لعب غلاء المعيشة وتدهور سعر صرف الليرة التركية والمخاوف من المستقبل دوراً رئيسياً في تراجع شعبية الرئيس رجب طيب أردوغان لدى الشباب في الانتخابات الرئاسية التي أجريت، الأحد الماضي، خاصة أصوات الشباب في العاصمة التجارية إسطنبول التي يبلغ عدد سكانها 20 مليوناً، من بينهم نحو 11 مليون ناخب.

وإسطنبول هي المدينة التي صنعت مجد أردوغان في بداية صعود نجمه في سماء السياسة التركية منذ أن كان رئيساً لبلديتها، ثم رئيسا للوزراء. وكان هناك أمل كبير أن تمنحه التفوق على منافسه المعارض كمال كلجدار أوغلو.

وبعد فرز الأصوات حصل أردوغان على 49.51% من الأصوات، بينما حصل منافسه كمال كلجدار أوغلو على 44.88%، وفق إعلان اللجنة العليا للانتخابات، أمس، ليذهبا إلى جولة إعادة في 28 مايو/أيار الجاري.

وقال ناخبون في تركيا لوسائل إعلام محلية، إن تفاقم أزمة المعيشة واستجابة الحكومة للزلازل التي ضربت جنوب البلاد في فبراير/ شباط الجاري وأودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص هي التي دفعتهم إلى صناديق الاقتراع.

وحسب بيانات الحكومة، فإن الزلازل ستكلف تركيا نحو 103.6 مليارات دولار أو ما يعادل نحو 12.5% من إجمالي حجم الاقتصاد التركي الذي يقدره البنك الدولي بنحو 906 مليارات دولار. وقال العديد من الناخبين من الشباب، إنهم أداروا ظهورهم لحزب العدالة والتنمية وصوتوا لصالح المعارضة التركية على خلفية تردي الوضع المعيشي.

نمو اقتصادي 

وعلى الرغم من المشاكل الخطيرة التي واجهت تركيا خلال العامين الماضيين، فقد تمكنت الحكومة من الحفاظ على النمو الاقتصادي عبر المشاريع الضخمة وأسعار الفائدة المنخفضة والقروض المصرفية المملوكة للدولة وقنوات التمويلات الخارجية التي حصلت عليها من دول الخليج بعد تطبيع علاقاتها مع السعودية والإمارات، كما نشطت تركيا في توقيع اتفاقات التبادل التجاري والمقايضة مع العديد من الدول في خطوة تتجه لتقليل اعتمادها المستقبلي على الدولار في التسويات التجارية.

ولكن رغم ذلك، فإن الشكوك تساور العديد من الأسر التركية والمستثمرين حول مستقبل الاقتصاد التركي مع زيادة التضخم وتراجع قيمة العملة، بدليل أن المواطنين لا يزالون يهربون من الليرة إلى الدولار.

وحسب بيانات معهد الشرق الأوسط للسياسات، وهو مركز تركي للدراسات، فإن من إجمالي الودائع المصرفية في تركيا، يتم الاحتفاظ بنسبة 40.4% في حسابات العملات الأجنبية والذهب، بينما توجد 19.3% أخرى في حسابات مضمونة من الدولة، وذلك لحرص المواطنين على مدخراتهم من انخفاض قيمة العملة المحلية وبالتالي تآكل قيمتها الحقيقية. كما يتم تسعير معظم التجارة بالعملة الصعبة، بما في ذلك الصفقات الحكومية التي تستخدم شروط الدولار أو اليورو في مناقصاتها.

إسطنبول هي المدينة التي صنعت مجد أردوغان في بداية صعود نجمه في سماء السياسة التركية منذ أن كان رئيساً لبلديتها، ثم رئيسا للوزراء

وحسب المعهد، بلغ عجز التجارة الخارجية لتركيا مدة 12 شهراً 120.4 مليار دولار، وهو رقم قياسي. ولذلك فإن الطلب على الدولار واليورو كبير جداً، بسبب تقييم معظم الأصول بالعملات الأجنبية. ولا يزال معدل التضخم الرسمي مرتفعاً ويبلغ حالياً 43.68%، حسب بيانات البنك المركزي التركي. كما تبلغ نسبة البطالة 10% ولكنها تصل إلى أكثر من ذلك في فئات الشباب. وهو ما أدى إلى تصويت غالبية الشباب في إسطنبول ضد أردوغان الأحد.

ويلاحظ أن الليرة التركية لم تتأثر كثيراً بالانتخابات وحدثت عليها مضاربات ضعيفة خلال يوم الانتخابات وصباح أمس الإثنين، خاصة بعد أن أظهرت النتائج الأولية احتمال فوز أردوغان. ويرى محللون أن سياسات البنك المركزي التركي ربما ستركز على النمو الاقتصادي أكثر من تركيزها على تشديد السياسة النقدية لصالح دعم سعر الليرة.

ويتوقع العديد من خبراء المال أن فوز أردوغان سيعني للمضاربين في سوق الصرف المزيد من تراجع العملة الليرة. وبالتالي يميل المستثمرون في الاقتصاد التركي إلى الاحتفاظ بأصول مقومة بالعملات الأجنبية أو محمية بالعملات الأجنبية، أو الاحتفاظ بحسابات بنكية أو أصول في الخارج. وتبلغ احتياطات البنك المركزي التركي من العملات الأجنبية والذهب نحو 114.9 مليار دولار حتى بداية مايو/أيار.

احتياطات ليست متاحة 

وحسب معهد الشرق الأوسط، فإن هذه الاحتياطات ليست متاحة بالكامل للتدخل في سوق الصرف. كما يقدر صافي الاحتياطيات باستثناء المطلوبات الخارجية والاقتراض عبر اتفاقيات التبادل وحسابات العملات الأجنبية للحكومة المركزية، بنحو 67.2 مليار دولار حتى الأسبوع المنتهي في 28 إبريل/ نيسان الماضي.

ولاحظ محللون أن البنك المركزي التركي بدأ في بيع جزء من ممتلكاته من الذهب بشكل غير مباشر إلى متاجر المجوهرات التقليدية ومكاتب الصرافة، ولكن هناك علامات استفهام كبيرة حول الاستقرار المالي والنشاط الاقتصادي.

من جانبه، استغل المرشح الرئيسي المنافس كمال كلجدار أوغلو هذه الثغرات المالية في كسب أصوات الناخبين، ووعد بزيادة معدل النمو الاقتصادي إلى 5% على الأقل على مدى الخمس سنوات المقبلة ومضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 18 ألف دولار وخلق ما لا يقل عن 5 ملايين وظيفة جديدة، والحد بشكل كبير من معدل البطالة البالغ حالياً 10%.

كما وعد كذلك بخفض العجز إلى أقل من 10% في غضون عامين وتحرير البنك المركزي من قبضة أردوغان وتفعيل دوره في ضمان استقرار الأسعار، بالإضافة إلى جعل أسعار الفائدة تتماشى مع واقع السوق. وهذه الأهداف تبدو جذابة على الرغم من أنها تبدو غير واقعية وسط العقبات التي يعيشها الاقتصاد التركي في الوقت الراهن.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]