يكشف رئيس الحركة الإسلامية الشيخ حماد أبو دعابس في حديث لـ " بكرا" عن الشخصية التي أثرّت عليه واقتدى بها وعن االمواد غير الدينية التي يقرأها. ويؤكد أن فلسطينيي الداخل ورغم مرور 70 عاما على النكبة ما زالوا يعيشون في " بطن الحوت " يحيط الخطر بهم من كل الاتجاهات ويستوجب السير بحذر بين القطرات.

وفي مقابلة خاصة، يكشف الشيخ أبو دعابس الذي تتلمذ لدى الشيخ الراحل أحمد ياسين ودرس الإدارة في الجامعة، الجواب على السؤال ما أسباب انتكاسة الحركات الإسلامية، ويبدي رأيه في القيادات السياسية المحلية ويلخص أهم عمل قامت به الحركة الإسلامية منذ تأسيسها.

ويوضح مكان الإخوة المسيحيين والدروز الفلسطينيين في ميثاق الحركة وفي رؤيتها ومشاريعها كما يتوقف عند حلم راوده ولم يتحقق.

وردا على سؤال ضمن الحديث معه يشير بالبنان لأهم عمل قامت به الحركة الإسلامية منذ تأسيسها ثم يعود للانقسام عام 1996 ويرجح سببا معينا لو توفر لكان يمكن تفادي حدث شطر الحركة الأم إلى شطرين. ويشير لمواد غير دينية يقرأها ويعتبر أن القيادة الثقافية والسياسية الّتي تنقاد للرأي العام وتخشى المرونة والمناورة خشية الانتقاد ستؤدي لما لا يحمد عقباه. كما ينبه لخطورة فشل كثير من الفقهاء في مواكبة مستجدّات العصر.

وفيما يلي الحديث المقتضب مع فضيلته

أهم ما يبشر به ميثاق الحركة الجديد ؟

"تطوير الخطاب، توسيع الشراكات، دمج الطّاقات الشبابية والنسوية، الجمع بين الشرع والقانون ، المحافظة على ثوابتنا الدينية والوطنية ، وبناء إطار قابل للحياة والاستمرارية في ظلِّ تحدِّيات العولمة والحداثة واستهداف الإسلاميّين في كل مكان ".

يؤكد ميثاق حركتكم كثيرا على الشورى وتداول الصلاحيات بروح ديموقراطية. هناك من يقول أنكم تستعجلون استبدال الأشخاص أو القادة في مواقع المسؤولية ويدعو لتمديد الفترة بتعديل الدستور . ما رأيك ؟

" بدايةً دعني أقدِّم التَّحيَّة والاحترام من خلالكم إلى جميع أبناء شعبنا ، وتهنئتهم بمناسبة العام الهجريِّ الجديد ، داعياً المولى عزَّ وجلَّ أن يجعله عام خير وبركةٍ ، وأمن وأمان لشعبنا ولأمَّتنا وللبشريَّة كافَّة. ما يميِّزنا في الحركة الإسلاميَّة ، أنَّنا نعتبر المسئوليَّة أمانة ثقيلة، أمام الله وأمام النَّاس. ولذلك ، فالأصل ألَّا نتكالب عليها ، من ناحية ، وألَّا نزهد فيها إن كانت ستذهب إلى الأقلِّ جدارةً ، بل نوازن بين الحرص والزُّهد . وقد استفادت الحركة الإسلاميَّة من تجربتها وتاريخها الطَّويل ، بأن توازن أيضاً بين الإبقاء على المسئول في موقعه لفترةٍ طويلةٍ لتراكم التجربة وبين التَّغيير بين فترةٍ وأخرى ، فاصطلحنا من خلال موادّ في الدُّستور على تحديد ثلاث فترات لكل مسئول كحدٍّ أقصى مع فتح المجال للمنافسة الحرَّة في كلِّ فترةٍ وفترة ، بشكلٍ حقيقيٍّ ومنصف . وأعتقد أنَّ ذلك منطقيٌّ ومقبول ، يجمع بين الخيرين ، تراكم التجربة والتجديد ".

أهم عمل قامت به الحركة الإسلامية منذ قامت واهم مشاريعها في قترة رئاستك لها ؟

" أعتقد أنّ الحركة الإسلاميّة رسَّخت مفاهيم وقيم أساسيّة في مجتمعنا العربي في البلاد . وأوجدت الإطار التنظيمي الكفيل بتجميع الجهود الدّعويّة ، والسياسية المعبرة عن فكر ونبض الشارع المسلم في بلادنا . فقد عمّرت المساجد ، وشجّعت الأهل من جميع الشّرائح لأداء فرائضهم وقامت على خدمتهم في كلِّ ميدان وميدان ، من صلوات وزكاة وحج . ثمَّ نمَّت الرُّوح الوطنيَّة لدى جمهورها ، وأسهمت في مشاركتهم في النشاط السياسي المحلي والقطري والعالمي . ورفعت وتيرة المشاركة في النضالات الشعبية والوطنية متعاطفةً مع كلِّ أطراف الوطن ، والشعوب العربية والمسلمة. في فترتنا عزَّزنا مواقع الحركة الإسلاميَّة وتأثيرها في السّاحة المحليّة ، الفلسطينيّة ، إضافةً لتوطيد علاقات طيبة مع جهات خارجية . فضلاً عن تطوير كبير في أداء الحركة ومؤسساتها ، ومن بينها ميثاق الحركة الإسلاميّة الجديد ، وخطتها الإستراتيجية المرتقبة بعون الله تعالى ".

هل هناك عمل أو فكرة كنت ترغب بتحقيقها ولم يتسن لك ذلك حتى الآن ؟

" حقيقةً وددت لو نجحنا في توحيد صف الحركة الإسلاميّة بشقّيها . ولكن الرِّياح جرت في إتِّجاه تعزيز الشراكة مع الأحزاب الأخرى ، ثمّ كان حظر الحركة الشّقيقة ، ممّا أنهى تلك الجهود الصّادقة ، للأسف الشديد ".

رغم اتساع التعليم وازدياد المتعلمين تكشف وسائل الاتصال الحديثة عن كمية كبيرة من الفتاوي المتشددة جدا والمنشغلة بسفاسف الأمور على حساب قضايا جوهرية إلى درجة السخرية . كيف تقسر ذلك ؟

" حقيقةً أن كثيراً من الفقهاء فشلوا في مواكبة مستجدّات العصر وعطّلوا الاجتهاد، أو سايروا الرأي العام المحيط بهم من حكام أو زملاء ، وبذلك فإنهم يسيئون للإسلام كثيراً. ولا ننسى أن تشرذم العالم الإسلامي وضعفه يؤثر سلباً كذلك على حركة الاجتهاد الفقهي . مع وجود طاقات وكفاءات كبيرة بالمقابل ، لا بد أن تأخذ دورها ، وترتقي بفقه الأمّة في المسائل المتجددة ".

ما رأيك بدعوة زميلك دكتور منصور عباس لتجدد القيادات العربية بكل مستوياتها ? هل أصيبت السياسة العربية بالتكلس والتقادم على الأقل بأدوات عملها؟

" الأصل أن تكون حركاتنا وأحزابنا غنيَّةً بالطاقات والكفاءات ، من جيل التأسيس والأجيال اللاحقة . وعندها فإنّ ضخّ الدماء الجديدة في العمل السياسي والطواقم القيادية مطلوب ، بشرط تقديم الأفضل ، وليس تغييراً لمجرّد التغيير ".

عدا تونس أصيب التيار الإسلامي بانتكاسة بالسنوات الأخيرة، هل من تفسير عندك؟

" قوّة التنظيمات المعاصرة تكمن في مرونتها ، وقدرتها على التكيُّف مع الواقع المتجدًّد دون الذَّوبان فيه : لا تكن ليِّناً فتُعصر ، ولا صلباً فتكسر. والقيادة الّتي تنقاد للرأي العام وتخشى المرونة والمناورة خشية الانتقاد ، ستصطدم مع البيئة السياسية والعالمية القاسية التي تهدد وجودها ولا شك ".

حينما حظرت الحركة الإسلامية الشمالية قبل عامين تقريبا بقرار إسرائيلي ظالم وذلك بعد محاولات طويلة لتوحيد شقي الحركة الإسلامية شاركت أنت فيها ماذا قلت لنفسك في سرك ؟

" حقيقةً أنّه من أخطر الأحداث الّتي استُهدف بها شعبنا ، وإنها لخسارةٌ فادحة لشعبنا وجمهورنا المسلم . كنت أتمنى لو أننا نجحنا في بناء حركة موحدة ، فيها أكثر من اجتهاد . ويمكننا فيها توزيع الأدوار بشكل يكمل بعضنا فيه بعضاً . ولو أن هذه العقلية كانت راسخةً عشية الانقسام المشئوم عام 1996 لكان بالإمكان تفادي وقوعه والله أعلم . ولكن حصل ما يعلمه الجميع وللأسف ".

لأي مدى كان محقا مؤسس الحركة الراحل عبد الله نمر درويش حينما دعا لمواقف أكثر عقلانية أو واقعية أو معتدلة لأننا " قي بطن الحوت " ? هل ما زلنا في بطن الحوت بمعنى أن خطر الاقتلاع ما زال قائما؟

" كان الشيخ عبد الله رحمه الله ، حكيماً ، يحسن قراءة المشهد من حوله ، ويتقن قراءة التخوُّفات الإسرائيلية ، التي قد تهدِّد واقعنا القانوني . لقد حرص رحمه الله على تأسيس حركة قابلة للحياة والاستمرارية في واقعٍ معقَّد . وأعتقد أننا لا نزال نعيش في بطن الحوت ، بمعنى أنّ الخطورة تحيطنا من جوانب عدة ، مما يستوجب إتقان السير بين القطرات ".

كيف ترد على من يعتبر الحركة الإسلامية حركة طائفية في مجتمع متعدد المذاهب ? هل يجد المسيحيين والدروز مكانا في اعتبارات الحركة وأقوالها وأفعالها ومشاريعها ؟

" قد يوحي اسم الحركة الإسلاميَّة لما تقول ولكننا في حقيقة الأمر متجاوزون للتقسيمات الطائفية في عدة جوانب مهمّة . فالعمل النِّضالي ، السياسي ، الاجتماعي ، والأدبي ، الحضاري والفنِّي وغيرها الكثير يجمعنا في مواقع مختلفة . المسلمون والمسيحيّون والدروز ، كلٌ له دينه وخصوصيّاته ، ولكننا جميعاً تجمعنا الحضارة الإسلامية واللغة العربية والبوتقة الفلسطينية والمصير المشترك إن نحن أحسنّا تعزيز المشترك بيننا وهو كثير وزاخر ولا شك . وميثاقنا الجديد يؤكد ذلك ، وقد فتحناه أمام نخبةٍ من الأكاديميِّين من كلّ أطياف وديانات شعبنا ، ليسهموا في صياغة خطابٍ وحدويٍّ جامع ، يحافظ على الخصوصيّات ، ولا يغفل مواطن الالتقاء بين شركاء الوطن والنِّضال الصّادق. شكراً لكم ودعاؤنا لشعبنا وأُمَّتنا بالعزّة والتمكين ، والوحدة والقوّة ، والهداية والرشاد".

أنت كرئيس حركة إسلامية ورجل دين أي مواد غير دينية تقرأ ؟

" أقرأ موادّ علميّة للثقافة العامّة في الصحة والفلك والجغرافيا ، ثقافات الشعوب والتنمية البشرية وغيرها ".

أجمل ما قرأت في الآونة الأخيرة ؟

" كتاب لـ كريم شداد " عش عظيما " وهو في الأساس حول التنمية البشرية. كذلك الكتاب "" المنهج القرآني والظاهرة العلمية " لـ المهندس حاتم فايز البشتاوي.

هل هناك شخصية أثرّت فيك وتقتدي بها ؟

" قدوتي بعد رسول الله أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد حرصت على نفس كنيته لحبي خصاله في الرقّة والسخاء والاستقامة وجميل الأخلاق".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]