كتب: هاني حبيب
عادة ما تشهد الساحة الحزبية في إسرائيل، المزيد من إنشاء أحزاب جديدة، وتكتلات وانشقاقات بين مختلف الأحزاب، في كل مرّة تبدأ فيها الحملة الانتخابية للبرلمان (الكنيست)، لكن هذه المرة، شهدت هذه الساحة المزيد من قيام أحزاب جديدة خلال ايام قليلة، والمزيد من الانشقاقات، التي من المفترض أن تتضاعف خلال الخمسين يوماً القادمة، وهي الفترة التي يسمح بها القانون لإصدار تصاريح لأحزاب وتكتلات حزبية جديدة، لكن ما يميز كل هذا الحراك الحزبي المحموم، أن معظم قادة هذه الأحزاب هم من العسكريين والأمنيين السابقين، خاصة رؤساء أركان ووزراء حرب سابقين، هذه الأحزاب لا تقوم على أي أساس أيديولوجي بالدرجة الأولى، شخصية القائد المؤسس تلعب الدور الأساسي في بنية هذا الحزب، ومن هنا، فإن الخاصية الأخرى التي تميز هذه الأحزاب، أنها بلا لون سياسي واضح في الغالب، ومن الصعب وضعها في سياق قوى اليسار أو قوى اليمين، وربما هذه الخاصية لا تشكل عيباً بالنسبة لهذه الأحزاب، ذلك أن عدم وضوح هويتها، يمنحها مرونة أكبر في عقد التحالفات والتشابكات مع قوى وأحزاب وتكتلات أخرى، إنها باختصار أحزاب انتخابية، من السهل إقامتها، كما هو من السهل اندثارها وتفككها، وهي حالة إسرائيلية فريدة متعارف عليها باعتبارها تراثاً انتخابياً معمولاً به، وسلوكاً عادياً لا يقبل النقد والاعتراض.

خاصية أخرى لا تقل أهمية، بل ربما هي الأهم التي تميز هذه الانتخابات، أن كافة التشكيلات الحزبية، القديمة والجديدة والمحتملة تدور حول مسألة واحدة: مع نتنياهو أو ضد نتنياهو، رئيس الحكومة هو جوهر كل هذا الحراك الحزبي في المشهد الانتخابي الحالي، وهنا يمكن القول، وخلافاً لاستطلاعات الرأي التي أجمعت تقريباً أولاً على فوز حزب الليكود بحوالى 31 مقعداً، وأن نتنياهو بات من المؤكد أنه سيشكل الحكومة الجديدة، في هذه الخريطة الحزبية الملتبسة، فإن صحّت هذه الاستطلاعات حول حزب الليكود، فإنها قد لا تصح حول تأكيد تشكيل الحكومة الجديدة من قبل نتنياهو، ذلك أن حروب هذه الأحزاب والتشكيلات، هي أقل مع الليكود، وأكثر مع شخصية نتنياهو، وقد يكون من السهل على هذه التكتلات تشكيل ائتلاف مع الليكود، ولكن دون نتنياهو، قد يكون هذا الاستنتاج متسرعاً على ضوء نتائج استطلاعات الرأي، لكنه أقرب إلى الصحة في حال قراءة الخريطة الحزبية بشكل أكثر تدقيقاً، خاصة أن هذه الأحزاب ستتخذ من جملة التحقيقات مع نتنياهو مبرراً لهذا التوجه.

لكن ما قد يضعف من مدى صحة هذا الاستنتاج، يتلخص في البحث عن بديل عن نتنياهو الذي نجح خلال فترات رئاسته للحكومة والليكود، في تحطيم كل النجوم المحتملين لخلافته ليس فقط داخل حزبه، ولكن أيضاً لدى أوساط الأحزاب اليمينية الأخرى، من خلال طريقته النموذجية في الاستفادة من ابتزاز هذه الأحزاب وقادتها، يكشف عجزها وفشلها وتلونها وفقدان شخصيتها القيادية اللازمة لرئاسة أية حكومة إسرائيلية، ما يمكن معه القول إن هناك تسليماً لدى مختلف القوى والأحزاب، رغم رغبتها في احتلال موقع نتنياهو بعد إزالته، ورغم حالة «السأم» من قيادته الطويلة للحكومات الأخيرة، وستكون الدولة العبرية مضطرة بصعوبة كبيرة لإيجاد بديل عنه، إذا ما توافقت مختلف الأحزاب على إزاحته، أو في حال تقديم لائحة اتهام ضده وإجباره عبر قرار المحكمة العليا على عدم ترشيح نفسه.

هذه قراءة، قد تكون مبكرة، ولكنها محاولة لفهم المشهد الحزبي الإسرائيلي قبيل عقد هذه الانتخابات، خاصة وأن الساحة الإسرائيلية متخمة بالحراك الدراماتيكي السريع والمفاجئ، فهناك أقل من شهرين لاستمرار هذا الحراك الذي لا يمكن توقع تداعياته وتأثيراته على النتائج المرتقبة على ضوء حركة التنقلات والتحالفات التي من شأنها أن تحدث تغييراً هاماً على المشهد الحالي.
لكن بات من المؤكد، أن هناك في هذا المشهد الحالي والمتوقع «يميناً» جديداً في إسرائيل، بنفس الوقت الذي بات هناك «يسار» جديد، هذا الجديد يناقض الاسم والمعنى، ذلك أن اليمين لم يعد يميناً واليسار كذلك، مع غياب الأيديولوجيا والهوية، والخضوع لابتزاز الحراك الانتخابي!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]