عقد المعهد الأكاديمي العربي للتربية في كليّة بيت بيرل يومًا دراسيًّا في التربية والثقافة العربيّة، وذلك في إطار برنامج دراسات اللقب الثاني في التربية والثقافة العربية في إسرائيل والذي يترأسه د. قصي حاج يحيى. وتضمّن اليوم الدراسي محاضرات وندوات وعرض دراسات أجريت ضمن البرنامج والتي تبحث في مختلف جوانب الثقافة العربية.

وقد توّلت عرافة اليوم الدراسي المعلمة حنين أبو خيط، طالبة سنة أولى في البرنامج، بحيث أكّدت على أهميّة هذا البرنامج في غرس وترسيخ التراث والهوية والثقافة العربية واكساب الاليات اللازمة لنقل ذلك إلى الطلاب وتذويته لديهم للتنشئة على هذه القيم.

وافتتحت اليوم الدراسي بروفيسور براخا البرت، عميدة كليّة التربية في الكليّة الأكاديميّة بيت بيرل، والتي شدّدت على أهميّة البرنامج وهو الوحيد في البلاد الذي يتيح دراسة الثقافة العربية بمستوى أكاديمي مرموق وتعزيزها بالذات في أوساط القيّمين على التربية والتعليم لتتمكن بالتالي من التغلغل في جهاز التربية والتعليم والطلاب والمجتمع ككل. من المهم وفق بروفيسور البرت أن يعرف الفرد تراثه وثقافته بعمق والا فحياته دون معنى. وأكّدت على الدور الهام الذي أخذته على عاتقها كليّة بيت بيرل عامةً وقسم التربية على وجه الخصوص في منح الثقافة العربية الحيّز المطلوب من أجل تعزيز المساواة والحياة المشتركة، فليس غريبًا أن يدرّس برنامج كهذا ضمن دراسات اللقب الثاني في كليّة بيت بيرل دون سواها، إلى جانب برامج ومشاريع عديدة أخرى بادرت اليها الكليّة في هذا السياق، كإقامة مركز للحياة المشتركة ومشروع تعليم اللغة العربية المحكيّة لمحاضري الكليّة على يد طلاب المعهد الأكاديمي العربي للتربية، اضافةً إلى المساقات العديدة في مجال التعدديّة والحياة المشتركة، وبشكل خاص هنالك مساق في الهوية العربية يدرسه كل طالب يهودي وعربي في قسم التربية، فمن المهم أن ينكشف كل مربي مستقبلي على هذه المضامين والمفاهيم.

وبدوره افتتح د. قصي حاج يحيى، رئيس برنامج اللقب الثاني في التربية والثقافة العربية في إسرائيل، كلمته ببشرى حصول البرنامج على التثبيت والمصادقة النهائيّة من قبل مجلس التعليم العالي، وقال إنّ الطريق إلى ذلك لم تكن سهلة على الاطلاق، فحين تمّ اقتراح البرنامج قبل نحو سبع سنوات تمّ رفضه ووضع العديد من العراقيل أمام إخراجه للنور، وكان مجرّد اسم البرنامج يثير الامتعاض والاستنكار في المحافل الأكاديميّة، الا أنّ الإرادة والإصرار الشديدين والمتابعة الحثيثة للموضوع والايمان بأهميّة هذا البرنامج كل ذلك ساهم في نهاية المطاف بالاعتراف بالبرنامج من قبل مجلس التعليم العالي واطلاقه إلى النور قبل أربع سنوات، وتخريج أفواج كبيرة من خرّيجي برنامج التربية والثقافة العربية على مستوى أكاديمي عالٍ جدًّا ومتميّز. ويلاقي البرنامج اهتمامًا كبيرًا في أوساط المنخرطين في مجال التربية. وشكر د. قصي حاج يحيى بشكل خاص د. علي وتد، مدير المعهد الأكاديمي العربي للتربية في كليّة بيت بيرل الذي قاد هذه المسيرة نحو الاعتراف بالبرنامج وحصده نجاحًا استثنائيًّا بحيث وفّر الدعم الأكاديمي والعاطفي واللوجستي طوال الطريق.

والقى بروفيسور خالد عرار، من المركز الأكاديمي أور يهودا، المحاضرة المركزية في اليوم الدراسي والتي تناولت الأبعاد الثقافية للقيادة التربوية في المدرسة العربية ما بين النظرية والتطبيق. وأشار بروفيسور عرار إلى المقالة الأخيرة التي أصدرها بمشاركة د. قصي حاج يحيى والتي تناولت الاسهام التربوي لأربعة علماء مسلمين، بحيث خلصا إلى أنّ كل نظريّة التعدّدية الثقافيّة التي يتغنّى بها الغرب في السنوات الأخيرة كانت قد نوقشت على يد علماء مسلمين منذ مئات السنوات. وأكّد بروفيسور عرار على أهميّة طرح الأسئلة التربوية والفلسفية من قبل المربين والقادة التربويين والبحث عن إجابات لها، مثل: إلى أين نقود؟ ما هي الهوية التربوية التي نقود لها؟ أين نحن من العولمة والجندر والاختلاف والتكنولوجيا والدين والعلم وغيره؟ ما الذي نريد تحقيقه من خلال التربية والتعليم؟ أين نحن من إرثنا التربوي؟ كيف نتعامل مع مشاركة التكنولوجيا لنا في العملية التربوية؟ وغيرها من الأسئلة التي من غير الخوض بها لا يكون لدينا مشروع تربوي ثقافي. كما تطرّق أيضًا لصفات القائد التربوي كالمشاركة والإيمان بالاداء الجماعي وتوزيع القيادة على الطاقم التربوي والعدل وأن يكون القائد نموذجًا ومثالا لما يعمل على غرسه وتعزيزه لدى الطلاب.

وبعد المحاضرة قدّم الموسيقي جورج يوسف سمعان معزوفة غنائيّة من التراث العربي، كما تحدث عن الموسيقى كغذاء للروح وأهميّة إيجاد التوازن ما بين احتياجات العقل والجسد والروح. وقال إنّ الفنان هو قائد روحي صاحب رسالة تلقى عليه مسؤولية كبيرة في توجيه عامّة الشعب والتأثير عليهم، وتحدّث عن السيّد درويش كمثال لقائد روحي ساهم من خلال فنّه في تحريك الجماهير نحو تحرير مصر من الاحتلال الأجنبي. ثمّ القت المعلمة فاتن قاسم قراءات شعرية من تأليفها.

وشاركت في الندوة الختامية المربية اعتدال عتيلي، بحيث عرضت دراستها حول التربية للقيم في جيل الطفولة المبكرة من قبل الأهالي، إذ أجرت دراستها بالاعتماد على المشاهدات التي قامت بها للأهالي عند إحضار أبنائهم للروضة صباحًا، فقد لفتها كيفيّة تعامل الأهل مع الأبناء عند بكائهم وعنادهم ورفضهم الدخول للصف ولاحظت سلوكيّات غير سليمة كإطلاق الوعود للأطفال أو إعطائهم الحلوى كمكافأة على دخولهم الصف وغير ذلك، وقد استفزّتها هذه المشاهدات فقرّرت اجراء دراسة في هذا الموضوع واجراء مقابلات مع الأهالي لفهم أبعاد الموضوع. وشدّدت على أهميّة منح الطفل حيّز وفرصة للتعبير عن نفسه وعدم كبت مشاعره وأهميّة الحوار معه، وهو أمر يكاد يغيب في ظل انشغال الأهالي في العمل والمسؤوليّات الأخرى.

وبدورها عرضت المربية مرام ناشف دراستها في مجال التوّحد ومدى احتواء الثقافة العربية للأطفال التوحديين، ونوّهت إلى أنّ الأهالي غالبًا ما يحاولون التعتيم على كون ابنهم توحديًّا وإبقاء ذلك سرًا خوفًا من نظرة المجتمع وهذا بالغ الخطورة، وتبيّن من دراستها أنّ هنالك نقص شديد في الوعي المجتمعي والمعرفة بشأن اضطراب التوّحد والأشخاص التوحديّين وهذا يدعو إلى القلق، ففي المجتمعات المتقدّمة يتم الاستثمار كثيرًا من أجل دمج الأشخاص التوحديّين في المجتمع واحتوائهم وتعزيز فرصهم في التعليم وسوق العمل. النقص في الوعي في هذا الموضوع لا يعود بالسلب على الأشخاص التوحديين فقط بل على المجتمع ككل، فالمجتمع المتقدّم يحتوي ويحتضن كل الفئات دون اقصاء لأي فئة والعكس يؤدّي إلى ضعف المجتمع وتهاويه. من هنا تأتي أهميّة نشر الوعي في هذا الموضوع لأنّ المعرفة تزيد من ثقافة المجتمع وتماسكه وبالتالي احتواء كافة مركباته.

وفي ختام اليوم الدراسي تمّ تقديم شهادات تفوّق لطلاب السنة الأولى المتميّزين في برنامج اللقب الثاني في التربية والثقافة العربية في إسرائيل وهم الفت ربيع ونسيم مواسي وعلي وتد.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]