كتب: نصري الصايغ

العالم مريض. ديكتاتورية المال مخيفة. اقنعة “العرابين” تخفي ظهورهم العلني. نادراً ما يظهرون في وضح النهار. يحكمون من خلف الستار. اتباعهم هم من طبقة الرؤساء والوزراء والقضاة وقادة الامن وحكام البنوك المركزية. ليس لهم وجوه. يكتفون بتوجيه الحكم والاعلام والسياسة عن بعد. وإذا احتاجوا إلى تصفية ما، هناك من يقتل عنهم. يديرون دولاً وهم في الظل… هذا هو عصرهم وهذا هو العالم الذي باتت اكثريته من صنعهم.

الكذبة الكبرى، هو أن الناس لا تعرفهم الا من خلال “اعمال الخير” التي يجترحونها. يتكلمون بتهذيب بالغ. يتصرفون علناً بأساليب تعتني بالقيم والأخلاق. مقربون جداً من رجال الدين. ينفقون فتاتاً طائلة لدور الايتام والمحتاجين. يظهرون كالقديسين، والناس تشيد بكرمهم واخلاقهم وتضحياتهم ومساعداتهم.

هؤلاء القتلة المكتومون، يلعبون السياسة بالشطرنج. “كش ملك” على افواههم. يستبدلون رئيساً مطيعاً، برئيس أكثر طاعة. يغيرون سياسات وينخرون أنظمة. يشجعون حروباً. تفتنهم قرقعة السلاح. العنف المنتشر في العالم من صنعهم. الرأسمالية لم تعد متوحشة. صارت كارثة معممة. والا كيف نفسر انفجار دول وأنظمة ومؤسسات؟ والا كيف نفسر تكريس دونالد ترامب رئيساً على العالم بمنطق القراصنة؟ وانه لا يفكر الا بالمال ثم بالمال، وأولاً بالمال وأخيراً بالمال. والا كيف نفسر تراجع الديموقراطيات، على علاتها السابقة، وانتخاب رؤساء وتأليف حكومات لخدمة المصارف العاملة على تركيع الشعوب بالديون الالزامية، وسدادها المستحيل. اليونان نموذجاً.

وإلا، كيف نفسر اطاحة الرأسمال بالأحزاب التاريخية؟ أين اليمين واليسار، وتناوبهما على السلطة؟ كيف نحلل صعود الشعبوية ونجاح اليمين المتطرف في كثير من دول الاصالة الديموقراطية؟

صورة ترامب وهو يفرض خّوة على السعودية، نموذج يحتذى. صار نظام القرصنة سافر الوجه. عملية تشليح بلا قفازات. افرغت الامم المتحدة من قيمتها. كانت ملجأ للضعفاء. تم الاستغناء عنها. كانت فاشلة. تعكز على القضايا. صارت غير مقبولة. امامها الخيار: أما تطيع الرأسمال او يستغنى عنها. صورة العنف المتفجر والمشكلات البينية التي تفتك بالدول المتجاورة، تقرب الكرة الارضية من مناخ الحروب الكبرى.

“المال العربي” مباح. ظنت انظمة عربية أن الثروة النفطية، ستدعم جهودها في التنمية والتحرير وصناعة المستقبل. اضغاث سياسة. لا الانظمة عربية ولا الثروة عربية. والثروة ليست بالمليارات، بل بأكثر من ذلك بكثير. لهذا، يزداد تمركز الثروات، وتتقلص فرص العمل، وفرص التعليم، وفرص التقدم. افريقيا تدفع بمهاجريها البؤساء إلى “جنة اوروبا المحَّرمة”.

اوروبا تبحث عن ستار حديدي يحميها من المهاجرين والنازحين.

هؤلاء، ضحايا سياسات الاستعمار الاوروبي، وضحايا الاجتياحات الرأسمالية الواسعة. افريقيا، شعوب من الفقراء المحكومين بعصابات سياسية مصنوعة لخدمة الرأسمال الداخلي، وكيل الرأسمال العالمي. اوروبا خائفة على رساميلها من الحرب الاقتصادية الأميركية. انها تحصِّن نفسها برأسمالية اوروبية قوية. الموت للضعفاء.

لم يعد العالم يطاق. تراجعت منظمة القيم والحقوق والمبادىء. الشرعة الدولية لحقوق الانسان. ديست بالدولارات القذرة. الدول التي تشرفت سابقاً بصياغة الشرعة الدولية، تخلت عن انجازاتها. كل همها أن تحافظ على نقاوة “عرقها” الرأسمالي.

ولبنان، ليس بعيداً عن ذلك. مرسوم التجنيس تصيدته رجالات من ذوي الشبهات المالية. وفيما يتمتع صوت السياسيين بخطر التوطين، تقدم الجنسية للمتمولين على طبق من الدولارات. الموت للآخرين، واللعنة عليهم، لأنهم فقراء.

أما العنف المتمادي في المنطقة، في سوريا واليمن والعراق وليبيا والصومال والسودان ومصرو… فلولا التدفقات المالية، المنذورة للتدريب والتسليح، لما استمر إلى سنوات، بعدها سنوات.

ماذا تبقى للفلسطينيين؟

لعلهم الوحيدون الذين رأسمالهم الصبر والايمان والأرض. ومن كان هذا رأسماله، لا يخشى عليه ابداً.

على اللبنانيين أن يخافوا بشدة. لسنا اليونان. صح. ولكن حكام لبنان، منذ اوائل التسعينات، اوصلوا البلد، إلى أن يكون تحت رحمة الرأسمال الداخلي والخارجي، من دون قدرة على السداد، بسبب افلاسه الزراعي والصناعي والسياحي والخدماتي، واتكاله على تحويلات ابنائه من دول الرأسمال الخليجي. أما وقد تضاءل ذلك، فلبنان يصلي كي يستدين أكثر، من دون قدرة على السداد.

على لبنان أن يخاف كثيراً. الذين أفلسوا البلد، منذ ثلاثة عقود، عائدون ليحكموا بمنطق الاستدانة.

إن الجريمة تكتسح الكرة الأرضية.

ومن يحكم معظم العالم، اما مجرم او منفذ لأوامر اجرامية. وشفاء العالم قد يكون بعد فوات اوان السلم القائم ودخول العالم، مرة أخرى، في دوَّامة عنف متمادٍ وظلم أكثر تمادياً.

إن حصيلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، مخيفة.

وحكام الظلام، هم فوق المساءلة والمحاسبة.

تبـــــــــاً.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]