دبلوماسيون عرب رفيعو المستوى، مطّلعون على جهود إدارة ترامب والدول العربية المعتدلة لإخراج خطة السلام الإقليمية التي يبلورها الرئيس الأميركي ورجاله، المسماة "صفقة القرن" إلى حيز التنفيذ، قالت لـ "إسرائيل اليوم" ان ترامب، بدعمٍ من معظم الدول العربية المعتدلة وعلى رأسها السعودية والأردن ومصر والإمارات، تعمل على تسوية في قطاع غزة كمرحلة أولى من خطة السلام.

وحسب قول نفس المصادر العربية، فإن نية إخراج خطة السلام الإقليمية، في الوقت الذي تشكّل فيه التسوية في قطاع غزة جزءاً محورياً منه، إلى حيز التنفيذ، هي بسبب إصرار أبو مازن على عدم التعاون مع إدارة ترامب. بالإضافة إلى ذلك، تسوية غزة كجزء من الخطة تفسّر ضبط الجيش الإسرائيلي لنفسه في مواجهة إرهاب الطائرات الورقية؛ وعدم رغبة حماس في الدفع نحو تصعيد قد يؤدي إلى مواجهة في الجنوب؛ ودعوة رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية إلى القاهرة لعقد سلسلة من الاجتماعات والمداولات مع كبار المسؤولين الأمنيين المصريين، الذين يلعبون دوراً في جهود الوساطة لتهدئة الوضع في قطاع غزة.

مصادر عربية كبيرة، بينها مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية، قالت أيضاً إنه على ضوء رفض أبو مازن مقابلة مبعوثي ترامب إلى المنطقة والبحث مع الإدارة في واشنطن تفاصيل خطة السلام المتبلورة، وعلى الرغم من الضغوط التي تمارسها الدول العربية المعتدلة على الفلسطينيي للنزول عن شجر المقاطعة التي فرضها رئيس السلطة على جهود الوساطة الأميركية، وعلى ضوء تشبث أبو مازن بقرار عدم التعاون مع مبعوثي الرئيس في المنطقة بل وحتى مقاطعتهم، اتخذ الرئيس ترامب ورجاله قراراً بتقديم خطة السلام الإقليمية إلى الجمهور الفلسطيني وإلى الدول العربية، متجاوزاً رئيس السلطة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية المتمسكان بمقاطعة الجهود الأميركية لدفع عملية السلام.

دبلوماسي أردني بارز أكّد لـ "إسرائيل اليوم" أنه خلال جولتهما الأخيرة في الشرق الأوسط، قدم مستشار وصهر الرئيس ترامب، جاريد كوشنر، ومبعوثه إلى المنطقة، جايسون غرينبلات، لقادة الدول العربية – بينهم الرئيس المصري السيسي؛ والملك الأردني عبد الله؛ ومسؤولين سعوديين – مبادئ "صفقة القرن" التي تبلورها الإدارة في واشنطن. وحسب قول الدبلوماسيين العرب الكبار الذين تحدثوا مع "إسرائيل اليوم" وأكدوا هذا، كوشنر وغرينبلات حصلا على دعم الدول العربية المعتدلة لدفع عملية السلام حتى من دون أبو مازن والقيادة الفلسطينية في رام الله، وذلك من خلال "تحييد قضية قطاع غزة".

"نريد تسوية سياسية"

مصدر أردني رفيع المستوى أضاف أن الأميركيين أدركوا أن مفتاح دفع عملية السلام الإقليمية، حتى من دون موافقة أبو مازن وقيادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، يكمن في تسوية مسألة قطاع غزة والسيطرة عليه، الذي لم يكن بيد السلطة الفلسطينية لأكثر من عقد. الوضع الإنساني السائد في (قطاع) غزة يسبب الكثير من الصداع لقادة دول عربية معتدلة، المضطرين لمواجهة مشاكل داخلية ويرغبون في رؤية تسوية سياسية شاملة تؤدي إلى الرفع الحصار – ولو جزئياً – عن قطاع غزة وتحسين الظروف المعيشية فيه.

بحسب مصادر عربية مطلعة على الجهود الأميركية، فإن خطة تسوية واقع الحياة في غزة ستشمل في البداية اتفاق تهدئة طويل الأمد بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية. هذا الاتفاق، الذي سيتحقق بوساطة الدول العربية المعتدلة، يتضمن أيضاً تنفيذ سلسلة من المشاريع الاقتصادية وخطط إعادة إعمار قطاع غزة، بدعمٍ وتمويل من المنظمات الدولية والمجتمع الدولي، فضلاً عن إمكانية نقل السلع إلى غزة عن طريق البحر من خلال رصيف مخصص لغزة في أحد مرافئ قبرص، حيث تخضع البضائع المرسلة إلى قطاع غزة والخارجة منه لفحصٍ أمني.

مصدر أردني كبير قال لـ "إسرائيل اليوم" إن "خطة سلام إقليمية سيكون بالإمكان أن تخرج على حيز التنفيذ فقط إذا تضمنت تسوية واقع الحياة في قطاع غزة. لم يعد بالإمكان استمرار الحصار والإغلاق. القطاع على حافة انهيارٍ إنساني، وليس إسرائيل فقط ستدفع ثمن ذلك بل وأيضاً دول عربية وفي الأساس السلطة الفلسطينية. لشديد الأسف، في رفضه لكل خطوة بوساطة الولايات المتحدة، وفي تصريحاته عن مقاطعة الأميركيين، أبو مازن أخرج نفسه من نية إخراج خطة السلام بواسطة تسوية واقع الحياة في قطاع غزة إلى حيز التنفيذ".

مصدر مصري كبير أكّد هو الآخر أسس الأمور وقال لـ "إسرائيل اليوم" أن "ترامب ورجاله أثبتوا أنهم قادرون على التفكير خارج الإطار والإتيان بحلولٍ خلاقة. مبعوثا الرئيس ترامب عرضا في جولتهما الأخيرة في المنطقة مبادئ صفقة القرن، فيما في المقام الأول إخراج تسوية الواقع في غزة إلى حيز التنفيذ كخطوة مسبقة لخطة السلام الإقليمية. عملياً، أبو مازن والسلطة لا يحكمان قطاع غزة منذ أكثر من عقد، والخلاصة هي ان أي تسوية في القطاع ستكون في نهاية المطاف مع من يحكم على الأرض، أي حماس والفصائل الفلسطينية. الفكرة التي أتت بها إدارة ترامب عن تسوية في قطاع غزة أولاً تحظى بدعم وتأييد دول عربية".

بحسب نفس المصادر العربية المطلعة، فكرة تسوية واقع الحياة في قطاع غزة كجزء من خطة السلام الإقليمية - وكمرحلتها الأولى والرئيسية - تهدف لتمكين تنفيذ خطة السلام و"تسويقها" للجمهور الفلسطيني وفي الدول العربية، على الرغم من احتمال عدم تشكيل أبو مازن والقيادة الفلسطينية في الضفة الغربية جزءاً منها. وقالت المصادر "إن فكرة التسوية في قطاع غزة تشمل في الأساس تخفيف الحصار على قطاع غزة، إلى جانب تنفيذ عشرات المشاريع الاقتصادية التي خُطط لها بالفعل وخُصصت لها ميزانية، وهي تنتظر فقط الضوء الأخضر ".

"أبو مازن يجب أن يستفيق"

على ضوء كل هذا، قال مسؤول فلسطيني كبير في رام الله لـ "إسرائيل اليوم إن "هناك قلق وخشية في مكتب الرئيس من الخطوات التي يخطط لها ترامب... لقد سبق وثبت أن ترامب يعمل بطريقة دبلوماسية غير عادية. الدول العربية، وإيران وكوريا الشمالية، فهموا هذا، وحتى في أوروبا يسلّمون بهذا الأسلوب الدبلوماسي غير المعتاد للرئيس الأميركي".

"فقط أبو مازن بقي على رفضه، والشعب الفلسطيني سيدفع الثمن. هذه ليست القيادة التي أمّلها أبو مازن، وبالتأكيد هذا ليس الإرث الذي يريد أن يتركه وراءه، لكن يجب عليه أن يستفيق ويبدأ بالتساوق مع ترامب والدول العربية قبل فوات الأوان".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]