تاريخ البروة:

بنيت بيوت البروة على تلة صخرية وتركت الأراضي السهلية الخصبة للزراعة، موقعها القريب من الطريق العام الذي يصلها بعكا وصفد وحيفا، ساعدها على تصريف منتوجاتها والوصول للدوائر الحكومية. يعود تاريخ البروة للفترة الكنعانية ، كما تشير الأثار التي وجدت في تل البروة، توجد حقبة من الزمن لم تذكرها المراجع التاريخية ،عاد ذكرالبروة خلال الحكم الفاطمي سنة 1047ميلادية، عندما زارها الرحالة الفارسي ناصر خسرو، وكتب بأنها تقع بين عكا والدامون. كما وذكرها الصليبيون في عدة كتابات، كان آخرها سنة 1283 في معاهدة الهدنة مع المماليك في عهد السلطان المنصور قلاوون، تنص المعاهدة، على بقاء عكا وجوارها مع الصليبين ومن ضمنهم البروة.

من مطلع القرن السادس عشر خضعت البلاد للعثمانيون وبقيت بأيديهم مدة أربعة قرون من سنة 1517حتى بداية الانتداب البريطاني سنة 1918. في العقود الأولى للحكم العثماني، كانت قرية البروة تابعة الى لواء صفد ، اما في فترة لاحقة أصبحت تتبع لقضاء عكا. كان عدد سكانها 121 نسمة في سنة 1569م. أما سنة 1948 اصبح عدد سكانها 1،694 نسمة ويقدر بأن عددهم (الاجئين) سنة 1998 قد أصبح أكثر من عشرة الاف نسمة.
شارك سكان البروة في الثورة العربية الكبرى سنة 1936 – 1939 ، ضد الانجليز بقيادة الشيخ يحيى هواش ابن البروة، ويعد مطاردة للثوار، تم القبض عليه وعلى آخرين، حُكِم على الشيخ بالسجن مدى الحياة وأعدم ثمانية أشخاص من أهل البروة. أضف لذلك جمعت الرجال من أهل البروة وأرغمتهم على قطع ألواح الصبر الشائك بالقرب من عكا ثم والزمتهم بالجلوس والاستلقاء عليه.



جيش الانقاذ لم ينقذ البروة:

كان احتلال البروة يوم 11 حزيران سنة 1948، بعد معركة غير متعادلة ، وبالرغم من ذلك، أهل البروة دافعوا ببسالة عن قريتهم حتى نفذت ذخيرتهم وبعدها تم تهجيرهم للدول المجاورة ولكن بقي قسم منهم في الوطن. جيش الانقاذ لم يشارك في صد الاحتلال بحجة عدم وجود أوامر.

وبعد عدة أيام باغت سكان البروة ومناضلين من القرى المجاورة، المحتلين الصهاينة وارغموهم على الإنسحاب من البروة الى الى تلة قريبة منها. استقر قسم من سكان البروة في القرية وحصدوا مزروعاتهم. ظلوا في القرية حتى يوم 24 حزيران، في ذلك اليوم طلب منهم جيش الانقاذ النزوح للقرى المجاورة لعدة ايام، فنزحوا وبقي جيش الانقاذ المسيطر الوحيد في البروة. دامت سيطرة جيش الانقاذ يوماً واحداً فقط ، ثم انسحب وسقطط البروة مجددا. وأصبحت منطقة عسكرية مغلقة، هدمت بيوتها وصودرت أراضيها، وتمت ملاحقة سكانها ورميهم عبر الحدود، وتشريدهم في الوطن وخارجه.

انسحب جيش الانقاذ نتيجة خلاف وقع بين قادة جيش الانقاذ عندما كانوا يخططون لاسترجاع مدينة عكا وكان الإجتماع قرب بير العياضية، انسحب اولاً ابو اسعاف وابراهيم الحسيني، ثم القاوقجي، وبقيت المنطقة بدون مقاومة (تفاصيل أكثر: صفحة 425 و 426 من كتاب "النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود" للأستاذ عارف العارف).



تدخل مشايخ ووجهاء البروة في تعيين خوري للبروة غير الذي اختاره البطريارك:

في القصة التالية نموذجاً عن شهامة أهل البروة، والعلاقة الاخوية بين المسلمين والمسيحيين، تعود أحداثها لسنة 1930 ميلادية، كان في البروة أقلية مسيحية تقريباً 10 % من السكان تدخل مشايخ ووجهاء البروة في تعيين كاهن للبروة غير الذي اختاره البطريارك. كَتب عن هذا الحدث الأستاذ فتحي فوراني ما يلي:

"كان جبران الخوري جمّالًا..وكان مثقفًا بالفطرة..كان الرجلَ بين الرجال.. وكان زينة الرجال..حصيفًا فصيحًا ذا طيبة ومهابة..أحبه جميع أهل البلد. ذهب وفد من أهل القرية، مسلمين ومسيحيين، إلى بطريارك الروم الأرثوذكس دميانوس في زهرة المدائن . وعلى رأس الوفد الجمّال جبران الخوري أبو سليم. حمل الوفد مضبطة (عريضة) وقع عليها المسلمون والمسيحيون تطالب بتعيين أبو سليم ليكون خوري البروة."

وقد كتب السيد محمد كيال في موقع فلسطين في الذاكرة ما يلي:

"فسألهم البطريرك عن سبب اهتمامهم بالخوري، فقالوا: كيف لا؟! وهو سيصبح خوري البروة وسيمثلنا جميعاً. فتأثر البطريرك بكلامهم حتى دمعت عيناه، ووافق على تعيينه رغم انه لم يكن متديناً " فأصبح خوري البروة حتى تهجير سكانها سنة 1948 وبعدها انتقل للبقيعة ثم الى مدينة حيفا ( الخوري جبران 1902 – 1977 م).

من النكبة الى حديقة البروة:

ولد محمود درويش – شاعر فلسطين سنة 1941 في البروة، تهجرت عائلته الى لبنان ثم عادت متسللة للوطن سنة 1949، فوجدت القرية قد هُدِمت، فسكنت عائلته في البداية في قرية دير الأسد، ثم قرية الجديدة . أكمل دراسته الثانوية في مدرسة يني في كفر ياسيف، ثم انتقل للسكن في حيفا، التحق بالحزب الشيوعي وعمل في الاتحاد والجديد، اعتقل عدة مرات لسبب نشاطه السياسي، اما في سنة 1970 انتقل للقاهرة، كلاجيء سياسي، وعمل في صحيفة الاهرام المصرية. في سنة 1973 انتقل الى لبنان والتحق بمنظمة التحرير الفلسطينية. سنة 1996 انتقل الى رام الله ، زار الأهل في قرية الجديدة وزار البروة المهجرة وكتب عنها في ديوانه الأخير "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي" قصيدة " طللية البروة" مطلعها:

أمشي خفيفاً كالطيور على أديم الأرض،
كي لا أوقظ الموتى. وأُقفلُ باب
عاطفتي لأصبحَ آخري, إذ لا أحسُّ
بأنني حجرٌ يئنُّ من الحنين الى السحابةِ.
هكذا أمشي كأني سائحٌ ومراسلٌ لصحيفةٍ
غربيةٍ. أختار من هذا المكان الريحَ..."

توفي شاعر فلسطين، يوم السبت 9 آب سنة 2008 في الولايات المتحدة، نتيجة تعقيدات في عملية القلب المفتوح التي اجريت له هناك. دفن في مدينة رام الله في قطعة أرض دعيت "متحف محمود درويش – حديقة البروة" بالقرب من القصر الثقافي وتطل على القدس الشريف، هذه الحديقة من الوطن الى محمود درويش بدون تبرعات خارجية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]