بدأ وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الخميس، رحلة جديدة إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث يلوح خطر اندلاع حرب إقليمية، مع احتدام الحرب في غزة. وهذه هي الزيارة الرابعة التي يقوم بها بلينكن إلى المنطقة منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023.
لقاءات منفردة

وحول زيارة بلينكن إلى الضفة الغربية ولقائه برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تحدث موقع بكرا مع المحلل السياسي أمير مخول الذي قال: "بخلاف البلدان العربية والإقليمية التي شملتها جولة بلينكن حيث التقى جهة واحدة تمثل النظام في كل دولة، فقد عقد في إسرائيل بالإضافة لمشاركته في اجتماع كابنيت الحرب، عددا من اللقاءات المنفردة للنظر في القضايا الجوهرية التي أتت زيارته من أجلها؛ اذ اجتمع في لقاءات ثنائية مع وزير الخارجية يسرائيل كاتس، ومع وزير الأمن غالنت، ورئيس الحكومة نتنياهو، والوزير في كابينيت الحرب غانتس، ومع رئيس جهاز الأمن العام الشاباك رونين بار كما اجتمع مع رئيس الدولة هرتسوغ ومع عائلات الرهائن المحتجزين في غزة".

أهم تصريحات بلينكن

وحول التصريحات التي أعلنها بلينكن في لقاءاته في إسرائيل قال مخول: "تضمنت تصريحات بلينكين في اسرائيل مواقف جديدة تعبر عن رؤية لم تصرح بها الادارة الامريكية، بأن الولايات المتحدة ملتزمة بتحقيق اتفاق يتيح "إعادة سكان إسرائيل الذين تم إخلائهم من الجنوب والشمال، معتبرا أن الأمر ممكن "فقط من خلال رؤية إقليمية تشمل دولة فلسطينية، فلا يمكن أن يتحقق جانب من دون آخر، وعلى القادة الاسرائيليين اتخاذ قرارات صعبة".

وأكمل قائلًا: "التجديد الآخر في تصريحاته هو، أن الأمم المتحدة سوف ترسل طواقم عمل الى شمال قطاع غزة لمعاينة كيفية إعادة السكان الفلسطينيين إلى بيوتهم [في شمال غزة] بعد أن "خفف الجيش الإسرائيلي من كثافة تواجده العسكري"، في اشارة الى رغبة ادارة بايدن بهذه الخطوة الاممية، ومؤكدا على إلزامية عودتهم ورفض بشكل قاطع فكرة استيطان اسرائيلي في غزة، وفي ذلك اشارة الى شبه استحالة الحياة".

وأضاف مخول أنه: "تتزامن الزيارة عشية بدء محكمة العدل الدولية بالبتّ في طلب جنوب أفريقيا استصدار امر بوقف الحرب، ضمن الدعوى التي رفعتها وتتهم إسرائيل بارتكاب أعمال ابادة وجرائم حرب. وقد هاجم بلينكن الدعوى الجنوب افريقية واعتبرها معطِّلة للجهود السياسية".

وحول التخوفات من اتساع بقعة الحرب في الشرق الاوسط وتصريح بلينكن قال مخول: "واشار بلينكين إلى الجهود الامريكية لدرء اتساع رقعة الحرب وحذر من مخاطرها على الحدود الشمالية مع لبنان مؤكدا على انحياز دولته لإسرائيل ومشددا على جدوى وإمكانية الحل السياسي الدبلوماسي وليس العسكري".

واضاف: "طالب بلينكين حكومة نتنياهو بتحويل اموال المقاصة إلى السلطة الفلسطينية وبالكامل، وتلقى الرفض مباشرة من وزير المالية سموتريتش".

الموقف العربي الفلسطيني 

وقال مخول حول تحليله للوضع ان: "هناك إجماع عربي فلسطيني بالاستعداد للتعاون التام مع الادارة الامريكية في إطار حل يشمل وقفا للحرب على غزة وفي سياق حل سياسي يوصل الى دولة فلسطينية. والسؤال هو بصدد الطرف الاسرائيلي. لقاءات بلينكن مع المسؤولين الاسرائيليين كلٍّ على حدة فيها دلالة على العقبة الأمريكية المستعصية، وهي طبيعة حكومة نتنياهو، وطبيعة علاقة ادارة بايدن مع هذه الحكومة، وفي مسعى للإبقاء على غانتس وحزبه في إطار كابينيت الحرب، لضمان المصالح الأمريكية وتطبيق الرؤية الامريكية ووضع كوابح لحكومة نتنياهو الموسعة المعنية بالتصعيد على عكس مصالح إسرائيل الحقيقية، الأمر يتطلب هدنة طويلة الأمد في الطريق نحو وقف الحرب".

اللقاء مع عائلات المحتجزين

وأضاف مخول: "في اجتماعه مع عائلات الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين في غزة عزز بلينكن من القوى المعنية بوضع هذه المسألة في طليعة الأولويات، وهي المحرك الأساسي أيضا للتهدئة والتفكير بما يسمى اليوم التالي وفقا لإدارته، وكما في معظم جولات المسؤولين الأمريكيين لم يتم أي التطرق لوقف إطلاق النار إلا أن الحديث عن حل معظم الأمور بطرق دبلوماسية وسياسية باستثناء الموقف من حماس وضرورة استمرار الحرب".

اليوم التالي

وأكمل قائلًا: "رغم تصريحاته وما فيها من مستجدات، فإن الخارجية الامريكية تدرك بأن حكومة اسرائيل تفتقر الى اي اجماع بصدد "اليوم التالي" وبصدد الأولويات في الأهداف وتحديدها ، والى اي توافق داخلي مراده حل سياسي. وبأن نتنياهو عاد للتخندق في ائتلافه الحاكم مع أحزاب الصهيونية الدينية لمتطلبات بقائه في الحكم وتجنّب التحقيق في إخفاق 7 اكتوبر وفي الحرب، وذلك بإعلان إسرائيل اطالة امد الحرب لعام إضافي، كما ان هذا التخندق يعني قبوله لموقف سموتريتش برفض تحويل أية أموال مستحقة للسلطة الفلسطينية في اطار المقاصة ومواصلة السياسة الهادفة لتقويضها، والى عدم قدرته، وبتقديرنا عدم رغبته، على التصدي لمشروع اعادة استيطان غزة، ولتخفيف التصعيد الاحتلالي في الضفة الغربية والذي يحمل ملامح بنية تطهير عرقي، كما انه يتماهى تماما مع مشروع التهجير في غزة ويسعى اليه فعليا".

النازحون الاسرائيليون 

وحول النازحين الاسرائيليين قال مخول: "في اشارته لمسألة النازحين الإسرائيليين في الشمال والجنوب وبكونها مسألة تحل في اطار حل شامل اقليمي، أكد بلينكين ان هذه المسألة باتت مستعصية وخرجت عن كونها مسألة اسرائيلية داخلية تجد حلها من خلال قرارات حكومية مباشرة، بل وحوّلها الى اداة للضغط على حكومة نتنياهو من اجل تدارك الحرب مع حزب الله ولبنان ولوضع المسألة في سياق الحرب على غزة والتي باتت المحرك للوضع على كل الجبهات، واعتراف بأن تهدئة الجبهات الاخرى وحصريا الجبهة اللبنانية منوطة بالتهدئة في غزة. وفي هذا تراجع عن الموقف الامريكي الذي ساد في بداية الحرب، وقد يكون في هذا تقدير ضمني لدى ادارة بايدن بأن إخفاق وزير الخارجية بلينكن في جولته في المنطقة لا يمكن تجاوزه ويعود مرده الى أنها متورطة وأن روافع تأثيرها في المنطقة قد تراجعت بسبب موقفها من الحرب على غزة ورفضها لوقف إطلاق النار. لكنه أساسا يعود الى تراجع منسوب تأثيرها على حكومة نتنياهو في مسألة كيفية الخروج من الحرب وذلك ما راهن عليه نتنياهو بأن عام الانتخابات في الولايات المتحدة يجعل منسوب التأثير على حكومة اسرائيل يتراجع".

وحول الحل الذي قد تقترحه الحكومة الأمريكية قال مخول: "رغم تفاقم الأزمة السياسية الطاحنة في إسرائيل والعلاقة المتوترة بين المستويين السياسي والعسكري والصراع داخل الحكومة نفسها، يدرك نتنياهو بأن ادارة بايدن لن تفرض حلا على اسرائيل، ويرى بذلك هامشا للمناورة مقابل هذه الإدارة، لتجاوز مستحقات إخفاق الحرب وللإبقاء على ائتلافه الحاكم".

واكمل: "قد يكون التوافق الوحيد بين بلينكن وحكومة نتنياهو هو بعدم فتح جبهة على الحدود مع لبنان على شكل حرب شاملة ومفتوحة. وبتقديرنا أن إسرائيل غير جاهزة لمثل هذه الحرب رغم التصعيد الهجومي الذي يبدو مرده هو مسعى لترميم حالة الردع، بينما يشكل التصعيد المتبادل مسعى لتحسين شروط التفاوض غير المباشر و للإبقاء على معادلة الردع القائمة او اجراء تغييرات ضمنها وفي سياق الجهود الدبلوماسية الامريكية والاوروبية والعربية المبذولة لمنعها ولإيجاد مخرج دبلوماسي. بيد ان الموقف الامريكي الحازم نسبيا نحو منع اشتعال الحرب الشاملة فيه رؤية لمصالح الولايات المتحدة ونفوذها، وفيه أيضا رؤية لمحدودية قدرة اسرائيل على مثل هذه الحرب دون توريط الولايات المتحدة فيها، بما فيه تسليم أمريكي بأن التوتر على هذه الجبهة وعدم قدرة اسرائيل على إعادة نازحيها إلى بلداتهم فذلك يعود إلى عدم القدرة على فك الارتباط بين الجبهتين الجنوبية والشمالية".

وأنهى مخول حديثه قائلًا: "لم تحقق جولة بايدن اية اختراقات للحالة المستعصية والتي تشكل الإدارة الأمريكية جزءا منها بامتناعها عن فرض وقف الحرب، ويعود الاخفاق الى طبيعة حكومة اسرائيل وطبيعة علاقة الإدارة الأمريكية بها. هناك أهمية لبداية إدراك ادارة بايدن بأن الطريق لحل التوترات والتصعيد الحربي واحتمالية اتساعه، يمر من غزة. وقد تدفع نحو تبلور موقف أمريكي نحو السعي إلى فرض حل وهو موقف عبر عنه الاتحاد الأوروبي مؤخرا على لسان مفوض السياسة الخارجية بوريل".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]