جورج كرزم..خاص بآفاق البيئة والتنمية

يعد عدوان أكتوبر على أهلنا في قطاع غزة حرب إبادة بشرية شاملة هندستها الأدمغة الدموية المريضة التي أبادت بشكل منظم مئات العائلات الفلسطينية عن بكرة أبيها؛ فبلغ عدد الشهداء الفلسطينيين نحو 20 ألف (حتى كتابة هذه السطور)، 73% منهم أطفال ونساء، فيما بلغ عدد الجرحى أكثر من 50 ألف (خلال ذات الفترة)، فضلا عن آلاف الشهداء تحت الأنقاض (معظمهم من الأطفال والنساء) الذين لم يتم انتشالهم حتى لحظة كتابة هذا المقال، علاوة على مئات الجثث الملقاة في الشوارع والطرقات أو أن مصيرهم ما زال مجهولا.
أحياء سكنية وبلدات وقرى بأكملها سويت بالأرض وآلاف المنازل هُدِمت على رؤوس قاطنيها، تنفيذا لسياسة الأرض المحروقة و"الأحزمة النارية" وسط الأحياء السكنية المكتظة.
المذابح البشرية قتلت وأبادت أكثر من ألف عائلة، فشُطِبَت معظمها من السجل السكاني المدني، كما في مجازر عائلات الأسطل والزعانين وطافش والبردويل وجاد الله وحلاوة وشهاب وأبو العلا وأبو اسحاق ونوفل وزيادة والطهراوي وجودة وبرغوت والعقاد وزعرب وسكيك والمقيد والجزار والطناني وحبوش وحماد والحلو والبابا وأبو مخدة والبكري وأبو جاسر وبريكة وضهير وأبو عودة وعواجة والعطار وعطا الله وحسونة والعقاد والعجرمي والمطوق وزعرب والمدهون والحناوي وشاهين وأبو شعيب وموسى وحمودة والزطمة وجودة وأبو معيلق ونتيل وجابر وأبو القمصان وأبو يونس ورشوان والزيناتي والغندور والبياع واللداوي وأبو شحادة وأبو عيادة وأبو النجا والحشاش وعبد الغفور والبطش وأبو دان وأبو دقة ومخيمر وبكر والبطة وأبو دلال وعوض والمقادمة والبيوك واخليل وزينو وعيد وأبو عريبان وقنديل والكحلوت والدحدوح وعوض وعلوان ونصار وأبو شمالة والأخرس والحمايدة والهور وأبو شحمة ونبهان والمجدلاوي وطموس وعودة ومحرم وغانم وثابت وجمعة والكرد والخطيب وحنون وفطاير وحبيب وأبو سرية وجويفل وحجازي وجحا وملكة وبركة وغباين وزنون ودغمش وثابت وأبو حطب وأبو سمعان وأبو عمر والنجار وحمد وأبو حجيلة والخولي ومحيسن والعالول وأبو حصيرة وبرهوم وشرف وسمور وصبح والدهشان وصلاح وضاهر وفراونة والبرعي وأبو خاطر وشحادة وعليوة والغوطي وأبو حصيرة وأبو حجر وفياض وأبو جميزة وغيرها الكثير. بعض العائلات أبيدت أكثر من مرة في أكثر من منزل.
في السابع عشر من أكتوبر 2023، تُوِّجَت المجازر الإسرائيلية في القطاع، بقصف المشفى المعمداني بمدينة غزة وإبادة من فيه من نساء وأطفال، فبلغ عدد الشهداء نحو 500. وفي نهاية أكتوبر نُفِّذَت مجزرة كبرى أخرى في مخيم جباليا، راح ضحيتها مئات الشهداء، وتلتها، بعد ساعات قليلة، مجزرة أخرى في ذات المخيم (منطقة الفالوجا) أبيدت فيها عائلات بأكملها.
وفي بث حي ومباشر شاهد العالم أكثر من ألف مجزرة بشرية رهيبة في غزة ودير البلح ورفح وخانيونس والفاخورة وسلسلة مجازر في مخيم جباليا، ومذابح مخيمات الشاطئ والمغازي والنصيرات وأحياء الزيتون والصبرة والتفاح وأبراج حمد في خانيونس وغيرها، راح ضحيتها الآلاف. يضاف إلى ذلك عشرات المذابح التي استهدفت المشافي والمدارس التي لجأ إليها النازحون، مثل مذبحة محيط مشفى الشفاء ومجزرة مشفى الأندونيسي، ومذابح مدارس الفاخورة وأسامة بن زيد في شمال القطاع ومذبحة مدرسة البراق في مدينة غزة ومذبحة مدرسة تل الزعتر في بيت لاهيا. وخلال أقل من أسبوع، اقترفت مجزرة ثانية في مدرسة الفاخورة بمخيم جباليا، علما أن مجزرة مشابهة اقترفت خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2009.
كما استُهدِفت العديد من المشافي الأخرى مثل مجمع الشفاء الطبي ومشافي القدس والإندونيسي والرنتيسي والنصر للأطفال، فضلا عن قتل الأطفال الخُدج خارج حضاناتهم في مجمع الشفاء، ووفاة مئات الأطفال المرضى والجرحى في المشافي بسبب حصارها وقصفها ونفاذ الأكسجين والدواء والمستلزمات العلاجية والوقود منها وقطع الكهرباء عنها.
وتجلت أبشع جرائم الحرب المعاصرة في إخلاء الاحتلال الإسرائيلي لمجمع الشفاء الطبي، وإخراجه المرضى والجرحى والأطفال المبتورة أطرافهم، بقوة الإرهاب والوحشية، فتم تحويله إلى ثكنة عسكرية ومقبرة جماعية، أمام الصمت المطبق للحكومات الغربية المتواطئة التي طالما تغنت بشعارات حقوق الإنسان والطفل والمرأة والعدالة والديمقراطية، ونظَّرت بها علينا وعلى سائر شعوب الجنوب. إنها قمة النفاق الإنساني والسياسي والأيديولوجي، وسابقة مقززة ووصمة عار في تاريخ الإنسانية.
وبحسب قيادة الجيش الإسرائيلي، خلال الفترة 7 أكتوبر-30 نوفمبر (55 يوما)، سقطت عشرات آلاف الأطنان من المتفجرات على قطاع غزة (مساحته 365 كم2). وخلال ذات الفترة قصف الجيش الإسرائيلي قطاع غزة بعشرات آلاف القذائف والصواريخ أطلقت من الجو والبحر والبر. ووفقا للجيش الإسرائيلي أيضا، استهدف الأخير، خلال الفترة ذاتها، آلاف الأهداف في قطاع غزة (هل يوجد في قطاع غزة آلاف الأهداف العسكرية؟!).
وفي المتوسط، خلال أول 18 يوما من العدوان، قصفت طائرات الاحتلال 22 صاروخاً تدميرياً لكل كم2 واحد (بحسب المرصد "الأورو متوسطي" لحقوق الإنسان)، وخلال ذات الفترة ألقيت على كل كم2 واحد 23 طنا من المتفجرات بالمتوسط.
خلال الأيام التسعة الأولى للعدوان، أسقطت إسرائيل على قطاع غزة ما يوازي ربع قنبلة نووية (المرصد "الأورو متوسطي" لحقوق الإنسان). وخلال أول 18 يوماً من العدوان، قصف الاحتلال قطاع غزة بأكثر من 12 ألف طن متفجرات؛ ما يساوي قوة القنبلة النووية التي ألقتها الولايات المتحدة الأميركية على هيروشيما عام 1945. وتواصل القصف الإسرائيلي الوحشي المكثف والهمجي دون رحمة على جميع زوايا ونقاط قطاع غزة، فأسقطت إسرائيل، خلال أول 26 يوما من عدوانها، أكثر من 25 ألف طن متفجرات على القطاع، بما يعادل قنبلتين نوويتين، أي نحو 70 طن لكل كم2 (المرصد "الأورو متوسطي"). عَدّاد القصف الإسرائيلي الإجرامي تواصل دون توقف بتصاعد كبير على مدار الساعة، حتى أن كمية المتفجرات التي أُسقِطَت على القطاع خلال أول 31 يوما من العدوان قُدِّرَت بـ30 ألف طن، بمتوسط 82 طن لكل كم2. القوة النارية التي استخدمتها إسرائيل على غزة، خلال أول 40 يوما من عدوانها، تعادل ثلاث قنابل نووية! (المرصد "الأورو متوسطي").
عشرات آلاف الوحدات السكنية دُمِّرت تدميرا كاملا، كما دُمِّرت أكثر من مائتي ألف وحدة سكنية بشكل جزئي معظمها غير صالح للسكن (أكثر من 60% من الوحدات السكنية تأثرت بالعدوان، ما بين وحدات سكنية هُدِمت كليا أو أصبحت غير صالحة للسكن، ووحدات سكنية هُدِمت جزئيا).
غالبية الشهداء هم من المدنيين غير المقاتلين، بل إن معظمهم عبارة عن أطفال ونساء. المشاهد الدموية البشعة لا تعد ولا تحصى. أجساد مئات الأطفال احترقت أمام عيون العالم "المتحضر" وأمام سمع وبصر المؤسسات الدولية والحقوقية التي غابت أمام مجازر الإبادة الجماعية. هذا كل ما تفتقت عنه آلة القتل السادية المريضة التي فشلت في تحقيق أي من الأهداف العسكرية الكبيرة، مثل القضاء على الصواريخ، واصطياد رموز قيادية لحركة حماس، وسحق بنية المقاومة؛ بل إن أبرز إنجازاتها عبارة عن مجازر همجية ضد شعب أعزل محاصر ومجوع.
علاوة على ذلك، بدأت إسرائيل في تنفيذ مخطط تطهير عرقي لمئات آلاف الغزيين في شمال القطاع، فأرغمت الأخيرين على النزوح نحو الجنوب (رفح وخانيونس)، بل قصفت أعدادا كبيرة منهم وأبادتهم في المناطق الجنوبية للقطاع التي لجأوا إليها، أو أثناء نزوحهم نحو الجنوب. ويقدر عدد الذين نزحوا وشُرِّدوا داخليا في مختلف أنحاء القطاع بنحو مليون ونصف المليون (أكثر من 60% من سكان قطاع غزة)، تحولوا بين ليلة وضحاها إلى نازحين ومشردين. جزء كبير من هؤلاء المشردين نزح إلى مدارس وكالة غوث اللاجئين.
المجازر البشرية الشاملة التي تتباهى إسرائيل باقترافها، متسترة خلف ستار محاربة "حماس"، جاءت تتويجا لحصارها وتجويعها وإذلالها لأكثر من مليوني فلسطيني وعقابهم الجماعي، منذ سبع عشرة سنة، تحت سمع وبصر منظرّي حقوق الإنسان والديمقراطية؛ وبالطبع، سبقت هذه الجرائم سلسلة طويلة من الحروب الإسرائيلية الهمجية ضد أهالي قطاع غزة، وبخاصة عدوانات 2008-2009، 2012، 2014، و2021، بالإضافة لعدواني آب 2022 وأيار 2023.
العقلية الإجرامية وصلت لدرجة إعلان "يوآف غلانت" وزير الحرب الإسرائيلي عن قرار منع الطعام والماء والكهرباء والغاز عن أهالي القطاع. الكيان الإسرائيلي يستخدم المياه سلاحاً للتنكيل المنهجي والمنظم بالفلسطينيين، والتلذذ بتعطيشهم وإذلالهم، لإخضاع الفلسطينيين وإرغامهم على الرضوخ للاحتلال ومشاريعه.
وفي ذات السياق، من المفيد التذكير بأنه أثناء حصار الجيش الإسرائيلي لبيروت عام 1982 نصح يتسحاق رابين زميله أريئيل شارون وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك، بأن يبادر الأخير إلى قطع الماء والكهرباء عن بيروت الغربية وتعطيشها، بهدف إخضاع المقاومة الفلسطينية المحاصرة هناك. وقد أخذ بالنصيحة، إذ قطع الماء والكهرباء لبضعة أسابيع أثناء الحصار.
هذه العقلية الإجرامية تذكّرنا بالتقارير الإسرائيلية الموثقّة التي كشفت، في أكتوبر 2012، عن إحصاء السلطات الإسرائيلية للسعرات الحرارية التي تسمح بدخولها الى القطاع للرجل والمرأة، بما يكفي لمجرد بقائهم على قيد الحياة فقط. ورغم ذلك، وبغطرسة سادية قل نظيرها، نعت "غلانت" أهلنا في غزة بـ "الحيوانات البشرية"!!
القصف الإسرائيلي استهدف المشافي والمراكز الصحية وسيارات الإسعاف والمساجد والكنائس التي دمرت بشكل كامل أو جزئي، إضافة إلى المؤسسات الإعلامية والجامعات ومئات المدارس التي دمرت بشكل جزئي أو كلي، كما استهدف القصف المقابر الإسلامية والمسيحية والكنائس، علاوة على تدمير المخابز ومقرات عشرات الجمعيات الخيرية ومئات المنشآت التجارية والصناعية التي دمرت بشكل كامل، وقدرت خسائر هذه الأخيرة بمليارات الدولارات؛ يضاف إلى ذلك تدمير العديد من محطات الصرف الصحي التي يستفيد من خدماتها مئات آلاف المواطنين. كما أن معظم المياه الصالحة للشرب التي كانت تضخ على قطاع غزة قبل العدوان انعدمت تماما؛ ناهيك أن كميات كبيرة من مياه آبار كثيرة يعتمد عليها أهالي غزة للشرب، اختلطت مع المياه العادمة.
إذن، حجم الدمار في غزة مرعب، وستستغرق عملية إعادة بناء ما دمر سنين طويلة.
أشلاء ممزقة وجثث متفحمة
بشاعة الأسلحة الفتاكة المحرمة دوليا التي استخدمها الجيش الإسرائيلي، مثل الأسلحة الكيميائية والقذائف الفوسفورية الحارقة، تفسر العدد الكبير من الشهداء الذين وصلوا إلى مشافي قطاع غزة جثثا متفحمة، أو أشلاء ممزقة، إضافة إلى التشوهات والأطراف العليا والسفلى المبتورة، والحروق العميقة التي تصل إلى العظام.
يضاف إلى ذلك، أن الكثير من مخلفات قصف الجيش الإسرائيلي وألغامه وأجسامه المشبوهة ما تزال تواصل انفجارها في البيئة الفلسطينية بغزة، بجوار التجمعات السكانية، فضلا عن أن الأراضي والتجمعات الفلسطينية الغزية تحوي بعض المكونات في مخلفات الطائرات الحربية الإسرائيلية يعتقد بأنها مشعة.
قنابل فراغية وارتجاجية
بهدف تدمير المباني والمنازل على رؤوس قاطنيها، استخدم سلاح الجو الإسرائيلي القنابل الفراغية والارتجاجية في قصف المباني. وتتسبب القنابل الفراغية في تفريغ الهواء الداخلي من المبنى المستهدف، فيؤدي الاختلاف الكبير بين الضغط الداخلي المنخفض جدا للمبنى والضغط الخارجي المرتفع، إلى انفجار المبنى وانهياره نحو الداخل. وتتميز الإصابات بهذا النوع من القنابل بتهتك وتلف كبيرين في أعضاء الجسم الداخلية، بينما تكون الآثار والجروح الخارجية على الجسم سطحية وطفيفة. وقد استخدمت إسرائيل هذا النوع من القنابل أثناء اجتياحها للبنان وحصار بيروت عام 1982، وأيضا أثناء حرب تموز 2006 مع المقاومة اللبنانية، وحرب الكانونين (2008-2009) وعدواني 2014 و2021 ضد غزة.
سرقة أعضاء بشرية
المرصد الأورو-متوسطي كشف في 26/11/2023 عن مؤشرات ومعطيات حول شبهات سرقة الاحتلال الإسرائيلي لأعضاء بشرية من جثامين شهداء اختطفها من مجمع الشفاء الطبي والمشفى الأندونيسي والمقبرة الجماعية في إحدى ساحات مجمع الشفاء. وبحسب شهادات أدلى بها أطباء في غزة، أجروا فحصا أوليا للجثث التي أفرج عنها الجيش الإسرائيلي، تبين سرقة قرنيات العيون وقوقعيات الآذان وأعضاء حيوية أخرى مثل الكبد والكلى والقلب. الجرائم الإسرائيلية المتمثلة في سرقة الأعضاء البشرية من جثث أهالي غزة، ليست السابقة الأولى، بل من المفيد هنا التذكير بكتاب "على جثثهم الميتة" للطبيبة الإسرائيلية "مئيرة فايس" والذي كشف عن سرقة إسرائيل لأعضاء من جثامين فلسطينية لزرعها في أجساد مرضى إسرائيليين أو استعمالها في كليات الطب في الجامعات الإسرائيلية لإجراء الأبحاث عليها.
كما أقر "يهودا هس" (المدير السابق لمعهد أبو كبير للطب الشرعي في إسرائيل) بسرقة أعضاء بشرية وأنسجة وجلد لشهداء فلسطينيين، دون معرفة أو موافقة ذويهم.
وفي عام 2009 نشرت شبكة CNN الأميركية تحقيقا بَيَّن أن إسرائيل تعد أكبر مركز عالمي لتجارة الأعضاء البشرية بشكل غير قانوني.
"الردع الأمني" هو التبرير الإسرائيلي الرسمي لسياسة احتجاز جثامين الفلسطينيين، علما أن المواثيق والمعاهدات الدولية ولوائح لاهاي ومعاهدة جنيف الرابعة تحظر هذه السياسة الإجرامية.
آثار صحية-بيئية كارثية
حذر خبراء كثيرون من العواقب الصحية-البيئية الكارثية الناتجة عن القصف الإسرائيلي الوحشي للبنى التحتية المائية والكهربائية والصحية وتدميرها؛ وبخاصة خطوط التغذية الكهربائية، ومصادر المياه والآبار.
حجم النكبة الإنسانية التي خلفها العدوان والمتمثلة في انعدام الكهرباء والمياه وانتشار المياه القذرة، وبالتالي انتشار التلوث وانعدام النظافة العامة والأمراض الجلدية وبخاصة الجرب والحكة والطفح الجلدي، إضافة لأمراض الإسهال والتهاب السحايا لدى الأطفال تحديداً- إن حجم هذه النكبة أكبر بكثير من إمكانيات وقدرات الأهالي على مواجهتها وحدهم.
خطوط تغذية الكهرباء في قطاع غزة دمرت بالقصف الجوي أو المدفعي البري. وفي المحصلة، يعاني الأهالي من الظلام المتواصل أو يُحرمون من الكهرباء لأيام طويلة.
ظروف حياة الغزيين كانت بائسة أصلًا قبل العدوان الأخير، إذ منذ عام 2006 يعيش الأهالي محاصرون مجوعون؛ فجاءت حرب الإبادة لتجهز على ما تبقى من مقومات الحياة الأساسية في قطاع غزة.
بين ليلة وضحاها، أصبح مئات الآلاف من أهالي قطاع غزة نازحين ومشردين؛ ناهيك عن الآلاف الآخرين المشردين أصلًا منذ عدوان 2014. يضاف إلى ذلك الأحياء التي دمرت كليًا وسويت منازلها بالأرض، فأصبحت أثرًا بعد عين؛ ناهيك عن مئات المنازل التي دمرت على رؤوس قاطنيها، فأبيدت عائلات بأكملها عن بكرة أبيها.
يمكننا القول إن الحرب الهمجية الأخيرة تعد تتويجا لسنين الحصار الطويلة وما رافقها من إذلال وتجويع وحشر أكثر من مليوني إنسان في مساحة جغرافية صغيرة (365 كم2) كثيفة السكان، ومن ثم قصفهم المكثف وإبادتهم وتحويلهم إلى مختبر لفحص أسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليًا.
أمام هذا المشهد الدموي البشع الذي صنعه الاحتلال، لا يزال البعض يستغرب من إصرار أهلنا في غزة على الثبات والنضال من أجل وجودهم وحقوقهم، وتفضيلهم الموت وقوفًا على الحياة خنوعًا.


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]