تصادف العام 2014 عن الحرب الإسرائيلية الثالثة على غزة، المعروفة بعملية "الجرف الصامد"، لكن العام ذاته كان السنوية الـ66 للنكبة، وفي 15 أيار من ذلك العام، سقط شابان فلسطينيان بالرصاص أمام سجن عوفر، غرب بيتونيا!
الشاب نديم نوّارة (17 سنة) من المزرعة القبلية، والشاب محمد أبو ظاهر (16 سنة) من أبو شخيدم سقطا شهيدين دون أن يشكلا خطراً على جنود إسرائيل، وفق "منّا حجر ومنكم رصاصة".
في سبعينية النكبة سقط عشرات الضحايا يفوقون المائة، ومرشحون للارتفاع، وفق: "منكم رصاص ومنّا حجارة".
لا أذكر أن ضحايا فلسطين سقطوا في خمسينية النكبة 1998، حيث ألقى عرفات خطاباً في ساحة المنارة، وكذلك ألقى محمود درويش خطاباً. كانت تظاهرات الذكرى النكبوية والاحتجاج سلمية وشعبية حاشدة، سواء في الضفة أو غزة.. أو حتى ما وراء "الخط الأخضر".
لو كان لي أن أطلق اسماً آخر على مسيرات "العودة الكبرى" لأسميتها من: "يوم الأرض".. إلى "يوم النكبة". فقط الطائرات الورقية المعبّأة بالوقود اجتازت السياج الفاصل، الذي يحمي جداراً إسمنتياً عالياً سيصبح، في نهاية هذا العام، جداراً تحت ـ أرضياً!
لو كنتُ مواطناً عربياً في إحدى دول الجوار المنكوبة بـ"الربيع العربي" لشعرت بشيء من الخجل، إزاء ما جرى في غزة هذا العام، وما قبله في سنوات الحرب الإسرائيلية الثلاث على غزة، وحتى في انتفاضة العام 2000 والعام 1987.
بعد حرب حزيران العام 1967، حيث تحوّلت حركة فدائيين فلسطينيين سرية إلى ثورة شعبية رافقت تحوّل حركة الفدائيين إلى حركة علانية، وصف جمال عبد الناصر الكفاح الفدائي بأنه: أنبل ظاهرة أنجبتها الأمة بعد هزيمة جيوشها.. ونُظُمها وشعوبها!

بعد سبع سنوات من "ربيع عربي" أدّى إلى انهيار جيوش ودول، وحروب داخلية بأحدث الأسلحة، تشكّل الحالة الفلسطينية شذوذاً عن حال الاحتراب الداخلي والإقليمي والدولي، في "دول الربيع"، إلى ظاهرة حرب وطنية، متعددة الأساليب، يخوضها الشعب الفلسطيني للتحرر من الاحتلال.
الجندي الإسرائيلي القاتل، الذي أطلق رصاصة الموت على ظهر الشاب نديم نوّارة، كذّب وحُوكم بعد أربعة أعوام من القتل، وحُكم بالسجن تسعة أشهر، وسيُنهي عقوبته في عام سبعينية النكبة، حيث لم يسقط جندي إسرائيلي واحد قتيلاً على سياج "مسيرة العودة الكبرى"!
منذ العام 2014 كتب إسرائيليون عن سيناريو قد يحصل في سنوية ما من سنويات النكبة، وفيه يحاصر آلاف الفلسطينيين مستوطنة يهودية معزولة في الضفة.
هذا السيناريو تحقق في قطاع غزة، ولكن قبالة جيش تجهّز وأعدّ للأمر عدّته، ولن تشكل إسرائيل لجنة تحقيق في تعليمات فتح النار، كما لن تتعاون مع لجنة دولية يشكلها مجلس حقوق الإنسان، وهي لم تتعاون مع لجنة غولدستون التي حققت في حرب "الرصاص المصبوب" 2008، وسقط 1468 ضحية في حرب "الجرف الصامد" 2014، مقابل عدد قليل من الجنود.
يقول فرانز فانون إن الشعوب المضطهدة، عندما تثور من أجل حريتها تسفك من دمها ما يعادل مهرها ودموعها قبل الثورة بما في ذلك العنف الداخلي المرافق لثورتها التحررية!
العلم الفلسطيني وحده هو الذي كان علم مسيرة العودة، كما أن "النكبة" صارت عالمياً في وزن متداول يقارب لـ"الهولوكوست".
الفلسطينيون، في نضالهم العنيد والطويل، يترنّحون بين طقس بطولة فريدة وعنيدة، ومناخ كربلائي من المجازر المتلاحقة. إذا كان "الهولوكوست" أنتج "دولة إسرائيل"، فإن النكبة بلورت عرب فلسطين شعباً، كما أن نكسة حزيران النظامية العربية، جيشاً ونظماً، جعلت أرض فلسطين ساحة واحدة في الضفة وغزة وما وراء "الخط الأخضر" من الفلسطينيين.
بينما ينفرط عقد دول عربية مجاورة، بفعل "الربيع العربي" وانحرافاته، فإن الشعب الفلسطيني يسعى إلى إقامة دولته الوطنية الخاصة به، بينما يتعرض الشتات الفلسطيني في دول الجوار العربي إلى الانكماش والتهجير والاضطهاد.

نعم، كانت النكبة وخيمة العواقب، وكذا النكسة، والحروب الأهلية الفلسطينية ـ العربية، وحتى أوسلو موضع نقد وسجال.. لكن "عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم". الشعب الفلسطيني شعب حيّ، والضربة التي لا تقتلني تُقوِّيني. إسرائيل الدولة المحاربة، والفلسطينيون الشعب المحارب في قبالتها.

"نورمال"!
الرئيس أبو مازن ليس شاباً، وقد يقول طبيب بعد وعكة عارضة لأحد الشباب إن صحته مطمئنة أو جيدة، لكن للعمر حقه كما للمسؤولية الثقيلة حقها.
يكفينا للاطمئنان أن يُقال إن صحة الرئيس طبيعية نسبة لعمره، أو عادية "نورمال"، كما يقول لي د. محمد البطراوي بعد كل فحص دوري شامل!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]