أعلن المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الثلاثين مؤخراً تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين، وإقرار حق مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل وفقاً للقانون الدولي، كما قرر وقف التنسيق الأمني بأشكاله المختلفة، وأقر إنهاء الالتزامات الفلسطينية تجاه الاتفاقيات مع إسرائيل، مخولاً الرئيس عباس تنفيذ هذه القرارات، وفور انفضاض أعمال الدورة ترأس الرئيس اللجنة الوطنية العليا التي شكلها من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح وشخصيات أمنية وحكومية ووطنية عامة، بهدف الإسراع بوضع الآليات لتنفيذ قرارات الدورة الثلاثين للمجلس المركزي. اجتماع اللجنة الوطنية العليا بهذه السرعة يعطي الانطباع عن جدية التعامل مع القرارات المتخذة، إلاّ أن عدم وضع سقف زمني لعمل هذه اللجنة يضع شكوكاً منطقية إزاء هذه الجدية المطلوبة، خاصة وأن معظم القرارات المتخذة من قبل المجلس المركزي في دورته الأخيرة، هي قرارات متكررة من اجتماعاته السابقة.
هل كان هناك داعٍ لتشكيل اللجنة الوطنية العليا هذه؟ يبدو ذلك منطقياً من حيث الالتزام بقرار المجلس الوطني الأخير بإحالة صلاحياته إلى المجلس المركزي، الأمر الذي اعتبره عدد من المراقبين خروجاً على النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، كما أنه يهمّش دور اللجنة التنفيذية ويحولها إلى هيكل استشاري في أحسن الأحوال، مع أنها هي المسؤولة عن تنفيذ القرارات الصادرة عن المجلسين، الوطني والمركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل اللجنة الوطنية العليا، لتحل محل اللجنة التنفيذية، يعيدنا إلى قرارات إحالة سابقة أثبتت فشلها في تنفيذ القرارات الصادرة عن الهياكل الأساسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فقد أحال المجلس المركزي في دورته في آذار 2015، إلى لجان سياسية، ولجنة منبثقة عن اللجنة التنفيذية، ثم إلى المجلس الوطني وعودة إلى المجلس المركزي لأكثر من مرة، من دون أن تتحقق عملية تنفيذ القرارات، والدليل على ذلك أن معظم قرارات الدورة الثلاثين للمجلس المركزي، هي محالة من قرارات وتوصيات من قبل دورات سابقة للمجلس نفسه.
يشير أمين سر اللجنة التنفيذية صائب عريقات في تعليق له فور اختتام أعمال دورة المجلس المركزي الثلاثين إلى أن ترجمة هذه القرارات ستتم بالتدريج، وبدون القفز في الهواء، لأن المسائل لا تتعلق بالشعارات، وتبدو هذه الإشارة ضرورية وصحيحة، نسبياً، لأننا نرى أن الأمر يتجاوز قدرتنا على وضع هذه القرارات موضع التنفيذ من الناحية العملية، والقول «بالتدريج» هروب من حقيقة مفادها أن الأمر لا يتعلق بصحة الموقف واتخاذ القرارات بقدر القدرة على تنفيذها عملياً، إرجاء وإحالة هذه القرارات وغيرها طوال سنوات وأشهر واجتماعات متكررة، تؤكد على أننا أبعد ما نكون عن وضع هذه القرارات موضع التنفيذ، حتى لو توفرت الإرادة، نتيجة لعوامل عديدة ليس أقلها حالة التمزق في الوضع الداخلي الفلسطيني وعجزنا عن الخروج منها رغم كل الاتفاقات والمبادرات والضغوط والجهود، في ظل تراجعات مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية نفسها مع امتناع جبهتين مؤسستين للمنظمة، الشعبية والديمقراطية عن المشاركة في أعمال هذه المؤسسات، مع أن الجبهتين، وقفتا مع غيرهما في مواجهة كل محاولات خلق بدائل لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإذا كان موقف القيادة الفلسطينية من «صفقة القرن»، يسجل لها في الاطار الوطني، باعتباره الموقف الصلب في مواجهة إدارة ترامب التي فرضت سيطرتها على كل العالم، روسيا والصين والناتو والاتحاد الأوروبي، بينما فلسطين، وحدها تقول لا بملء الفم، هذا الموقف البطولي، سيظل مجرد موقف إزاء ما أشرنا إليه حول الوضع الفلسطيني الداخلي، يضاف إليه، تصدع المنظومة العربية التي بدأت بشكل ملموس في الاستدارة على مقرراتها فيما يخص المبادرة العربية، خاصة حول الاعتراف بإسرائيل. التطورات العربية الأخيرة، من شأنها أن تجعل الموقف الفلسطيني وحيداً في هذه المواجهة مع إسرائيل وإدارة ترامب.
إن اية قرارات، مهما كانت ضرورية وهامة، يعوزها لكي تنفذ ميزان قوى هو غير ما هو الآن، وبداية تغيير هذا الميزان كي يكون بمقدورنا وضع القرارات موضع التنفيذ، يتمحور بشكل أساسي على إيلاء مسألة استعادة الوحدة الوطنية كل الاهتمام والجهود، وبحيث يطغى الملف الداخلي الفلسطيني على الصعيد الوطني على كل الملفات الأخرى رغم أهميتها، دون ذلك ليس هناك من آمال على تغيير ميزان القوى الحالي!
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]