ثلاث سنوات هي مدة أكثر من كافية لتقييم أداء القائمة المشتركة ومركباتها، وهل هي فعلا جديرة بأصواتنا، وخاصة أن الحديث عن مركبات من المفترض أنها تملك ما يكفي من الخبرة السياسية البرلمانية والجماهيرية بحكم السنوات الطوال من جلوس مركباتها على كراسي الكنيست الإسرائيلي.

لقد أكدنا في الماضي، ومنذ بدء الحديث عن ضرورة توحد القوائم العربية تحت سقف واحد مشترك، على أن هذا التحالف هو غاية وطنية وسياسية عليا وضرورية مستبشرين خيرًا بعد فترة طويلة من هدر الطاقات والعداء بين مختلف أحزاب وقوائم هذه الأقلية القومية الأصلانية التي تصارع البقاء في نظام يميني فاشي متطرف، وتواجه قضايا وجودية تحدد مجرد وجودنا هنا في وطننا.


كما أكدنا مرارًا وتكرارًا بأن هذه الغاية السامية لا يمكنها أن تتحول إلى آلية نضالية مجدية إلا إذا استندت على رؤية استراتيجية نضالية واضحة وجامعة، وتبنت جميع مركباتها برامج عمل نضالية وأهداف واضحة على مستوى العمل البرلماني والجماهيري. هكذا تمنينا جميعا وهذا ما اردناه للقائمة المشتركة. مرت السنين وها نحن نقترب من دورة انتخابات برلمانية جديدة، فتبعثرت الأماني والآمال وبقينا مع خيبة الأمل والواقع المرير الذي تواصل هذه المشتركة إعادة انتاجه يوميًا.

ثلاث سنوات ولا يمكننا اليوم الإشارة إلى إنجاز واحد ملموس حققته القائمة المشتركة. ثلاث سنوات ونحن نشهد الملاسنات بين مركبات هذه القائمة، وبيانات الاتهامات النارية المتبادلة بين مركباتها. وفي حين واصلت الحكومة الإسرائيلية ومؤسساتها الانحدار السريع نحو فشستة النظام والإعلام والمجتمع، انشغلت مركبات القائمة المشتركة في التقاتل بين الفرقاء وتبادل التهم، ولم تنجح في توحيد مركباتها حول استراتيجية نضالية مجدية.

ثلاث سنوات ونحن نشهد تحول العمل السياسي البرلماني والقومي إلى حرب شعارات رنانة وعمل عشوائي عرضي، ومسابقة حول النجومية، التي هي أشبه بالتهريج والبهلوانية، بين بعض مركباتها، ولعبة كراسي فاضحة ومخزية. فلا رؤية جامعة حول سبل وآليات النضال المحلية، ولا استراتيجية لإنقاذ مجتمعنا من العنف الدموي، ولا استراتيجية لحل مشاكل الأرض والمسكن، ناهيك عن غياب رؤية واضحة وأهداف متفق عليها لمواجهة المد الإسرائيلي العنصري والفاشي.

فهذا هو الحال عندما تغيب الأفعال والإنجازات. فعندما يغيب الفعل يكثر الكلام ويكثر اللغط. ثلاث سنوات ومركبات القائمة المشتركة منشغلة في صراعات داخلية على المنصات والمنابر، وفي لعبة الكراسي، وفي المواقف المتناقضة حول المأساة السورية، وبين هذا وذاك انشغلت مركباتها في تسويات حول مستقل ضمان كراسيها في الانتخابات القادمة، وفي البحث عن حلفاء جدد وكأنها تعلن وفاة هذا المولود مسبقا.
وفي ظل غياب الرؤية الاستراتيجية الناجعة والاتفاق على أهداف وسبل النضال، وهيمنة العمل الفردي العشوائي اللامجدي، لم نهدر جميع الفرص المحتملة لتحقيق أي انجاز وتوفير أي حل لمشاكل مجتمعنا الوجودية فحسب، بل تم فقدان البوصلة الكفاحية وتمييع النضال الجماهيري.
خلال هذه الفترة واجه مجتمعنا، وما زال، أزمات داخلية عديدة وسياسة عنصرية فاشية، تهدد مجرد وجوده، ولم تنجح القائمة المشتركة (وربما لم تحاول أصلا) بالنهوض في النضال الجماهيري الشعبي الذي تراجع كثيرا خلال هذه الفترة وكاد أن يختفي تماما عن المشهد النضالي.
القائمة المشتركة كانت نتاج مباشر لرفع نسبة الحسم، أي بسبب تخوف جميع مركباتها من عدم قدرتها متفرقة على اجتياز نسبة الحسم وبالتالي خسارة التمثيل البرلماني، أي خسارة الكرسي، ولكنها بدل استغلال الفرصة (المفروضة عليهم ليس بخيارهم) كرافعة لتوحيد العمل النضالي والنهوض به، اكتفت بفرصة ضمان الكرسي لهذه الدورة.

حان الوقت لإعلان فشل هذه التجربة على جميع الأصعدة، ونعي هذا المولود الذي ولد ميتا. نعم، القائمة المشتركة لم تعد تستحق أصواتنا، وهذا ما يجب قوله صراحة. فالقيادة التي تصر على الفشل وقطع شعرة التواصل ببنها وبين شعبها، لا تستحق هذا المنصب.
حان الوقت للبحث عن بديل جديد، عن قيادة تمتلك الشجاعة والقدرة على وضع رؤية نضالية استراتيجية وأهداف وغايات واضحة وجامعة للنهوض بشعبنا وانقاذها من أزماته الوجودية.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]