"الأنابيب التي تُوصل المياه إلى قواعد الجيش تمرّ من تحت خيامنا، بينما نحن ممنوع علينا أن نملأ منها ولو كأسًا واحدة حتى. [...] مشكلتنا الأكبر هي المياه. نحافظ على كل قطرة ونوفرها من أجل أغنامنا التي لا تستطيع العيش ولو دقيقة واحدة من دون ماء. إن لم نغسل ملابسنا ولم نستحم ولم نغسل الأواني فسنُصاب بالأمراض جرّاء الحشرات والقوارض".

يوسف بشارات، من سكان خلة مكحول في غور الأردن

يبلغ متوسط الاستهلاك اليومي من المياه للفرد الإسرائيلي، على جانبيّ الخط الأخضر، 247 لترًا، بينما يعادل متوسط الاستهلاك للفلسطينيين سكان الضفة الغربية ثُلث هذه النسبة فقط: حوالي 82 ليترًا للفرد في اليوم؛ 36% من سكان الضفة يحصلون على المياه يوميًا طوال أشهر السنة، وحوالي 70 تجمُّعًا فلسطينيًا في أنحاء الضفة، يسكن فيها أكثر من مئة ألف إنسان، غير موصولة مطلقًا بشبكات المياه ومستوى استهلاك المياه فيها مماثل لمستواه في المناطق المنكوبة – أي حوالي 26 ليترًا للفرد في اليوم (الحد الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية هو 100 ليتر للفرد في اليوم الواحد). إجمالي الكمية الإجمالية التي يستهلكها الإسرائيليون من المياه تعادل عشرة أضعاف الكمية الإجمالية التي يستهلكها الفلسطينيون في الضفة الغربية، رغم أن عدد السكان في إسرائيل هو أكبر بثلاثة أضعاف فقط.

تدل هذه المعطيات على ضائقة مياه حادة لدى الفلسطينيين سكان الضفة الغربية. يوضح تقرير بتسيلم الجديد أن هذه الضائقة ليست قضاءً مقدّرًا أو ظاهرة طبيعية، كما أنها ليست جزءًا من أزمة مياه إقليمية لا يمكن منعها. هذه الضائقة هي نتاج لسياسة إسرائيلية تمييزية، عن وعي ومعرفة، تخلق لدى الفلسطينيين سكان الضفة الغربية أزمة مياه دائمة، مصطنعة ومقصودة.

تبرّر إسرائيل سياستها هذه بادعاء أنها تتصرف وفقاً للتلخيصات التي تم التوصل إليها في إطار الاتفاقية المرحلية التي تم التوقيع عليها بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في العام 1995. فقد كرّست تلك الاتفاقية السيطرة الإسرائيلية على مصادر المياه، رسخت التوزيع التمييزي لمصادر المياه المشتركة بين إسرائيل والفلسطينيين وحافظت على المبدأ الذي كان يجري توزيع المياه بموجبه قبل التوقيع على الاتفاقية: الإسرائيليون يستهلكون مياهًا بحسب الطلب والفلسطينيون بحسب حصة محدودة تم تحديدها لهم مسبقًا.

خلافًا لادعاء إسرائيل، لا يمكن اليوم اعتبار هذه الاتفاقية ملائمة وذات صلة بالواقع: فمنذ توقيعها، ازداد عدد السكان الفلسطينيين بحوالي 75% وأصبحت الكميات التي حُددت لهم فيها بعيدة عن أن تعكس احتياجاتهم. لكن، بالأساس، لم تتوقع هذه الاتفاقية تحوُّل إسرائيل إلى قوة مائية عظمى – تحلية المياه، تكرير مياه الصرف الصحي وغيرها – والتي لم تعد إسرائيل، نتيجةً لها، مرتهنة إلى مصادر المياه الطبيعية. في ظروف كهذه، كان من المنطقي تَوقّع أن تسمح إسرائيل للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية بضخ كميات أكبر بكثير من تلك التي حُددت لهم في الاتفاقية. لكن هذا لم يحصل.

منذ العام 1967، حين استولت على جميع مصادر المياه الموجودة بين البحر والنهر، تتصرف إسرائيل وكأنّ هذه المصادر هي مُلك لها وحدها وتعتبر نفسها الجهة الوحيدة والحصرية المخولة صلاحية اتخاذ قرارات بشأن استخدام هذه المصادر. وقد عمِدت إلى بناء وتطوير نظامها المائيّ انطلاقًا من رؤية تعتبر إسرائيل والضفة الغربية منطقة جغرافية واحدة. لكن في داخل مناطق الضفة ذاتها، المواطنون الإسرائيليون فقط هم الذين يتمتعون بمخصصات المياه وفقًا لمؤشرات استهلاكها في داخل إسرائيل.

نظام الأبارتهايد القائم بين البحر والنهر، والذي يعمل على تعزيز وترسيخ التفوق اليهودي في كامل المنطقة الخاضعة لسيطرته، يخلق بصورة متعمّدة فجوات هائلة في استهلاك المياه، بين أولئك الذين يتمتعون بالقوة المائية العظمى المصنفة في عِداد العالَم الأول، وبين الذين يعانون من ضائقة مياه مزمنة – وجميعهم من الرعايا الفلسطينيين. هذه سياسة وحشية تتمثل في استغلال مورد أساسي من أجل تحقيق غايات سياسية، حرب منهجية تسبب الضرر لمصادر المياه الخاصة بالتجمعات الفلسطينية الأكثر ضعفًا، في المناطق الصحراوية الأكثر حرارة في الضفة الغربية، وفي أيام الصيف القائظة، فقط بغية سلبهم ممتلكاتهم القليلة وأرضهم.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]