رجل الإعلام القديم حاييم زيسوفيتش قرر الغاء اشتراكه في صحيفة “هآرتس”،وحسب تغريدته على تويتر، فهو ليس مستعدا أن يموّل راتبي جدعون ليفي وروغل ألفير، بسبب مقالاتهم في الصحيفة.
مؤسف أن يقوم زيسوفيتش بوقف اشتراكه، لكن لماذا إدخال بعد لاساميّ مرفوض في تصريحه هذا؟ حيث يمكننا أن نفهم أنه اذا قمت بمس جيب اليهودي – عندها فهو مستعد على يبيع أمه. وأكثر من ذلك، كيف سيشعر شخص صاحب رأي مخالف، إذا قلت له: سأجعل شحاذًا بسبب مواقفك؟
مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن زيسوفيتش قبل إلقاء القنبلة حرص على أن يوضح بأنه ملتزم بحرية التعبير، وحتى أنه مستعد لـ “أن يحارب، وإن لم يكن حتى قطرة دمه الاخيرة من أجل حق جدعون ليفي في أن يكره النشيد الوطني، وحق ألفير في الكتابة أن موت طلاب المدرسة العسكرية التحضيرية ليس عزاء وطنيا”. أجل، هو سيحارب لضمان حق ليفي وألفير في التعبير عن آرائهم ولكن ببطون فارغة.
أنا أيضا سأحارب لضمان حق زيسوفيتش في معارضة مواقف ليفي والفتر، لكن لماذا يذكرنا بأنه هو وباقي الأثرياء، هم الذين يمولون الصحيفة، وهم مانحو مصدر رزقهم؟
ومن هنا أقول لكتاب “هآرتس” المحترمين: في كل مرة تكتبون فيها أمورًا لا تناسب رأي هذا الثري – أي زيسوفيتش وأمثاله – فهو يناضل من أجل ضمان حقكم في الكتابة، لكنه سيعمل على تجويعكم. والآن بدون دعمه سنرى كيف ستقومون بشراء الحليب لاولادكم. يجب على كل كاتب أن يسوي نفسه مع التيار، وعليه التوقف عن أن يكون نفسه، والتوقف عن التمسك بمواقفه، من أجل لقمة العيش. واذا لم يكن الكاتب نفسه- فما الذي يبقى منه، سوى فقرة في النشيد الوطني؟
لذلك، لا حاجة أن يحارب زيسوفيتش من أجل حق ليفي والفر للتعبير عن آرائهم، ليس حتى قطرة الدم الاخيرة ولا حتى قطرة واحدة. فقط عليه أن يواصل اشتراكه في الصحيفة، وإلا فان اقواله لصالح حق الآخرين في التعبير هي بمثابة شعارات فارغة.
أنا أحاول تخيل عالم الصحافة بدون الفير وليفي وامثالهما، وأرى أمام ناظري عالمًا مقفرًا، حيث مساحة النقد فيه ستكون ما سيجار بنيامين نتنياهو وشمبانيا سارة نتنياهو. هل هذا الأكواريوم الذي علينا أن نعبّر عن انفسنا فيه؟ وهل من لديه فكرة ابداعية، مكانها ليس في مملكة الاكواريوم، وعليه البحث عن وظيفة اخرى؟.
كيف يمكن مثلاً تناول ما جرى يوم الخميس الماضي، حيث قُتل عشر فتيات وفتى، الامر الذي أثار الألم الشديد في قلوبنا جميعا، عرب ويهود، فقط من زاوية “الإهمال”؟ ولماذا إذا قال شخص ما كلمة أبعد من ذلك، فذلك يعتبر تحديا لمشاعر الجمهور؟
يبدو أن هناك من نسي أن وظيفة كاتب الاعمدة هي تحدي المجتمع النظام بأفكار إبداعية، وإذا لم يقم بذلك فهو سيكون ليس أكثر من شاعر بلاط.
أنا، على سبيل المثال، وأنا حذر جدا لأن الألم ما زال كبيرا، أسأل، امام الحقيقة أن الجميع تقريبا شككوا في حكمة القيام بهذه الرحلة، كيف أنه لا أحد – لا الأهل ولا الطلاب ولا المرشدين – رفض المشاركة فيها، أو رفض اشراك إبنه/ ابنته؟ هل هذا الامر لا يجب أن يقض مضاجع المجتمع الاسرائيلي اليهودي؟.
أجل لقد قام زيسوفيتش بخطوة صغيرة في منحدر ترويض وسائل الإعلام الاسرائيلية، ولكن هذه الخطوة كبيرة نحو إعلام مناسب لدول الديكتاتورية، التي حظينا بها أيضا في الشرق الاوسط. دول فيها كاتب المقال الجيد هو من يعرف التملق جيدا.
توجه زيسوفيتش يقطع الغصن الذي تجلس عليه الديمقراطية، لكن هذا لا يمنعه هو وآخرين مثله من مواصلة البكاء على أن الوضع ليس جيدا.
نشر في هآرتس أيضًا


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]