في كل لقاء وتأمّل عفوا تظهر صورة يارا.. الطّفلة المقتولة.. ومعها قضيّة الجرائم في العالم عموما وفي وسطنا العربي بوجه الخصوص وقتل الإناث بوجه أخص.. ومعها تظهر كلّ أم ثكلى ووالد شق قلبه الألم.. وعائلة استوطنت فيها آلام الكارثة..

قيمة الإنسان هي المفتاح لكلّ تصرّف، فإذا أكرمنا قيمته أكرمنا معاملته، عالمين أن الإنسان له قيمة سامية يستمدّها من الخالق عزّ وجلّ، الذي خلقه على صورته، ودعاه للقداسة وحياة الشّركة المجيدة معه على الأرض ومدى الأبد.

عندما يحيا الإنسان بمخافة الرّب، يستبيح الباطل ويُعلي شأن الصّالح، ينظر إلى الغاية من أفعاله ونتائجها، ويحيا كمن هو مؤتمن على ذاته وعلى الٱخرين، كوكيل صالح، فيفعّل مواهبه ليبني الإنسانيّة بأن يجعل ملكوت الله حيّا في عروقها، ملكوت محبّة صادقة وسلام عميق، ملكوت احترام لقيمة الٱخر وشأنه، به لكلّ فرد مكان ومكانة.

عندمّا يتجرّد الإنسان من القيم، يسود قانون الغاب، ويصبح الإنسان ذئب لأخيه، وترخص قيمة الحياة، وتكثر المظالم، ويستفحل الشّر، وينهدم أساس المجتمع، ويحزن روح الله، ويُقهر البريء والصّدّيق، ليئن انتظار الرجاء.. حلول يوم القضاء والقيامة.

في قلب أوجاعنا علينا بالتّصرّف، فإن كنّا عاقلين لا يمكن أن نبقى على هامش الحراك المطلوب، وإن كنا عاقلين فلا بدّ أن نتبنى أعمالا ومواقف على جدولنا اليومي، تصرخ خلاصا.. تزرع حضارة الإنسان الطّيب وحضارة الإيمان الجميل، تنشر روح الأخوّة الجامعة والإنتماء الأوسع من كلّ حدود العرق أو الدين أو الطائفة أو القومية أو الجنس أو الطبقة الإجتماعية والإقتصاديٌة.. فإمّا نكون معا أو لا نكون..

بوجه الشّرور موقفان، إما المواجهة وإمّا الانهزام، إما أن نجمع طاقاتنا وأفكارنا وخبراتنا لننقي الشّر من أصوله ونردع التّعدّيات بحسب الحق والعدالة، وإمّا أن نضع رؤوسنا كالنعام في الأرض.. ونحيا أنانيّتنا بصمت وتهرّب وشناعة، كأنّنا أبناء كوكب ٱخر لا علاقة له ولنا بهذه الأرض.. واختيارنا بين الإثنين يصنّف "نوعيّتنا" نوعيّة الإنسان الذي أبنيه فيّ والمجتمع الذي أختار أن أصبو إليه..

في الختام أقول ما قاله السيّد المسيح، "لا تخافوا" و "لا تخف أيها القطيع الصّغير"، والمسيح لا يكلّمنا كمستضعفين، بل كأشخاص يحمل لهم ثقة بأن يحيوا بسلام وشجاعة حيثما كانوا، في وسط الذّئاب وفي وسط الحملان، فالمسيح يريد لنا هويّة جديدة أصيلة، هويّة ترفع قيمة الإنسان لا على حساب قيمة الله وترفع قيمة الله لا لأجل اختلاس قيمة الإنسان.

المسيح جعلنا نفهم أن قيمة الإنسان تجد قوّتها ومنطقها وسموّها في الله عزّ وجلّ، الله الذي يبحث عن الإنسان ليخلّصه لا ليحطّمه، ليجلب له الفداء لا الوباء، الله الذي يريد خلاص الجميع، خلاص من الخطيئة التي تدمّرنا داخليا ومن التي تدمّر علاقاتنا بالٱخرين وبالبيئة وبالله تعالى. الله الذي يحبّك ويحبّني ويدعونا لنحفظ بعضنا البعض بالمحبّة. الله الذي يدعونا لنتمم مقصده الطّيّب من حياتنا، فنكرمه حين نكرم خلائقه ونعتني بهم..

فلنقم بفحص ضمير ولنفعّل أذهاننا بطرق البرّ، لننشد هدف وجودنا، أن نبني أنفسنا ونسهم ببناء العالم، بحسب محبّة الله الشاملة، المجانية، السخية، حتى نترك لنا إرثا في ملكوته السعيد وإرثا للأجيال الصّاعدة، عسى يتبارك اسم الرب في معاملاتنا ويتمجّد في أعمالنا ويُسبّٓح في نفوسنا، له العزة والحمد للأبد.

لكم في الرب،
الشّمّاس الإنجيلي المكرّس،
مجدي أسامة هاشول،
قرية الجش، الجليل الأعلى. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]