في جنازات النساء المغدورات أتمالك نفسي عادة، لعلي أستطيع مساندة الأمهات والأخوات من ذوي الضحية، انتحب لنفسي في سيارتي وفِي غرفتي حيث اسمح لنفسي بالانهيار وحيده وأغرق بدموعي لأعاود الوقوف من جديد بعد حين وأواصل .
لكني اليوم في بيت شادية مصراطي جلست بين بحر من النساء الباكيات بصمت، وجوه تائهة ومحطمة بهدوء مخيف. فجأة دخل طفلا صارخاً وشق كسيف حاد هذا السكون. صراخه الباكي يصل للعظم ويقشعر الابدان و يهز الكيان .

ليش ، ليش قتلوها؟؟ مين حط برأسها فرد وطخها؟

تخطى هذا الطفل عشرات النساء ليقف أمام جدته بقلب الحجرة، المكتظة ويسألها ودموعه تخنق حنجرته:
ليش ، ليش قتلوها ، بدي اعرف شو عملتلهن طخوها برأسها، امي هاي عارفين شو يعني امي، ليش تموت ليش؟ حدا يجاوبني اسا ! كلهم كلاب كلهم ولاد كلاب ، مين حط برأسها فرد وطخها؟ كان رحموها وخلولنا هاي الام..
صرخ وصرخ وأجهش بالبكاء، وأبكانا جميعاً
ضرب نفسه وكل من اقترب اليه،،، ولَم يحتمل هرطقة النسوة اللواتي حاولن إسكاته ،، قالت إحداهن ستأتي امك الان وستودعها اخر مرة ويجب ان تقول انك مسامحها والله يرحمها .
فصرخ بها وأنفاسه تتقطع “بديش اسماحها, على ايش ؟ هي شو عملتلي، امي هاي امي حبيبتي، افهمو يا عالم، انا مش زعلان منها، زعلان عحالي عأختي اللي عمرها تلات سنين وإجا ابن الحرام طخ امها قدامها، بس بدّي اعرف ليش روحو قولو للبوليس يجيب اللي طخها ".

ثلاثة اطفال اضيفوا لقائمة الثكالى الطويلة

ركض شاكر نحو سطح المنزل وهدد الجميع اذا اقتربوا اليه سيقفز لموته.
صعد احد الشباب اليه واحتضنه بقوه وأنزله من هناك ..
لم احتمل وبكيت وبكيت وبكيت مع هذا الطفل الغاضب
بكيت فشلنا كمجتمع ان نحمي أطفالنا من اليتم العبثي والحزن الدامي والبؤس الأسود .
بكيت مستقبل ثلاثة اطفال اضيفوا لقائمة الثكالى الطويلة ، بكيت مع ان دموعي لا تشفي نفوس أطفالنا الغضه البريئة التي أصبحت بعد دفن هذه الأم سقيمة وساخطة، لا تثق بأحد ولا تعرف احد ونحلم ان نبني بها مستقبلنا المشرق...
حبيبي شاكر بالثانية عشر، وعدي اخوه بالحادية عشر، ولهم اخت لا اعرف اسمها تبلغ الثالثة فقط ، انتم ملائكة الله على الارض، اخجل أمامكم اليوم, ولا أملك من الشجاعة شيئا لأنظر الى اعينكم الباكية وأمسح بضع دموعكم الغالية ..
سامحونا أحبائي
سماح سلايمة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]