النكتة السياسية ليست وليدة اليوم، فمنذ ظهور الحضارة أتت بأشكال مختلفة، هدفها الأساس نقد الحكم والمجتمع بشكل عام، تبدأ ككرة الثلج، تتسارع حتى يصبح حجمها كبيراً.

يُقال إن حاكم روما يوليوس قيصر كان يكره النكات التي يطلقها أفراد الشعب، إلى الحد الذي دفعه إلى نشر عدد كبير من الجواسيس في أحياء روما لجمع النكات والحصول على معلومات عن مطلقيها؛ لخوفه من أن تشكل النكتة رأياً عاماً مناهضاً له.
أخطر ما في النكتة هو تحطيم الرموز أو إسقاط الهالة من حول المستهدف، ولكن الأهم أنها تعبر بالأساس عن رأي الجماهير تجاه الشخصية أو الفئة أو الحزب وحتى المجتمع.
النكتة السياسية أو التي تتحدث عن مسؤول أشبه بمنشور سري يوزع على الناس. ولكن وسيلة التوزيع أصبحت تختلف.. فوسائل التواصل الاجتماعي أعطت للنكتة أهمية بارزة لأنها تنتقل بسرعة «الضوء» وتنتشر بين المواطنين.
في شارعنا العربي كانت النكتة السياسية هي الأكثر صدقاً في التعبير عن الواقع، فلم ينج رئيس أو ملك أو زعيم عربي من النقد اللاذع المصاغ على شكل نكتة.
بعض الزعماء كان يتقبل النكات بل يطلب من مستشاريه إخباره عما يروى بين المواطنين من نكات جديدة عنه، ومنهم من كان يقطع رأس من يتهم بتأليف نكتة عنه.
الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، من المعروف أنه كان مهتماً بالنكتة السياسية، فقد كان يعتبرها مؤشراً حقيقياً على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في بلده.
بل أكثر من ذلك كان هناك تقرير دوري يقدم لعبد الناصر عن كل جديد في النكتة التي تروى ضد نظامه، وحتى ضده شخصياً، في الوقت نفسه كان هو راوياً للنكتة.
يروى عن الزعيم جمال عبد الناصر أنه خلال لقائه في موسكو الزعيم السوفياتي خروتشوف حان موعد صلاة الجمعة.. فأراد عبد الناصر أن ينهي الجلسة. ولكنه تفاجأ بـ خروتشوف يُحاول طلب الاتصال بإمام مسجد في موسكو لتأجيل الصلاة ساعتين لإنهاء الاجتماع، فضحك عبد الناصر وقال له: سيقولون إن الروس أقنعوا عبد الناصر أن يكفر، فرد عليه خروتشوف: قم يا صاحب السعادة ولا تجلب لنفسك ولنا المتاعب.
وبعد نجاح فيلم «أبي فوق الشجرة»، قال عبد الناصر لسامي شرف: «ما تروح يا سامي تشوفه، فقال له: «ليه يا فندم»؟ فرد عبد الناصر: «بقولوا فيه 38 بوسة». في الوقت نفسه لم ينجُ عبد الناصر من النكات اللاذعة التي كانت تشيطن حكمه وخاصة من الإخوان المسلمين. بل إنهم حرّفوا النكات التي جمعت في تلك الفترة.

على عكس عبد الناصر كان القذافي الذي لم يكن «يرحم» إذا ما سمع نكتة ضده.. فالعقاب قد يصل حد الإعدام.
أما النكتة في الشارع الفلسطيني فقد انتشرت خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير، وهي مختلفة بين الضفة والقطاع، حيث نلاحظ أن معظم النكات التي تصدر بحق قيادات فلسطينية في الضفة أو السلطة بشكل عام مصدرها في معظمه من القطاع والعكس صحيح. فالنكتة التي تتناول حركة حماس أو حكمها في القطاع يكون مصدرها غالباً الضفة وقد يكون السبب أن ملقي النكتة يحتاج إلى الإحساس بالأمان وعدم الملاحقة.
ومع ذلك، هناك نكات متفق عليها في كل الأرض الفلسطينية والخارج بحيث إنك تسمع النكتة من أكثر من شخص في اليوم الواحد، وبالأساس تتناول مسؤولين بحد ذاتهم. وربما لو كان هناك استطلاع أو رصد للنكات التي قيلت ضد مسؤول بشخصه لصدمنا من حجم الرأي الشعبي فيه وربما في كثير من المسؤولين غيره.
في هذا المقام ننقل أيضاً نكتتين رويتا زمن الزعيم جمال عبد الناصر: فقد سأل رجل عجوز أحد الشباب أيام عبد الناصر: «إيه رأيك في الثورة؟». فأجابه الشاب: «الثورة.. الله يا سلام». فرد العجوز: «للدرجة دي بتحبّ الثورة؟». فقال الشاب بسرعة: «من كثر حبّي في الثورة نفسي بثورة ثانية».
من النكات الجميلة التي قرأتها أنه في اجتماع عربي لوحظ أن زعيماً عربياً رسم على ذراعه خارطة فلسطين. فلما سئل عن ذلك، قال: «حتى لا ننسى القضية». فلما سئل ثانية: وإذا تحرّرت فلسطين، قال: «سأقطع ذراعي».
جيد أن نروي النكتة في الزمن الصعب. وفي وقت ربما لا يسمح فيه باجتياز خطوط حمر كثيرة.
كنت أرغب برواية آخر نكتة فلسطينية انتشرت في فترة العيد بعد نزول الحجيج عن عرفات، ولكني لا أريد أن أصبح ضحية؟!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]