بسم الله نحمده حمداً يوازي نعمه ويدفع نقمته ويكافئ مزيده، ونصلي ونسلم ونبارك على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد ابن عبد الله.

مع اقتراب موعد الانتخابات للسلطات المحلية بتاريخ 30 تشرين اول من عام 2018، تشهد البلاد بشكل عام والوسط العربي بشكل خاص أجواء انتخابية تكللها اجتماعات، دعايات وخطابات لترويج حزب ما أو رئيس من اجل الحصول على عدد أصوات أكثر لنيل عدد أكثر من المقاعد أو الفوز برئاسة السلطة المحلية.

هذا المقال وبعيداً عن الأحزاب وأجواء الانتخابات سوف يُلقي الضوء على تاريخ السلطة المحلية، من خلال التطورات التي جرت على هذا الجهاز السلطوي عبر التاريخ الحديث الذي اختلف المؤرخون بتحديده، فقد اعتقد البعض على ان بداية العصر الحديث توافقت مع حملة نابليون بونبارت للبلاد بين عامين (1798-1801)، واخر اعتقد ان بداية العصر الحديث تزامنت مع الحملة المصرية على البلاد (1931-1840) والرأي الأخير الذي يتبناه هذا المقال هو ان بداية العصر الحديث تزامنت مع فترة التنظيمات العثمانية ( 1839- 1876) وبالتحديد منذ قانون الولايات العثماني عام 1864.
على عتبة العصر الحديث.
حتى منتصف القرن التاسع عشر وبالتحديد حتى عام 1864 لم يكن هنالك سلطات محلية لإدارة البلدات والمدن بل كانت تدار البلدات من قبل والي او حاكم مُعين من قبل السلطان العثماني مثل: ظاهر العمر الزيداني (1720- 1775) او احمد باشا الجزار (1776- 1804)، سليمان باشا العادل ( 1804- 1819) عبد الله باشا ( 1819- 1831) وبعد ذلك خضعت البلاد تحت الحكم المصري بقيادة إبراهيم باشا ( 1831- 1840) ابن محمد علي باشا والي مصر وبعد ذلك عقيل اغا ( 1840- 1864)، خلال هذه الفترة كان الباشا يُعين ملتزم لجباية الأموال والضرائب من القرى والبلدات.

في أواخر العهد العثماني.

ضمن سلسلة إصلاحات بادرت بها الدولة العثمانية وسُميت بفترة التنظيمات ( 1839- 1876)، سنت الدولة العثمانية عام 1864م قانون تجديد الولايات والذي ينُص على تقسيم الدولة العثمانية الى نفوذ إدارية هرمية بشكل حلقات، بحيث تكون الحلقة الأكبر في رأس الهرم، وفق هذا النظام قُسمت الدولة العثمانية الى ولايات وعُين على كل ولاية والي لإدارة الولاية، الولايات قُسمت إلى لواءات وعلى كل لواء يجلس باشا، الالوية قُسمت الى أقضية وعلى كل قضاء عُين قائمقام، الاقضية قُسمت إلى نواحي يديرها مدير، والنواحي تضمنت عدة قرى، بحيث يقوم سكان القرى باختيار شخص يمثلهم امام مدير الناحية وسُمي بالمختار.

في كانون اول من عام 1867 سنت الدولة العثمانية قانون مجالس البلديات، وفق هذا القانون كل بلدة بمكانة مركز اداري (ولاية، لواء، قضاء) تحصل على مكانة مدينة ويقام بها سلطة محلية تدير شؤون البلدة بأمور مختلفة منها: ترخيص المحلات التجارية، الاهتمام بالبنية التحتية، جباية الضرائب والتعليم وغيرها. أعضاء المجلس البلدي بالسلطة المحلية يتم اختيارهم من قبل سكان البلدة لمدة عامين، نتيجة هذا القانون تأسست بلديات بمدن مختلفة بفترات متفاوتة منها الناصرة عام 1875، طبريا، حيفا وصفد عام 1885. استمراراً لهذا القانون سنت الدولة العثمانية في عام 1877 قانون آخر ينص على أن كل بلدة بمركز ناحية تحصل على مكانة مدينة ويُشكل بها سلطة محلية وانتخابات رسمية لرئيس السلطة كمدينة شفا عمرو عام 1910.

أما بالنسبة للقرى فحتى انهيار الدولة العثمانية عام 1918 استمرت على منهاج اختيار مختار من قبل سكان المدينة يقوم بجباية الضرائب من قبل السكان وهمزة وصل بين مدير الناحية وسكان القرى.

في عهد الحكم البريطاني.

مع بداية الحكم البريطاني في البلاد بتاريخ 30 أيلول من عام 1918م، تبنت السلطات البريطانية التقسيم الإداري الذي ورثته من الحكم العثماني، الا انها سرعان ما قامت ببعض التعديلات ففي عام 1921 سنت قانون المجالس المحلية للقرى؛ الذي ينُص على إقامة سلطة محلية لبعض القرى واختيار رئيساً يدير شؤونها. وفق إحدى بنود هذا القانون يتم توزيع المقاعد بالسلطة حسب عدد سكان الطائفة، أي انه كلما كانت الطائفة أكبر فإنها تحصل على مقاعد أكثر!!!!، والأدهى وامر هو ان كل طائفة تختار الممثلين عنها حسب كبر العائلة فكلما كانت العائلة بالطائفة أكبر تحصل على حصة الأسد من المقاعد، الأمر الذي اوجد ما يُسمى بالعائلية التي مازالت حتى يومنا هذا ويتهمون مجتمعنا انه من اوجدها؟
بعد قيام الدولة:

قبل الخوض في التطور السلطوي للسلطات المحلية بعد قيام الدولة لا بد ان نشير لبعض التغيرات الديمغرافية والمدى المديني الذي طرأ على السكان العرب؛ من حيث الديمغرافية تحول السكان العرب من أكثرية 1.7 مليون وسبعة مئة ألف نسمة الى 165 ألف نسمة، اما من حيث التغيرات بالمدى المديني فقد طرأ تحول من اغلبية تسكن بالمدن الى اغلبية تسكن بالقرى وبقي بالمجتمع العربي مدينتين (الناصرة، شفاعمر) وقريتين بمركز مجلس محلي وهم: كفر ياسيف والرامة.

خلال العقديين الأوليين (الحكم العسكري 1948- 1966):
مع قيام دولة إسرائيل بقيت القوانين العثمانية والبريطانية تخدم السلطات الإسرائيلية مع بعض التجديدات مثل: أقامت سلطات محلية بباقي البلدات، فقانون عام 1921 لم يغطي جميع القرى والبلدات العربية التي بقيت ضمن حدود دولة إسرائيل فبقي هناك بعض القرى تدار على يد المختار، الا انه بعد عام 1957 في اعقاب حرب سيناء ومجزرة كفر قاسم (عام 1956) طرأ تغير اولي بسياسة الدولة مع السكان العرب، بحيث شهدت البلدات العربية بعض التطورات من حيث الاقتصاد، تعليم، بنية تحتية واقامت سلطات محلية وعلى عتبة الغاء الحكم العسكري عام 1966 تم انشاء العديد من السطات المحلية وفي معظمها تم تعيين الرئيس من قبل الحاكم العسكري او الدولة.

تجديد طريقة الانتخابات:

حتى عام 1975 تبنت الدولة طريقة الانتخابات التي ورثتها من الحكم البريطاني، بحيث يقوم المواطنين من سن ال-21 عام وما فوق بانتخاب الأعضاء، الأعضاء هم ممن يقومون باختيار رئيس السلطة المحلية، الا ان هذه الطريقة لم تبقى طويلاً نتيجة عدم الاستقرار والتقلبات السياسية الذي انتهجها الأعضاء بدعم او عدم دعم الرئيس.

في عام 1975 تم سن قانون يُفصل انتخاب الرئيس عن الأعضاء، بحيث يتم انتخاب كل منهم على حده ( الورقة والمكتوب الأصفر للرئيس والورقة والمكتوب الأبيض قائمة العضوية)، واصبح هذا القانون جاري المفعول من عام 1978 ويتم اجراء الانتخابات للسلطة المحلية كل خمس سنوات ( 1978- 1983- 1989( تم تأخير الانتخابات سنة واحدة)- 1993- 1998- 2003- 2008- 2013- 2018) الا ان هنالك بعض بلدات تم فصل الرئيس وتعيين لجنة من قبل وزارة الداخلية مثل: كفر كنا، كفر مندا، الطيبة، طرعان وغيرهم، هذه اللجان أكملت عملها حتى اكمال الفترة الموجزة مثلاً: اذا عُينت لجنة عام 2000 او 2001 او 2002 استمر عملها حتى 2008 لكي يتم دمجها مع باقي السلطات المحلية.

بالنسبة لنسبة الحسم؛ رئيس السلطة يحتاج الى 40% من الأصوات الصحيحة مثلاً: بلدة معينة عدد الناخبين فيها هم 8000 صوت، الا ان عدد الأصوات الصحيحة كان 6500 نتيجة الغاء أصوات او قسم من المواطنين لم يمارس حقه الانتخابي، بهذه الحالة يحتاج الرئيس 2600 صوت لحسم المعركة الانتخابية وإذا كان هنالك أكثر من مرشحين اثنين ولم يستطع أحد ان يحصل على هذه النسبة فيتم اعادة الانتخابات بجولة ثانية بين أكبر كتلتين.

اما بالنسبة للعضوية؛ فالعليمة تختلف فيتم قسمة عدد الأصوات الصالحة على عدد المقاعد وضربها ب-75%، مثلاً: بلدة عدد الناخبين فيها 8000 صوت وعدد المقاعد بالسلطة المحلية 11، وكان عدد الأصوات الصحيحة هو 6500، العملية الحسابية تكون:

6500/ 11 *75%= 443 صوت، أي نسبة 14.6%.
للختام: شهدت السلطة المحلية في البلاد ثلاثة تغيرات أساسية منذ أواخر العهد العثماني حتى ايامنا، الأول: تأسيسها في أواخر العهد العثماني الا ان الامر كان جزئياً لبعض البلدات وبالتحديد المدن والبلدات واعتمدت القرى على اختيار المختار.
المحور الثاني في العهد البريطاني تم توسيع حلقة البلدات مع إقامة بعض المجالس المحلية، وبهذا تشتت النسيج الاجتماعي، بحيث أصبح للبلدة عدة قادة رئيس السلطة والمختار، وإذا كانت البلدة من عدة طوائف يتم اختيار مختار لكل طائفة.
المحور الأخير؛ التجديدات التي طرأت على السلطة المحلية بعد قيام الدولة من حيث طريقة الانتخابات، الفصل بين الرئيس والأعضاء والغاء منصب المختار.

الحمد لله الحاكم ومُولي الصالحين.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]