قال الكاتب مصطفى أيكول، الزميل في معهد كاتو ومؤلف كتاب “لماذا أدافع كمسلم عن الحرية” إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتصر من خلال تعهده بجعل تركيا عظيمة مرة أخرى.

وجاء في مقال له نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، “في يوم الأحد ظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على شرفة مقرات حزبه الحاكم، العدالة والتنمية في أنقره لكي يقدم خطابه المعروف من الشرفة، تماما كما فعل في كل جولة انتخابية منذ عقدين. وكان أنصاره في حالة من النشوة، في وقت كان فيه المعارضون في حالة من القلق.

وبالتأكيد لم تكن نتائج الانتخابات الرئاسية قد أعلنت. وهناك جولة ثانية في 28 أيار/ مايو، لكن من المحتمل الذي يقود السباق بأربع نقاط ضد منافسه الرئيسي كمال كيلشدارـ سينتصر. فقد أمن تحالفه الحاكم الغالبية البرلمانية. وبعبارات أخرى، بعد 20 عاما في السلطة، يمكن أن يحصل أردوغان على خمسة أعوام أخرى للحكم، إن لم يكن أكثر، متجاوزا الزعيم التركي الأخر في القرن التاسع عشر، سلطان عبد الحميد الثاني”. ولو فاز، فالخمسة سنوات القادمة لا تبدو واعدة، فبعد كل هذا فقد حول أردوغان تركيا إلى دولة تشبه الدولة التي يحكمها الحزب الحاكم الواحد والأسوأ ربما كان مخبأ.

وربما محا أردوغان ما تبقى من قضاء مستقل الإعلام الحر والأكاديميا الناقدة. ووعد بدستور جديد والذي يمكن أن يحقق أحلام اليمين الديني. ويقترح أنصار أردوغان، إلغاء المحكمة الدستورية وزيادة جرعات الدين في التعليم الديني والحد من حريات المرأة ومنع التفسيرات الخارجة “الهرطقة” للإسلام.

لكن السؤال عن سبب استمرار أردوغان بتحقيق الانتصارات في وقت اعتقد فيه الكثيرون أن دعمه سينهار في وجه التضخم المستشري والرد العقيم على الهزات الأرضية الأخيرة؟ الجواب ليس في أنه “سرق” الأصوات، فتركيا رغم تراجعها الدراماتيكي في حرية التعبير وحكم القانون لديها نظام انتخابي شفاف يفوز من خلاله أردوغان في صناديق الاقتراع.

والجواب هو أن أردوغان أقام رابطة قوية مع الغالبية الاجتماعية- السياسية: المحافظون الدينيون، كما وسحرهم بخطاب عظيم: فرغم الأعداء الخبثاء والمتآمرين الشنيعين فإنه يقوم بجعل تركيا مرة أخرى عظيمة ومسلمة.

وتم ضخ الحكاية هذه عبر آلة دعائية ضخمة تضم الكثير من الوسائل وتقول هكذا: في يوم ما، كحكام للدول العثمانية حكم الأتراك العالم. وبسبب المؤامرات الأوروبية و”الخونة” في الداخل، فقد ركعوهم والأسوأ من هذا سيطر العلمانيون القمعيون على تركيا منذ عشرينيات القرن العشرين حتى بداية القرن الحادي والعشرين، وأهانوا العباد المتقين من خلال إغلاق المساجد ومنع الحجاب. وكان أردوغان، وحدة هو من أنهى هذا العار. ولهذا السبب “فهم” يواصلون مهاجمة أردوغان.

و”هم” تشكل على مزيج من أحزاب المعارضة والنقاد الليبراليون والإعلام الغربي وكابال رأس المال وجورج سوروس والدولة الأمريكية العميقة والمحاكم الأوروبية والإرهابيين الأكراد والمثليين والناشطين أو المنشقين في داخل المعسكر الديني. وهذا المزيج من الأعداء لتركيا يحاولون إجبار الأمة المجيدة وزعيمها للسقوط وضد صرخة أنصار أردوغان “يريدتماييز” وهو شعار يعني “لن نسمح لكم بإسقاطه”.

وتم الحفاظ على هذا الحماس من خلال الحفلات الصاخبة الدائمة، ولم تلاحظ إلا قلة في الغرب، لكن حملة أردوغان الانتخابية تضمنت الكشف عن آليتي حرب جديدتين. حاملة المسيرات التركية الأولى “تي سي جي الأناضول” وحاملة المقاتلات الجديدة “كان” وكلاهما أعلن عنهما في حفلات رسمية وبجماهير حاشدة وحماس حقيقي ومنقطع النظير.

وأعاد أردوغان بتحديث صورته على تويتر بصورة رجل حازم يرتدي زي طيار. وبعد اسبوعين أنهى حملته الانتخابية وهو يصلي المغرب والعشاء في حاجية صوفيا العظيمة الذي حوله إلى مسجد قبل ثلاثة أعوام. وبالمقارنة فقد ظهر زعيم المعارضة كيلشدار من مطبخ بيته المتواضع في شريط فيديو وهو ينتقد زيادة أسعار البصل. فرد الإعلام الموالي لأردوغان “هذا عن الاستقلال وليس البصل”.

في عام 1992 فاز بيل كلينتون على ظهر شعار لاذع “إنه الاقتصاد أيها الغبي”، وفي تركيا فالأمر هو عن الحروب الثقافية والقومية الدينية. وفي الأسابيع المقبلة، فسيواصل الاقتصاد نزيفه، وبخاصة لو استمر أردوغان بفرض نظرياته الغريبة حول أسعار الفائدة على المصرف المركزي، وبرغم تراجع قيمة الليرة التركية. وليست هذه نتيجة مفروغ منها، فكما أظهر أردوغان في الماضي ميوله البراغماتية، لكن كل السياسات تعتمد، بعد كل هذا على ما يشعر به في فصل ويوم.

اليوم، ليست تركيا هي الدولة الوحيدة التي تحولت فيها الديمقراطية إلى طغيان الأغلبية، فهناك دولة أخرى وهي الهند حيث هدد ناريندرا مودي، وبخطاب مماثل عن التظلمات التاريخية الأقليات وبخاصة المسلمين والمسيحيين. و”أعتقد أن العلاج لهذا التحدي في القرن الحادي والعشرين هو الليبرالية السياسية: حكومة محددة، ضوابط ورقابة وحرية وعدالة للجميع. لكن الليبرالية تحتاج إلى دفاع جديد، سرد عظيم جديد لينافس السرديات الجذابة للشعبوبيين الحماسيين. ونحن بحاجة لكي نظهر مرة أخرى أن الليبرالية هي أحسن نظام، ليس من أجل الحصول على بصل قليل الكلفة ولكن الكرامة الإنسانية. فالسلطويون يعدون الكرامة لأتباعهم ولكنهم يدوسون بأقدامهم على كرامة الآخرين”.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]