يرى خبراء في القانون الدولي أن اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وزير الجيش أيهود باراك بقتله 300 فلسطيني في 3 دقائق ونصف، يُشكل سابقة خطيرة، واستهتارًا بالقانون الدولي الإنساني وبأرواح الفلسطينيين، واعترافًا واضحًا وصريحًا بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ويتطلب هذا الاعتراف-بحسب الخبراء الذين تحدثت إليهم وكالة "صفا"-تحركًا عاجلًا على المستويين الفلسطيني والدولي من أجل تحريك دعاوي قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية والقضاء الدولي من أجل مقاضاة باراك وتقديمه للمحاكمة على ما اقترفه من جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني، كي يكون عبرة لغيره من قادة الاحتلال.

ووفقًا لاتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لعام 1968، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1988، فإن جرائم الحرب تعتبر من الجرائم التي لا تسقط بمرور الزمن أو التقادم.

وتفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بقتله 300 فلسطيني خلال 3 دقائق ونصف، قائلًا إنه" عندما كان وزيرًا للجيش تم قتل أكثر من 300 من أعضاء حماس في 3 دقائق ونصف في هجوم نفذه سلاح الجو"، موجهًا في الوقت ذاته الانتقاد للأداء الحالي للحكومة الإسرائيلية.

ونقلت القناة السابعة الإسرائيلية عن باراك قوله أمس الجمعة إنه" في حال توليه مقاليد الأمور في إسرائيل، أو في حال تولى منصب وزير الدفاع في إسرائيل، فكان بإمكانه قتل المئات من الفلسطينيين"، مستذكرًا أنه قتل أكثر من 300 من حركة حماس في 3 دقائق ونصف فقط، في إشارة إلى الضربة الجوية الأولى في الحرب على غزة في 2008.

واتهم باراك رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو أنه ليس لديه استراتيجية واضحة تجاه حماس في قطاع غزة، وأنه استسلم للحركة خلال الأشهر القليلة الماضية.

وفي السابع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر عام 2008، شن جيش الاحتلال حربًا شرسة على قطاع غزة، حيث قصفت 80 طائرة إسرائيلية عشرات الأهداف الفلسطينية المدنية والأمنية في مختلف مناطق القطاع، موقعة بالضربة الأولى نحو 300 شهيد غالبيتهم من عناصر الشرطة الفلسطينية بمن فيهم مديرها العام اللواء توفيق جبر.

وأطلق الاحتلال على تلك الحرب "الرصاص المصبوب"، فيما أطلقت عليها المقاومة "معركة الفرقان"، ولم يتمكن الاحتلال من تحقيق أهدافه فيها.

وجاءت الحرب الإسرائيلية بعد انتهاء تهدئة دامت ستة أشهر توصلت لها الفصائل الفلسطينية والكيان الإسرائيلي برعاية مصرية، لكن "إسرائيل" خرقت التهدئة أكثر من مرة، واغتالت ستة من عناصر كتائب القسام الجناح المسلح لحركة "حماس"، ولم تلتزم برفع الحصار عن القطاع، وهو ما دفع المقاومة لعدم تمديد التهدئة.

استهتار بالقانون الدولي

وينظر الناشط الحقوقي صلاح عبد العاطي بخطورة شديدة إلى اعتراف "باراك" بقتل 300 فلسطيني، معتبرًا تصريحاته بأنها تشكل استهتارًا بالقانون الدولي الإنساني وقواعده، واستهتارًا بالفلسطينيين وبأرواحهم.

ويقول عبد العاطي لوكالة صفا": "لو كان هناك محاسبة وملاحقة فعلية لمجرمي الحرب الإسرائيليين لما تجرأ باراك على التصريح بهذا الأمر، فهو المسؤول بشكل كامل عن عملية قتل متعمد عندما استهدف مقرات الشرطة الفلسطينية في غزة عام 2008".

و"هذا أمر محظور بموجب القانون الدولي، ويرقى إلى جريمة حرب" وفق عبد العاطي، كما أن تصريحات باراك تعتبر دليلًا إضافيًا على ارتكاب الاحتلال جرائم ترقي لجرائم حرب.

وحول كيفية استثمار تصريحات باراك في ملاحقة قادة الاحتلال؟، يقول عبد العاطي إن المطلوب من المنظمات الدولية إجبار الاحتلال على ضمان احترام أحكام القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة والالتزام بها، والعمل على ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين وتقديمهم للقضاء الدولي لمعاقبتهم على ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية.

ويؤكد أن السلطة الفلسطينية مطالبة بتفعيل التحركات الرسمية والشعبية لمحاسبة قادة الاحتلال ومحاكمة القتلة أمام المحاكم الدولية، والعمل على رصد وتوثيق كل الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني في ملفات رسمية ومساءلة الاحتلال عنها.

وبموجب المادة (146) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 "تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تتخذ أي إجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة لهذه الاتفاقية، المبينة في المادة التالية "يلتزم كل طرف متعاقد بملاحقة المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الجسيمة أو بالأمر باقترافها، وبتقديمهم إلى محاكمة، أيا كانت جنسيتهم".

ويحق للأطراف المتضررة من الانتهاكات الجسيمة وفق المادة 88 من البرتوكول الإضافي الأول، ملاحقة الآمرين بارتكاب مثل هذه الجرائم ومرتكبيها ومساءلتهم كمجرمي حرب.

تحريك دعوى عاجلة

ويشكل اعتراف باراك بقتلة 300 فلسطيني بدم بارد خلال دقائق معدودة سابقة خطيرة، وانتهاكًا ومساسًا بقواعد القانون الدولي. وفق ما يرى الخبير القانوني نافذ المدهون في حديثه لوكالة "صفا".

ويؤكد المدهون أن هذا الاعتراف ليس بحاجة لتشكيل لجنة تحقيق أو أدلة إثبات، بل يتطلب تحركًا عاجلًا من المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية لتحريك دعوى عاجلة، لأن هناك إقرارًا واضحًا وصريحًا بارتكاب "باراك" جريمة حرب وضد الإنسانية بحق الفلسطينيين.

ويسمح ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية، للمدعية العامة بأن تحرك الدعوى بذاتها دون تقديم طلب بسبب اعتراف باراك باقترافه الجريمة، والتي تهدد السلم والأمن الدوليين. يضيف المدهون

وبحسب المدهون، فإنه على المستوى الفلسطيني، لابد من التحرك بشكل سريع لاستثمار هذه الاعترافات من أجل رفع دعوى قضائية خاصة أمام المحكمة الجنائية، من أجل مقاضاة باراك ومحاكمته.

ولكنه يشير إلى أن اعتراف باراك هذا يأتي لأنه يعلم جيدًا أنه لن يُقدم للمحاكمة والمساءلة، لأن المجتمع الدولي منحاز للاحتلال وغير منصف للضحايا الفلسطينيين، وأنه لن يتحرك على المستوى المطلوب للتعامل مع تلك الاعترافات.

ورغم ذلك، إلا أن هذا لن يمنع السلطة الفلسطينية والمحكمة الجنائية من تحمل مسؤولياتها والقيام بدورها في التعامل مع اعترافات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، وتقديمه للعدالة.

وفي ميثاق روما الأساسي، تؤكد الدول الأطراف أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب

وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي.

وقد عقدت العزم على وضع حد لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب وعلى الإسهام بالتالي في منع هذه الجرائم، مؤكدة أن من واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك المسئولين عن ارتكاب جرائم دولية.

شكوى للجنائية الدولية

وأما الخبير في القانون الدولي عبد الكريم شبير، فيؤكد أن تصريحات "باراك" تتطلب توثيقًا قانونيًا، وأن يتم تقديم شكوى أمام المحكمة الجنائية والطلب من المدعية العامة للمحكمة بمذكرة إحضار لـ "باراك" للمحكمة لمساءلته عن تلك الجرائم.

ويضيف شبير لوكالة "صفا": "لابد من التوجه إلى قضاء الدول التي لها ولاية دولية ورفع دعوى جنائية ضد باراك، وأن يتم مقاضاته على تلك الجرائم التي يفتخر بارتكابها على مرأى ومسمع من العالم".

ويؤكد ضرورة العمل على تفعيل دور اللجنة الوطنية العليا لملاحقة مجرمي الحرب، والتي شكلها الرئيس محمود عباس، وأخذ اعترافات "باراك" بعملية القتل والإسراع في رفع دعاوي أمام القضاء الدولي والمحكمة الجنائية لملاحقته ومحاكمته كي يكون عبرة لغيره من قادة الاحتلال.

وأسفرت الحرب على غزة، والتي استمرت 23 يومًا، عن استشهاد نحو 1330 فلسطينيًا غالبيتهم العظمى من المدنيين والنساء والأطفال، في حين أصيب 5500 آخرين العديد منهم يعاني حتى الآن من إعاقات دائمة.

أما بالجانب الإسرائيلي، فاعترف جيش الاحتلال بمقتل 13 إسرائيليًا بينهم 10 جنود وبإصابة 300 آخرين، إلا أن المقاومة أكدت أنها قتلت أكثر من 100 جندي.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]