نحن نقف اليوم على أعتاب إنتخابات السلطات المحلية. وما لا شك فيه أن للانتخابات أهمية في الحياة السياسية وحتى الاقتصادية لدى البعض، حيث ترى كل الناس، مرشحين وناخبين، مشغولين بالانتخابات وما فيها من مشقة وسهر وترصد للأخبار، واجتماعات ولقاءات وندوات، وعادة ما تشهد هذه الأجواء الانتخابية مواقف وتصرفات ينبغي علينا الحذر من ارتكابها أو الانسياق وراءها.

ففي فترة الانتخابات ترتفع قيمة الفرد في نظر المرشحين الذين يتسابقون لنيل رضاه لا لشيء إلا بغية حصولهم على صوته ويتعاملون معه بصفته رقما رابحاً يضمن لهم الفوز . إلا أن هناك شريحة في مجتمعنا لطالما تم التعامل معها بصورة مغايرة وتمييزية، وهذه هي شريحة الأشخاص مع إعاقة، حيث يتعامل معهم المجتمع بجفاء وتهميش وكأنه يمن عليهم بالسماح لهم بالعيش فيه، إضافة الى معاملة البعض الآخر لهم بفظاظة وتسلط، وكل ذلك على مرأى ومسمع من الجميع الذين لا يحرك أحد فيهم ساكنا. التطورات الأخيرة من الناحية القانونية التي تتناول الأشخاص مع إعاقة وحقوقهم، تعتبرهم مركبا حقيقيا من مركبات المجتمع، لا بإسداء معروف أو منة من أحد. فمن حق الشخص مع إعاقة أن ينعم بالمساواة والكرامة والاحترام والمشاركة الفعالة في جميع مناحي الحياة الاجتماعية. ولا يشرع التدخل في استقلالية الفرد، فمن حق الشخص مع إعاقة اتخاذ القرارات المتعلقة بحياته بنفسه ودون تدخل من أحد. وعليه فإننا في جمعية المنارة لدعم الأشخاص مع إعاقة نطلق شعار "فلتسقط المعاملة الأبوية والتمييزية تجاه الأشخاص مع إعاقة".

إن للأشخاص مع إعاقة حقوقا عديدة، منها الحق في الاقتراع والمشاركة في إبداء الرأي في صناديق الاقتراع وذلك سعيا لإحداث التغيير والتأثير، كأي فرد من أفراد المجتمع، ويؤسفنا أننا لم نسمع عن أي برنامج انتخابي يطرح مشاريع تنموية تستهدف تطوير هذه الشريحة وتوفير الخدمات الأفضل لها، بل نجزم أن أحدا من المرشحين لم يولي قضايا الأشخاص مع إعاقة الحد الادنى من الاهتمام، ويفهم من ذلك أن لا أحد من هذه الشخصيات الجماهيرية يحمل هموم الأشخاص مع إعاقة وينطق بلسانهم ويطالب بحقوقهم.

الحقيقة المرة هي أن مجتمعنا ما زال يتجاهل وبعنف هذه الشريحة ويقوم بتهميشها حتى من ذاكرته، مع ما يحمله يوم الانتخابات من سخرية حين يتعامل البعض مع أفراد هذه الشريحة كسلعة تباع وتشترى، فيتم نقلهم و"التصرف بهم" كيفما يشاء أصحاب السلطة عليهم، حتى بلغ الأمر حد قيام البعض بالاقتراع باسم الشخص مع إعاقة دون حضوره. وإذا حالف الحظ أحد الأشخاص مع إعاقة يوم الانتخابات، يكون يوم الانتخابات أسعد يوم في حياته حين يصبح محط اهتمام الجميع، فيعرضون خدماتهم عليه مجانية بالكامل، لكن طبعا بعد أن يقوم بدفع الثمن بالمقابل وينتخب المرشح الذي عرض عليه هذه الخدمات، فيسلب حقه بالتعبير عن رأيه بعيدا عن الانتفاعية والانتهازية.

وتجدر الاشارة الى أن ما يحدث مناف تماما لبنود الاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة التي تمت المصادقة عليها من قبل الدولة سنة 2012، وبالذات المادة 29 التي تنص على الحق في المشاركة في الحياة السياسية والعامة بما في ذلك حماية حق الأشخاص ذوي الإعاقة في التصويت عن طريق الاقتراع السري في الانتخابات والاستفتاءات العامة دون ترهيب!

هذا هو مجتمعنا خلال مشاركته في بناء الديمقراطية، فلا تشرك نفسك في مثل هذا النهج والتصرف، فإن التغيير المجتمعي يبدأ من الفرد ثم البيت ثم الأسرة، وبذلك نتقدم نحو إصلاح المجتمع، ومن هنا ندعوكم للرقي في معاملة هذه الشريحة من الأفراد الذين لا يختلفون عنا مطلقا، وندعوكم للتعامل معهم بنظرة سوية ومن منطلق كونهم أصحاب حق يتمتعون بالكرامة، المساواة وتكافؤ الفرص، ونقول ختاما : "هم بينكم لكنكم لا تشعرون".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]