حاور موقع بكرا الأستاذ هانس شقور، ريادي اعمال تكنولوجي واجتماعي، ومستشار حداثة وتطوير اقتصادي، حول الحدث الأهم عالميًا على مستوى الهايتك والاقتصاد وسوق المال - خلال اقل من 48 ساعة، انهيار SVB - من اهم البنوك الامريكية، والمؤثر بشكل كبير على شركات التكنولوجيا الكبيرة والناشئة، ويتوقع اقتصاديون ان تكون نتائج هذا الانهيار كارثية! 

حدثنا عن قضية انهيار SVB وتأثيرها على شركات التكنولوجيا الكبيرة والناشئة، وهل ستكون النتائج  كارثية!

في غضون يوم واحد، دخل مصرف Silicon Valley Bank (SVB) الأمريكي التاريخ، وذلك بانهياره المفاجئ، مما اشعل الهلع في الاسواق العالمية، كما لدى شركات التكنولوجيا المتقدمة وجمهور المستثمرين، واعاد الى الاذهان كارثة Lehman Brothers في عام 2008.

بداية، مهم ان نذكر ان SVB هو احد اهم المصارف الأمريكية المتخصصة في تقديم خدمات مصرفية لقطاع التكنولوجيا المتقدمة العالمي، بدءاً من إدارة حسابات مصرفية، توفير القروض المتخصصة لشركات التكنولوجيا المتقدمة، وانتهاءً بخدمات الاستثمار المصرفية، وحوالي 44٪ من الشركات الناشئة (Startup Companies) في الولايات المتحدة تملك حسابات وودائع في هذا المصرف، ومنها ايضاً عدد من شركات التكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلية أيضًا.

انهيار مصرف SVB ليس بحدث عادي، فهو يدير حسابات لعدد كبير من شركات التكنولوجيا المتقدمة الكبيرة والنامية من الشركات الناشئة، ولفهم حجم الكارثة، الارقام تتحدث عن ودائع تتراوح بين 165 و 200 مليار دولار في مصرف SVB، ما يعادل أكثر من نصف عام من حجم سوق رأس المال الاستثماري العالمي بأكمله!

ما هي اسباب انهيار مصرف SVB

على الرغم من أن الحدث لا يزال غير واضح تمامًا، ما نعرفه عموماً حتى هذه اللحظة هو ان مصرف SVB انهار بعد تراكم الخسائر من ارتفاع أسعار الفائدة على سندات الدين الحكومية التي اشتراها وبعد أن تضاءل حجم ودائع غالبية زبائن SVB وهم من شركات التكنولوجيا المتقدمة - خاصة بعد تضاءل حجم الاستثمارات التي تم تجنيدها في السنة الاخيرة، وفشل المصرف في اطلاق خطة اشفاء من خلال طرح أسهم بمبلغ 2.25 مليار دولار، مما ادى في الايام الاخيرة الى ازمة سيولة لدى مصرف SVB، وفشل في توفير النقد المطلوب لزبائنه.

وكان المصرف قد اعلن بالامس في بيان خاص للبورصة، أنه يحاول تجنيد الأموال لزيادة رأس ماله، وقد ادى هذا البيان الى انهيار سهم المصرف بنسبة 60٪ خلال يوم واحد، مما ادى الى الهلع عند الزبائن والتهافت لسحب أموالهم بسرعة قبل فوات الأوان، الامر اذي ادى الى انهيار آخر لاسهم المصرف بنسبة 40٪ أخرى، الامر الذي ادى بالبورصة الى ايقاف التداول، وفي الساعات الاخيرة الى اعلان الحكومة الامريكية الفيدرالية عن إنهاء نشاط المصرف و "تأميمه" - ما يعني أنه من غير الممكن حاليًا إيداع الأموال أو سحبها، اي ان الشركات التي تملك الكثير من الأموال المودعة في SVB لا يمكنها الوصول إلى هذه الاموال او التصرف بها.

المشكلة الاكبر تكمن في ارتفاع أسعار الفائدة عالميا وانخفاض أسعار سندات الدين

لفهم الحدث ومدى ارتباطه بالأزمة الاقتصادية العالمية التي تعصف بقطاع التكنولوجيا المتقدمة ايضاً، مهم ان نوضّح انه عندما تقوم شركة بتجنيد الأموال من المستثمرين، فإن الأموال تنتقل فعليًا من الحساب المصرفي للمستثمرين الشركاء إلى الحساب المصرفي للشركات، وفي سنوات الكورونا، شهد قطاع التكنولوجيا المتقدمة نمواً وازدهاراً وقامت شركات التكنولوجيا المتقدمة، والشركات الناشئة، بتجنيد مليارات الدولارات، والتي تم إيداع جزء كبير منها في SVB، والذي قام بدوره بإيداع جزء كبير من الأموال في سندات دين حكومية امريكية لمدة 10 سنوات بمتوسط ​​سعر فائدة 1.7٪ سنويًا، اذ ان المصرف لم يكن بحاجة إلى كل هذه المبالغ لعملياته الجارية، ما يعني أن الأموال مضمونة وتحمل فائدة، وهذه خطوة بحد ذاتها مشروعة للغاية في حينه، ولكن في السنة الاخيرة تراجعت عملية تجنيد الاستثمار بشكل كبير وتضاءل تدفق الاموال الجديدة عامةً، وتحديداً الى مصرف SVB، بينما واصلت الشركات في ذات الوقت عملياتها وصرف الأموال، الامر الذي ادى الى تضاءل حجم الأموال المتوفرة لدى المصرف وازمة السيولة.

صحيح ان الكثير من الاموال تم استثماره في سندات دين، ولكن هذه الأموال ستتوفر فقط بعد 10 سنوات ما لم يتم بيع سندات الدين، ولكن المشكلة الاكبر تكمن في ارتفاع أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم بشكل كبير وبالتالي الى انخفاض أسعار سندات الدين. وكان مصرف SVB قد قام ببيع أكثر من 21 مليار دولار من السندات لدعم ميزانيته ولكنها تكبًد بذلك خسائر تزيد عن 2 مليار دولار بسبب انخفاض اسعار سندات الدين، مما اضرّ برأس مال المصرف والسيولة، وكانت محاولة المصرف الاخيرة لتجنيد رأس مال اضافي من الجمهور، وهو ما حاول المصرف القيام به قبل يومين، بمثابة الشرارة التي اشعلت الهلع والفوضى مما ادى الى الانهيار.

ورغم ان بعض الغموض ما زال يحيط الحدث، من غير الواضح حالياً ما ستفرزه الايام القريبة، خاصة وان التقارير تشير الى ان أقل من 3٪ من الحسابات المصرفية في SVB مؤمنة، كما اننا ندخل اسبوع دفع الرواتب في الولايات المتحدة وهناك قلق من عدم تمكن الموظفين من تلقي رواتبهم مما سيزيد الطين بلة.

ما هي السيناريوهات المستقبلية المحتملة والمتوقعة؟

بالمقابل، تتحدث المحافل الاقتصادية العالمية عن ثلاثة سيناريوهات محتملة:
١. لمصرف SVB ممتلكات تفوق الالتزامات: هذا يعني ان المشكلة هي في السيولة فقط، وسيتم ايجاد السبل لجعل الممتلكات "سائلة" وسيكون بامكان الزبائن الوصول الى ودائعهم.
٢. الاستحواذ على مصرف SVB من قبل أحد أكبر المصارف في الولايات المتحدة او عملية انقاذ للمصرف من قبل الحكومة الأمريكية
٣. في حال عدم وجود ممتلكات كافية لدى مصرف SVB، لا يمكننا حتى ان نتخيّل حجم الكارثة والاضرار!

كيف يؤثر كل هذا علينا في البلاد؟
اولاً، عدد من شركات التكنولوجيا المتقدمة والشركات الناشئة الاسرائيلية تمتلك حسابات في مصرف SVB ومن غير الواضح اذا كان من الممكن استرداد الاموال المودعة هناك في الفترة القريبة، ولربما سيكون ذلك مستحيلاً.
ثانياً، حقيقة أن هناك مصرفاً في الولايات المتحدة قد انهار لا يعني أن مستوى المخاطرة في إسرائيل قد انخفض، فمعظم الشركات الإسرائيلية تمتلك حسابات مصرفية في الولايات المتحدة، وبعضها انشغل مؤخراً بفتح حسابات في مصارف أمريكية، ومن غير الواضح ما سيحمله المستقبل القريب لنا على اثر انهيار مصرف SVB، خاصة وان الاقتصاد الاسرائيلي، وخاصة اقتصاد قطاع التكنولوجيا المتقدمة والحداثة، يتأثر بشكل كبير بالمجريات الاقتصادية العالمية، وتحديداً في الولايات المتحدة.
ثالثاً، عندما يفقد المستثمرون الثقة، فإنهم يتفاعلون بسرعة، وحقيقة ان الانهيار حدث خلال اقل من يومين مع أحد أكثر المصارف اعتباراً في الولايات المتحدة، مثير للقلق وقد يحمل اسقاطات كبيرة على الشركات في البلاد.

الخلاصة،

حتى لو كنا امام سيناريو وردي فيه يتمكن الجميع في نهاية الازمة من استرداد ودائعهم وأموالهم، فإن انهيار مصرف SVB يضع الالاف من رواد الأعمال حول العالم، وفي البلاد ايضاً، في دائرة من عدم اليقين على ادنى حد، حيث سيدفع عدد منهم ثمن الانهيار، اما الذين لم يتأثروا مباشرة، فيتعين عليهم الاستعداد للمزيد من الاسقاطات الاقتصادية، وإعادة التخطيط لتمويل شركاتهم، وذلك لخفض مستويات المخاطرة، مثلاً من خلال توزيع حساباتهم في مصارف أخرى. اما على المستوى الاقتصادي عالمياً ومحلياً، فمن الواضح حالياً ان انهيار مصرف SVB قد يحمل في مجرياته اسقاطات اكبر على الصعيد الاقتصادي والاستثماري والمالي، وقد تكون حجم الكارثة اكبر مما ممكن تخيله.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]