لا أحد يذكر دوراً لدولة قطر بما يخص الملف الفلسطيني قبل عام 2007، لا منذ أن انطلقت الثورة الفلسطينية المسلحة ولا من قبلها حين تأسست (م ت ف) وبالكاد كانت سياسة قطر تجاه فلسطين وقضيتها تندمج وتتوافق مع الموقف الخليجي العام، ولا أحد يذكر دوراً خاصاً لقطر لا في دعم السلطة الفلسطينية حين تأسست عام 1994، لا مالياً ولا سياسياً، إلى أن ظهرت حركة حماس كمنافس لحركة فتح، وبعد أن شقّت طريقها للمنافسة عبر الاحتكام للسلاح والقيام بانقلابها العسكري المشؤوم عام 2007، رغم أن حركة فتح ورئيس السلطة محمود عباس قاما بتكليفها رسميا بتشكيل الحكومة العاشرة، في خطوة ديمقراطية لا تليق إلا بالدول بالغة الشفافية وذات التراث العريق بالعمل الديمقراطي.
وقد تعزز وتكرس اهتمام قطر بحماس دون كل فصائل العمل الفلسطيني، أي دون «فتح» و»الجهاد» و»الشعبية» و»الديمقراطية»، وبغزة دون الوطن الفلسطيني، أي دون القدس والضفة الغربية، بعد العام 2011، حيث راهنت قطر على تحالفها مع جماعات الإخوان المسلمين في غير دولة عربية، لإحداث الانقلابات في الحكم، لتنفيذ أول مخطط دولي، أدارته واشنطن، وكانت لإسرائيل مصلحة فيه، هذا إن لم تكن لها أياد كثيرة فيه، وطمحت إلى أن تتحول الإمارة صغيرة المساحة ومحدودة السكان، إلى دولة إقليمية، مبررها في ذلك ما لديها من ثروة هبطت عليها من السماء فجأة، تستند إلى الغاز الطبيعي الذي يتم تصديره بالأنابيب، وربما لأنها رأت في غزة ميناء مناسباً لتصديره لاحقاً للمستهلك الأوروبي.
ورغم أن جامعة الدول العربية قد اختارت مصر لتمثيلها في رعاية ملف المصالحة الداخلي، إلا أن تدخل قطر قد ظهر قبل سنوات، وباتت بعد أن ناصبت إمارة الغاز ارض الكنانة العداء، بعد أن أسقطت ثورة 30 حزيران/يونيو حكم حليفها، جماعة الإخوان المسلمين، تبدو لها المهمة مركّبة الهدف والغاية، بل بات الأمر بالنسبة لها هدفاً بحد ذاته للتخريب أيضاً على دور ومكانة مصر الإقليمية، مع أن هدف مصر من رعاية الملف هو إنهاء الانقسام الفلسطيني فيما هدف قطر هو تأبيده ودفع غزة للانفصال، ما دامت قد تعذرت سيطرة حماس على كل السلطة وعلى الضفة الغربية.
بقي محمد العمادي يروح ويجيء عبر الممر الإسرائيلي، كما لو كان مندوب انتداب للقطاع أو حاكماً من وراء الكواليس، مهمته هي أن يمنع حماس من التسليم لاستحقاق إنهاء الانقسام، فكلما أدى الضغط الشعبي والوطني إلى أن تقترب حماس من ذلك سارعت قطر إلى مد الحركة بما يمكنها من التمرد والبقاء على موقفها الرافض لتمكين حكومة السلطة من قطاع غزة، فيما بالمقابل تسارع قطر عبر مندوبها العمادي، إلى تهدئة أي توتر يحدث بين حماس وإسرائيل.
ولا شك أن قطر رأت منذ سنوات بان حماس الإخوانية تنفذ مهمة «الربيع العربي» التي قادتها قطر، في الملعب الفلسطيني، فكم من حلقة لـ «الاتجاه المعاكس» كان موضوعها السلطة الفلسطينية، فيما ملف حكم حماس الدموي لقطاع غزة لم يحظ بانتقاد وحيد، وحين تنكرت قيادة حماس لسورية، ذهبت للإقامة في قطر، وظلت قطر تدّعي دعمها للقضية الفلسطينية وهي لا ترى القدس ولا الشتات ولا احتلال الضفة الغربية، فقط غزة، ولكن حتى غزة بحدود الاهتمام الإنساني المقبول إسرائيلياً. 

رغم ذلك فإن السلطة تعاملت مع قطر كدولة عربية بكثير من الصبر، ولم تشأ أن تحرف بوصلتها عن العدو الإسرائيلي، بل إنها تعاملت مع حماس نفسها بصبر فاق صبر أيوب، وحين ظهر معتدلون إلى حد ما في حماس، لعبت قطر من تحت الطاولة لتشجع إخوانيي حماس ومتشدديها الذين يرتجفون في حقيقة أمرهم من أن تؤدي الرعاية المصرية إلى تحقيق الهدف المنشود بإنهاء الانقسام. 

وحين بدا أن لحظة حسم هذا الملف الذي لم يعرف في الدوحة سوى «الحوارات وعلاك الحكي» عن المصالحة، بعد إجراءات السلطة، وبعد المتابعة المصرية الحثيثة، امتدت أيدٍ لم يُكشف عنها بعد أكثر من شهر لقطع الطريق على جولات الوفد الأمني المصري المكوكية. 

وبعد أن افشل الشعب الفلسطيني مبادرة نيكولاي ميلادينوف، بدفع غزة لتجاوز السلطة المركزية، أنجزت قطر من تحت الطاولة صفقة السولار، التي أفشلها شعبنا أيضا، لكن صاحبها لم يتوقف وما زال يحاول، عبر العودة لسياسة الحقائب المالية التي كانت تدخل غزة أيام فوضى «الأخوان» المصريين عبر الأنفاق، لكن هذه المرة عبر النفق الإسرائيلي.

ما عجزت عن تحقيقه واشنطن من فتح بوابة المرور لصفقة ترامب عبر ميلادينوف، يسعى إليه محمد العمادي بحقائب الخمسة عشر مليون دولار، والتي دخل بها قطاع غزة يوم الخميس الماضي، أي قبل يوم واحد من محطة مسيرة العودة الأسبوعية، ليتضح في اليوم التالي، بوضوح وصراحة الهدف القطري، بكلمة نطق بها الرجل بلسان الحكومة الإسرائيلية، حين همس في أذن احد قادة حماس «نبي (نبغي) هدوء»، وبانخفاض فعلي لمنسوب الحراك الحدودي.

يقيناً بأن قطر اليوم تلعب من تحت الطاولة وتعتمد على جناح محدد في حماس، وحتى تحاول أن تقول بأن هناك مساراً حوارياً آخر بين حماس وفتح، يمكنه أن يذهب إلى أنقرة، كل ذلك من اجل إخراج الراعي المصري من ملعب المصالحة الفلسطينية، ومن أجل أن تكون نتيجة المصالحة تعبيد طريق الانقسام، ومن هنا تظهر المباركة الإسرائيلية واضحة وصريحة.

هذا ما أدركه شعبنا الواعي سياسيا، حين خرج بعض شبان مسيرة العودة نفسها يلقون الحجارة على العمادي في دوار ملكة شرق غزة، وحين قاطعت كل فصائل العمل الوطني لقاء المندوب القطري، لكن يبقى الكثير من اجل طي هذه الصفحة نهائياً، وكل ما يسعى إليه الأعداء والخصوم هو أن تقدم السلطة على النطق بيمين الطلاق، حتى تذهب المطلّقة إلى زواج المتعة مع الانفصال، فترتمي بأحضان أصدقاء إسرائيل وترتبط بعقد صفقة ترامب.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]