راهنت المعارضة التركية على استغلال التراجع الاقتصادي وانخفاض قيمة الليرة التركية غير المسبوق منذ عدة سنوات، كأسباب للإطاحة بالسلطان أردوغان بعد دستة سنوات من اعتلائه سدة الحكم، وربما ساعدت بعض استطلاعات الرأي، وتحليلات بعض الكتّاب على مثل هذا الرهان الذي ثبت عدم صحته، بفوز أردوغان بفارق أكثر من عشرين نقطة عن محرم أنجه منافسه الأول للرئاسة من حزب الشعب الجمهوري وفوز حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه بالتحالف مع حليفه الوطني "حزب الحركة القومية" بأغلبية مقاعد البرلمان، ما يجعل أردوغان، دستورياً، قادراً على إملاء خططه وقراراته من دون أي إزعاج من هذا الطرف أو ذاك.
واقع الأمر، أن الرئيس أردوغان، كان حاكماً متفرداً متسلطاً على شؤون الدولة التركية، سواء كان في السابق رئيساً للجمهورية أو رئيساً للحكومة التركية، امتلك من كاريزما وقوة الشخصية وقدرته على التلاعب بالحلفاء والخصوم ما جعله عملياً، صاحب القرار الأول والأخير على الساحة السياسية التركية، داخلياً وخارجياً، ولم يمنحه التعديل في نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، إلاّ مساحة دستورية تظلل بها قدراته المتفردة وفي ظل سطوته وامتلاكه مفاتيح الحكم كقائد أوحد، حقق إنجازات بالغة الأهمية للدولة التركية، في طليعتها وضع سياسي مستقر في بلاد شهدت العديد من الانقلابات المستمرة في ظل دستور كان يسمح للمجلس العسكري بتحديد السياسات الأساسية للدولة التركية، فقد أطاح أردوغان بهذا المجلس وشكل مجلساً جديداً تحت سيطرته المباشرة. الانقلاب العسكري الوحيد الذي فشل في تركيا، هو الانقلاب ضد أردوغان، لكن هذا الإنجاز، نقل تركيا في واقع الأمر من عدم استقرار تحت ظل انقلابات العسكر، إلى استقرار تحت سطوة الإسلام السياسي، وانقلاب على قيم الدولة التركية الحديثة التي أقامها أتاتورك، وهنا يمكن الحديث عن الإنجازات الاقتصادية في ظل سطوة حكم أردوغان المتفرد، فقد نجحت تركيا في تحقيق إنجازات اقتصادية جيدة، رغم افتقارها إلى إمدادات الطاقة الداخلية التي اضطرت ولا تزال إلى استيرادها، إلاّ أن البعض يرى في هذا الإنجاز، باعتباره امتداداً لعلمانية الدولة التركية، ذلك أن أردوغان وحكوماته المتعاقبة لم تتورث أزمات اقتصادية جدية، مع أن تطور هذا الاقتصاد، يكتب لصالح جهود مثابرة من قبل أردوغان وحكوماته المتعاقبة.
انتقال مقاليد السيطرة على النظام السياسي التركي من العسكر إلى الإسلام السياسي، مهد الطريق لتدخل تركي واضح وواسع في المنطقة العربية، مع توازي هذا الانتقال مع "الربيع العربي" وتداعياته التي باتت معروفة في النطاق العربي، وباتت تركيا عامل استقطاب أساسياً في الساحات السياسية العربية، من خلال تدخلات مباشرة وغير مباشرة، تحتل أجزاءً من العراق وسورية، وتدعم هذه الدولة أو تلك في مواجهة دول عربية أخرى. الناظم الأساسي لهذا الحراك والتدخل، يتعلق بأيديولوجية الإسلام السياسي بالدرجة الأولى. خريطة التحالفات والخصومات تنطلق أساساً من عقلية الخلافة والخليفة وعودة "حديثة" لعثمانية جديدة، يلبس بها السلطان البزّة والبدلة بدلاً من القفطان والعمة.
وانطلاقاً من دور وتأثير الأردوغانية على الساحة العربية، تغيرت السياسة الخارجية للدولة التركية على الصعيد الدولي، فيما يشبه الانقلاب على تاريخ هذه العلاقات مع سنوات أردوغان الأولى في الحكم، فها هو يرسم سياسة جديدة بالتحالف مع روسيا، ليس فقط على الساحة السورية، ولكن امتداداً إلى اعتماد تركيا على السلاح الروسي إلى جانب السلاح الغربي، وها هو يتحول من داع بلا هوادة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلى علاقات متوترة مع الحلفاء التقليديين، في أوروبا كما مع إدارة ترامب، ودور المشاغب في إطار حلف الأطلسي.
تتبنّى الأردوغانية سياسة مساندة وداعمة للقضية الفلسطينية، مع اشتباكات سياسية مع الدولة العبرية، في ظل خطاب سياسي متشدد إزاءها، مع ذلك، فإن الاتفاقيات ذات الطبيعة الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياحية، لم تتأثّر عملياً بهذا الخطاب!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]