مشكلة تمويل المصالح التجاريّة الصغيرة تمسّ بالكثيرين، ولكن هناك قطاعات أكثر عُرضة للخطر.

قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسّطة ذو أهمّيّة كبيرة للنموّ الاقتصاديّ، ولزيادة الإنتاج ولإيجاد أماكن للعمل والتشغيل. إلّا أنّ هذه المصالح التجاريّة تُعاني في الكثير من الأحيان من المعوّقات والمخاطر الكثيرة، التي يُمكن تقسيمها إلى ثلاثة مستويات: البيئة الكليّة، البيئة القريبة- القطاع، والبيئة الداخليّة للمنظّمة.

تعمل الكثير من الدول، ومن ضمنها إسرائيل، على تعزيز سياسة تشجيع المصالح التجاريّة الصغيرة والمتوسّطة، من خلال تقديم المساعدة الحكوميّة، الائتمان وغير ذلك. مع ذلك، ففي الاقتصاد الإسرائيليّ، فإنّ حوالي 30% من المصالح التجاريّة الصغيرة والمتوسّطة، يتمّ إغلاقها بعد مضيّ عاميْن من افتتاحها. يستدعي هذه المعطى نقاشًا شاملًا وواسعًا ومن شأنه أن يؤدّي إلى بذل الجهود الكبيرة من أجل تحسين حالة هذا القطاع الهامّ.

سوف أركّز في هذه المقالة على أحد المعوّقات والمخاطر ذات الأهمّيَّة التي تتعلّق بالمجال الماليّ والتمويليّ للمصالح التجاريّة الصغيرة والمتوسّطة، وتأثيره على الإدارة والنشاطات اليوميّة وعلى نموّ كلّ مصلحة تجاريّة.

تحتاج المصلحة التجاريّة بشكل عامّ إلى نوعيْن من التمويل: تمويل رأس المال المتداول، أي تمويل النشاطات اليوميّة للمنظّمة، على سبيل المثال، شراء المعدّات اللازمة ودفع أجرة العمل، وكذلك التمويل لغرض الاستثمار، مثل، شراء المعدّات التي تستخدم في إنتاج الدخل وتحديث المصلحة التجاريّة.

كمدقّق حسابات، مستشار أعمال ومحاضر في مجال الإدارة الماليّة، فإنّني أصادف في الآونة الأخيرة الكثير من أصحاب المصالح التجاريّة الذين يتحدّثون عن صعوبة الحصول على التمويل من البنوك. وفقًا لادّعاءاتهم، صعوبة الحصول على التمويل أكبر في الوقت الحالي ممّا كانت عليه في الماضي، وهذا شائع أكثر بشكل خاصّ في قطاعات مثل، البناء وأعمال الحفريّات، وخدمات تقديم الطعام والوجبات الغذائيّة الجاهزة ، وهذا يجعل إدارة النشاطات اليوميّة ونموّ المصلحة التجاريّة في غاية الصعوبة.

فعلى سبيل المثال، واجهتُ في الشهر الأخير مصلحة تجاريّة واجهتْها صعوبات في مجال السيولة النقديّة. ويظهر من تحليل النتائج الماليّة أنّ الأمر يتعلّق بمصلحة تجاريّة تحقّق الأرباح، وتجري إدارتها بصورة مهنيّة ودقيقة. بالرغم من ذلك، فإنّ صاحب المصلحة التجاريّة لم يُفلح في إيجاد السيولة النقديّة الإيجابيّة، ويجد صعوبةً في الحصول على تمويل من البنك لكي يسدّ العجز في السيولة النقديّة في المصلحة التجاريّة. ما الذي يسبّب هذا العجز؟ اتّضح من تحليل هذه الحالة أنّ المصلحة التجاريّة تعمل في ظلّ ظروف ائتمانيّة صعبة. يتمتّع زبائن هذه المصلحة بظروف ائتمانيّة مريحة وجيّدة تستغرق نهاية الشهر الحالي +90 يومًا، ولكن الجزء الرئيسيّ من مصاريف المصلحة التجاريّة- أجرة العمل، الإيجار، ضريبة الأرنونا، الضرائب المباشرة وغير المباشرة- تُدفع نقدًا. في لمقابل، فإنّ ائتمان مزوّدي الخدمات هو نهاية الشهر الحالي + 60 يومًا. بسبب المنافسة في القطاع أو العمل مع هيئات مؤسّساتيّة، ففي الكثير من الحالات تضطرّ المصالح التجاريّة إلى منح ائتمان للزبائن أكبر بكثير من ائتمان مزوّدي الخدمة التي تحصل عليها، وهذا الأمر يؤدّي إلى عجز في السيولة النقديّة للمصلحة التجاريّة.

حالات الحدّ من التمويل أو صعوبة الحصول على تمويل بسعر معقول لرأس المال، من أجل سدّ الفجوة بين ائتمان الزبائن وائتمان مزوّديّ الخدمات، تجعل من الصعب إدارة شؤون المصلحة التجاريّة والقيام بنشاطاتها اليوميّة وقد تؤدّي إلى انهيارها. وفي الآونة الأخيرة، تمّ الإبلاغ عن صعوبات في قطاع أعمال الحفر والبنى التحتيّة بسبب شروط الائتمان في هذا القطاع.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تمويل الزبائن الذي يتمّ التعبير عنه من خلال ائتمان الزبائن المرتفع، يزيد بشكل كبير من تكاليف التمويل للمصالح التجاريّة التي تضطرّ للقيام بتصفية للشيكات المؤجّلة التي بحوزتها بسعر مرتفع، وهذا الأمر يمسّ بربحيّتها.

إنّ مسألة تمويل المصالح التجاريّة أكثر تعقيدًا في المجتمع العربيّ، وذلك لأنّ البنوك تصنّفها على أنّها أكثر عرضة للخطر، وكذلك نظرًا لأنّ التنافس بين البنوك في المجتمع العربي أقلّ، ولهذا السبب فإنّ مصادر الائتمان محدودة وذات تكلفة مرتفعة.

نظرًا لأهمّيّة قطاع المصالح التجاريّة الصغيرة والمتوسّطة للاقتصاد، فمن اللائق أن تعمل الوزارات الحكوميّة بصورة جديّة أكثر لكي تقلّص الحواجز والمعوّقات القائمة وتوسيع مصادر التمويل للمجتمع العربيّ. وذلك لكي يواصل هذا القطاع القيام بنشاطاته اليوميّة ويواصل نموّه.

على المستوى الكلّيّ، هناك حاجة لتدخّل الحكومة من أجل توسيع مصادر التمويل لقطاع الأعمال. على مستوى المنظّمة، يتعيّن على كلّ صاحب مصلحة تجاريّة، أو الشخص الذي يرأس مصلحة تجاريّة صغيرة، أن يفحص إلى جانب ربحيّة المصلحة التجاريّة، مدى قدرتها على توفير سيولة نقديّة إيجابيّة من نشاطاتها اليوميّة، والحفاظ على إدارة السيولة النقديّة ودراسة مصادر التمويل وأسعارها.

* الكاتب هو مدقّق حسابات ومحاضر في جامعة بن غوريون وفي الكلّيّة الأكاديميّة سابير.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]