النقاش حول مُستقبل "القائمة المُشتركة" وُلد مع ولادتها. اتسع وتكُثّف في بعض المنعطفات لا سيما خلال أشهر أزمة
التناوب على عضويتها أو أيام أخطائها أو أخطاء أحد أعضائها. تفرّع النقاش إلى أدائها ككتلة كبيرة في الكنيست وكجسم
تمثيلي للمجتمع العربي الفلسطيني. ويعود النقاش الآن مع التحضيرات للانتخابات القريبة. ويشتدّ مع طلب النائب أحمد
الطيبي إلى سكرتارية الكنيست تسمية حركته كتلة برلمانية مستقلّة. فما أن فعل حتى اتخذ ال سّ جال منعطفا غير مستحبّ
قوامه "شيطنة" الطيبي حدّ "تخوينه" من البعض وهم أنفسهم ونحن ضحية فعل مشابه من السلطة ورموز اليمين الفاشي.
وحتى لا تضيع الطاسة ويشط البعض وينطّ أبعد مما ينبغي رأيت أن أسهم بقراءة جافة للوقائع. أن أحاول رؤية الأمور كما
هي في الواقع لا في الأمنيات ولا في حُكم الرأي الشخصي والرغبة والعقيدة ولا في حسابات الربح والخسارة لهذا الحزب
وتلك الحركة. أفعل ذلك لأننا غالبا ما نفكّر في السياسة بقلوبنا و نُجري الحسابات السياسية بعواطفنا وعقائدنا وعُقدنا. وكثيرا
كثيرا ما نُخطئ "قواعد" اللعبة السياسية. أكتب ببرود يتطلّبه فعل التفكير الاستراتيجي التحليلي.

بدايةً، لا أقترح على أحد ممن أيّد تشكيل "المشتركة" أو قدّسها أو من يمثّلها ويقودها أن ينفلت في شتم الطيبي أو شيطنته.
أولا لأن فعل الشتم والشيطنة لا يتناسب مع الحاجة إلى لُغة سياسية نظيفة أو أقلّ عُنفا. لا حاجة لتنفير الناس وتهجيج
الناخبين. وتذكّروا كيف تفعل القوى اليمينية هذا بكم! ثانيا قد يظلّ الطيبي وحركته في "المُشتركة" بعد المفاوضات فكيف
ستفسّرون ذلك؟ الطيبي لاعب شرعي في الساحة السياسية وإلا لما كان في "المُشتركة" ويبقى كذلك وهو خارجها. وثالثا
لأن الأمر إذا تواصلَ يكشف ازدواجية الشتّامين الذين قبلوه طالما كان في "المشتركة" وخوّ نوه عند خروجه!
إن خروج الطيبي من "المُشتركة" حتى هذه اللحظة هو خروج تقني تجسّد فقط في طلب رسمي لسكرتارية الكنيست
الاعتراف به كتلة مستقلّة. وهناك شهر ونصف الشهر للتفاوض. إنه خروج تقني يقوّي أوراق التفاوض في يده. فحتى لو
نجح التفاوض في إبقائه سيكون على "إدارة" المُشتركة أن تعامل باحترام مع مطلبه زيادة تمثيله وحركته في القائمة. بمعنى
إن احتمال بقائه في "المشتركة" هو كاحتمال تركها. من هنا أقترح على المتساجلين أن يروقوا.

إن مطلب الطيبي توسيع تمثيل حركته يتماشى مع مطلب تمثيل أقصى حدّ من قطاعات مجتمعنا في "القائمة المشتركة".
مطلب يأتي من تحفّظ أوساط واسعة من احتكار الحركات السياسية للتمثيل البرلماني. ماذا مع 40 % من المواطنين الذين
لا يقترعون؟ ماذا مع حوالي 10 % يقترعون لقوائم غير عربية؟ لماذا ينبغي تسمية القائمة في أروقة حركات وكواليس
أحزاب لها اعتبارات قد تتصل أو لا تتصل ولو بشعرة مع إرادة شعب ومصيره ومع 50 % منه! والطيبي يطلب الاحتكام
إلى الاستطلاعات المهنية كاستراتيجية عمل مُعتمدة في الحسم الدمقراطي! من هنا، ليس من السياسة الرشيدة احتكار
الحركات السياسية لتمثيل العرب في البلاد برلمانيا، خاصةً وإن كل هذه الحركات مأزومة في عقائدها وقد اعتراها الوهنُ
والتراجع. وقد جاء تشكيل "القائمة المشتركة" قبل أربع سنوات ل يُنقذها و يُرمّم حضورها. بمعنى ما المجتمع حفظ "القائمة
المشتركة" وحضنها أكثر مما حفظته هي. ولذلك، علي كل مركّ باتها أن تنتبه إلى إرادات الناس وتشكيلاتها الاجتماعية وأن
تراعي ذلك وتُصغي للأصوات المتعددة. والوطني أوسع من الحزبي والحركي والمجتمع أكبر وأكثر تركيبا من أي حزب
أو من كل الأحزاب مُجتمعة ومن "القائمة المشتركة".
لنعترف أن أداء "المشتركة" لم يكن بحجم التوقّعات بل اعتراه ضعف وجمود خاصة أيام أزمة التناوب التي استمرت قرابة
سنة. وهناك عدم رضا شعبي عام إلى جانب التأييد للقائمة ومركباتها. بل انزلق النقاش أحيانا من أداء "المشتركة" إلى
مجرّد وجودها وخرجت أصوات تُعلن بوجوب تعديل الاصطفاف الانتخابي وتفكيك "المُشتركة". وهو أمر يشتغل لصالح
الطيبي ومطلبه توسيع التمثيل أو تطويره. وأقترح ألا يُراهن أحد على عواطف الناس وخجلها الوطني هذه الناس لا تمنح
شكوكا مفتوحة لأحد ولا ل"لقائمة المشتركة".
أقترح عدم الاستخفاف أبدًا بقوة قائمة يترأسها الطيبي تنضمّ إليها قوى أخرى )رؤساء سلطات محلية وأوساط شعبية وقوى
غير راضية عن تعامل أحزابها معها ولا عن أداء "المشتركة"، وأوساط الطبقة الوسطى وقطاعات لا تشارك في الانتخابات(
تعتقد أن لها الحق في التمثيل وليس للأحزاب فقط. الطيبي رغم كل ما يُقال عنه من المواقع الحزبية أو العامة يظلّ نجما
وطنيا بالنسبة للكثير من الناس ويُمثّلها أفضل تمثيل. وأعتقد أن نتائج الاستطلاعات التي يلوّح بها بخصوص قوته قريبة من
الحقيقة إذ لم تكن حقيقية.
__
*متخصص بالاستشارة الاستراتيجية والتفكير الاستراتيجي.
ينبغي ألا ننسى إن السياسة العربية في البلاد متأثّرة من موجات عالمية مثل النفور من المؤسسات الحزبية القديمة
والأيديولوجيا الجامدة وإن أهلنا كباقي أهل الأرض قد ينجذبون لشخصيات جديدة مع كاريزما ودم جديد وإن فيهم قوى
جديدة تطمح هي، أيضا، إلى المشاركة السياسية وإلى "المجد". وهي عوامل تشتغل لصالح الطيبي لا ضده خاصة إذا ضمّ
لحركته قوى كهذه تحمل مثل هذه ال صفات.
مهم، ما دام الجميع يحجّ ون إلى الكنيست، أن يتمّ فحص جدوى خوض الانتخابات في قائمتين تمثّلان العرب. فإذا اتضح
مثلا أنهما تزيدان التمثيل بمقعدين أو ثلاثة فهذا مُعطى استراتيجي ينبغي التفكير فيه كأفضلية أولى. بمعنى، هناك ضرورة
للانفتاح على "خيار القائمتين" كجزء من منع تسرّب أصوات عربية لأحزاب صهيونية وصهيونية يمينية أنظر إلى أبو
القيعان كفرد يُمثّل حالة وإلى الانضمام العلني لعرب إلى أحزاب صهيونية.
في حال قرّر الطيبي أن يترأس قائمة منفردة عليه هو نفسه أن يطبّق ما يشكو منه في "المشتركة"، أن يفتح قائمته لتمثيل
أوسع قوى اجتماعية وأوسع قاعدة ناخبين بهدف استثمار أقصى حدّ من القوة الانتخابية للمواطنين العرب. وإلا فإنه سيقع
في مطبّ "المُشتركة" نفسها. من هنا فإن "المُشتركة" مُطالبة بتصحيح المسار وكذلك الطيبي نفسه وكل الفاعلين في السياسة
العربية المحلية. التحديات متبادلة وأهمها الانطلاق من فرضية عمل قائلة بقبول الجميع لمبدأ التعددية. وكل لُغة غير
مدنية تنهل من السياسة والعقائد السابقة ستضرّ في نهاية المطاف باحتمالات أن يُسهم المواطنون العرب على مشاربهم
في صدّ اليمين وفاشيته.__

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]