا انعكس بانخفاض نسبة التصويت في عدة بلدات، وتسبب بتراجع القوائم العائلية على حساب القوائم الشبابية في بلدات أخرى، وهي بوادر جيدة بأن هنالك تغيير إيجابي في أنماط التصويت".

"انظروا الى بلد مثل الناصرة، أكثر من 50% من المواطنين لم يصوتوا، والفارق كان بسيطًا بين رئيس البلدية علي سلام والمرشح المنافس شريف زعبي من الجبهة، حوالي 1400 صوت، ولكن الأغلبية التي لم تصوت أعلنت بموقفها قرارًا ضد إدارة البلدية الحالية، اليأس في الناصرة يسيطر على الحالة العامة، واليأس يقود الناس إلى الهجرة إلى نوف هجليل وشفاعمرو وأماكن وأخرى، واليأس قاد إلى نسبة التصويت المنخفضة هذه. والأمر حصل في عدة أماكن، كل بلدة تقريبًا شهدت ارتفاعًا في الجرائم، كان موقف اغلبية المواطنين ضد إدارة السلطة المحلية".

ورغم أن نسبة التصويت انخفضت في عدة بلدات، إلا أنها في بعض البلدات التي تجري فيها الانتخابات ضمن إطار عائلي حمائلي بحت، كانت نسبة التصويت عالية جدًا، مثل عين ماهل 93% وكفر مندا 92% والبعينة النجيدات 93%، ومن بين الـ66 سلطة محلية، تم انتخاب 30 رئيسًا جديدًا، بنسبة 45%، فيما حافظ 21 رئيسًا على مناصبهم بنسبة 32% وانتقلت الانتخابات إلى الجولة الثانية في 15 سلطة محلية بنسبة 23%.

الاحزاب تخسر معاقلها!

وخسرت الأحزاب السياسية بعض معاقلها، فمثلًا في سخنين ودير حنا خسرت الجبهة وعاد مازن غنايم رئيسًا للبلدية بعد تجربة لم تكن ناجحة في الكنيست، وفي عرابة انتقل مرشحها عمر نصار للجولة الثانية، بينما فازت في اكسال. يلخص جعفر فرح: "في العضوية، دخلت الموحدة إلى الناصرة وحوالي 28 بلدة أخرى، فيما ترشحت الجبهة بـ40 بلدة ودخلت إلى 32 منها، وهنالك حوالي 70 منتخب جمهور من الجبهة دخلوا إلى المجالس البلدية، وحوالي 20 من التجمع، أما في رهط فقد خسرت الموحدة رئاسة البلدية لصالح طلال القريناوي الرئيس السابق والذي تحالف مع عدة مرشحين وقوى سياسية بينها التجمع، وكانت نسبة التصويت عالية جدًا، نحو 90%، ولكن الموحدة باعتقادي بنت لها اعداءً بدخولها الآن في النقب، فبعدنا حصلت في انتخابات الكنيست على 80% من الأصوات، تحارب الآن على 50% من الأصوات في الحكم المحلي، وهذا قد يؤثر عليها بانتخابات الكنيست القريبة، خصوصًا اذا استطاعت الأحزاب العربية الأخرى أن تكون ذكية وتستغل هذا الأمر".

انماط التصويت

وحول التغيير في معظم البلدات يقول فرح: "أنماط التصويت في الـ20 سنة الأخيرة تؤكد أن الرؤساء العرب يدفعون ثمن يأس المواطن من الحكم المركزي، فالحكومات نجحت بتحويل غضب الناس إلى السلطات المحلية، ورأينا في بعض الحالات أنه حتى عائلة المرشح يمكن أن تسقطه، ببساطة المطالب كثيرة، وقدرة السلطة المحلية محدودة وبالتالي مهما وعد الرئيس أو المرشح، سيجد نفسه مقيّدا في تنفيذ الوعود وبالتالي سيغضب أطرافًا من المقربين له حتى".

"الانتخابات هذه أكدت ضعف نظام الحمائلية، وأكدت على تراجع الأحزاب، وأكدت أكثر على تراجع الثقة بكل المنظومة السياسية" ختم فرح حديثه عن البلدات العربية واستطرد متحدثًا عن المدن المختلطة "في حيفا وبعد دخول نقف معًا إلى الخط، ازداد التمثيل العربي إلى 4، وحصلت نقف معا على بعض أصوات الجبهة، وغالبًا يميل معظم العرب إلى يونا ياهف، كون عتسيوني يقترب من النواة التوراتية وجهات يمينية أخرى، لكن باعتقادي فإن نسبة التصويت في صفوف العرب بحيفا ستكون منخفضة. أما في عكا فرغم أن الأحزاب العربية توحدت إلا أنها حصلت على نتيجة سيئة مقارنة بما توقعت، 3 مقاعد، بالمقابل حصلت قائمة شبابية جديدة على مقعدين، أما في نوف هجليل فحصلت القائمة العربية المشتركة على 4 مقاعد مرتفعة بمقعد عن المرة السابقة وفشلت قائمة بن غفير من عبور نسبة الحسم فيما غيرت قائمة الصهيونية الدينية اسمها وادعت انها قائمة حباد، وفي تل أبيب يافا حصلت على 3 مقاعد، وفي اللد ورغم أن رفيفو نجح بتفريق الأصوات العربية، إلا أنهم حافظوا على قوتهم، وفي الرملة كذلك".

إيهاب جبارين يعتقد بدروه بأن الأمور في المدن المختلطة تختلف "في المدن المختلطة يعبر الناس عن موقفهم من عنصرية المؤسسة الحاكمة، الدولة، ويرون بالسلطة المحلية ممثلًا عن الدولة، ولذلك صوتوا بنسب عالية وعززت القوائم العربية مواقعها في غالبية هذه المدن".

"المجتمع العربي أعلن موقفًا ضد الاجرام المنظم برأيي، ورأى بالانتخابات الوسيلة الوحيدة التي يمكن خلالها قول كلمة ضد ما يحصل، رغم حالة اليأس السائدة، وما فعلته الحرب هو أنها قامت بتوضيح الصورة بشكل كبير" يقول جبارين، ويضيلإ:" الناس إما لم يصوتوا أو صوتوا ضد الوضع القائم، وأتحدث عن الأغلبية، والاستياء ليس من جرائم القتل فحسب، بل من كل الفساد والمناقصات وكل ما يحصل".

وحول ترشيح النساء، قال فرح بأن "17 امرأة انتخبن، بينهن 8 من الجبهة، وأن عدد المرشحات النساء كان أقل من 100، وذلك بسبب الحرب وبسبب تفشي الاجرام المنظم في المجتمع، لكن عدد النساء المنتخبات قريب للعدد الذي كان في سنوات ماضية".

وبعد الانتخابات، وبعد عدم ترشح مضر يونس رئيس مجلس عارة عرعرة لمرة أخرى، وهو رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية، ينبغي الآن ترشيح رئيس جديد لهذه اللجنة، وقد ترشح مازن غنايم ليترأسها من جديد، بدعم من الموحدة، كذلك ترشح كل من د. سمير محاميد رئيس بلدية أم الفحم وعلي زيدان رئيس مجلس كفر مندا، ويتوقع أن تكون المنافسة شديدة بين د. سمير محاميد ومازن غنايم.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]