عندما شاهدت الطفل اليمني سميح، وهو يحتضن جثة والده الذي قتل في مجزرة استهداف طيران التحالف السعودي، لحفل زفاف في قرية الراقة بمديرية بني قيس بمحافظة حجة والتي خلفت 33 قتيلاً و55 جريحاً، شاهدته وسمعته كما شاهده وسمعه ملايين الناس، وهو يولول ويردد مئات المرات كلمة " لا"، رافضا الانفصال عن جثة والده الى أن أنهكه البكاء والحزن والغضب.

أقض مضجعي ذاك المشهد وأثارغضبي كما كان حال كل من شاهده على ما أظن، وقلت أخيرا سيسرع أعضاء مجلس الأمن الدولي الى عقد اجتماع عاجل للمجلس، واتخاذ قرار بالاجماع يدين فيه العدوان السعودي على اليمن، ويدعو الى وقفه وارسال البعثات الانسانية لانقاذ أهالي اليمن الواقعين تحت عدوان سعودي همجي منذ ثلاث سنوات، وتوهمت أن مجلس الأمن سيهدد السعودية أنها اذا لم تكف عدوانها على اليمن سيوجه لها ضربة عسكرية رادعة، على غرار الضربة التي وجهت لسوريا مؤخرا.
وتوقعت أيضا أن تسارع " جامعة الدول العربية " الى عقد اجتماع قمة طاريء أو على مستوى وزراء الخارجية على الأقل، ودعوة السعودية لايقاف عدوانها على شعب شقيق تحرمه المواثيق الدولية فما بالك العربية؟! تخيلت الرؤساء العرب أو وزراء الخارجية على الأقل يتناوبون على القاء كلمات الادانة والدعوة الى أنقاذ أطفال اليمن من مضاعفات الحرب، من أمراض وتشوهات واصابات مستدامة وموت مأساوي مؤكد.
وبعدما خابت ظنوني وتبددت توقعاتي وتبخرت أوهامي.. تذكرت واستدركت وتأكدت بأن الطفل سميح ما هو إلا طفل يمني من أبناء اليمن التعيس، ولا يفطن به أحد ولا يلتفت اليه أي مسؤول. فهو ليس طفلا سوريا تستغله عصابة "القبعات البيض" السوداء والموجهة من أجهزة غربية، جاءوا به وأرغموه على المشاركة في الفيلم العبثي " في انتظار الكيماوي"، غسلوا له رأسه بالمياه بأيد عارية، وأجلسوه مذهولا مرعوبا من المشهد الذي أقحم به عنوة، وتنادى مجلس الأمن والجامعة المستعربة وتباكوا على أطفال سوريا الذين يبادون بالكيماوي المزعوم، وشنت دول الاستعمار الغربي الغارات على مواقع سورية، كل ذلك استكمالا لأكذوبة كبيرة أطلقوها ووقع الناس ضحية تلك الأكذوبة، كما سبق وصور لنا ذلك الرحابنة منذ عشرات السنين في مسرحيتهم الخالدة "لبياع الخواتم"، حيث جاءوا بالحرامي الأكذوبة راجح ليخيفوا به الأهالي، الذين انطلت عليهم الأكذوبة وأخذوا يتعاملون معها على أنها واقع حقيقي.
وبعدما خابت ظنوني وتبددت توقعاتي وتبخرت أوهامي.. تذكرت واستدركت ثانية أن الطفل اليمني لن يكون حاله أفضل من حال الأطفال والشبان الفلسطينيين في قطاع غزة، والذين يتم اصطيادهم برصاص قناصة جيش " الدفاع" الاسرائيلي.. وأنه لن يخرج أحد في الغرب أو العرب ليحتج على هذا القتل الممنهج. فالشبان الفلسطينيون يقتلون بجيش مسكين يقوم بالدفاع عن دولته وشريط حدوده المهدد وعن أمن مستوطناته، ولو أنهم يقتلون من قبل " رئيسهم" أو "جيشهم" لكانوا شاهدوا حملات التضامن معهم وسمعوا عن اصدار القرارات الدولية والعربية والمظاهرات والبيانات الحزبية المنهرقة على الشعب الذي يقتل بأيدي رئيسه المجرم. لكن قتل الشبان بسلاح جيش أعدائهم فهو أمر حلال، لأنه يدخل في باب الدفاع عن النفس أمام العدوان الشبابي في قطاع غزة، الذين يستعملون وسائل ارهابية وأدوات محرمة دولية من اطارات وعصي وحجارة وأعلام.
وهكذا ستبقى أيها اليمن السعيد، تعيش في تعاسة طويلة، طالما أن آل سعود يدافعون عن أطفال سوريا ويمدون العصابات الارهابية بالمال والعتاد، ويمدونكم بالقنابل والصواريخ والطائرات الحربية، والعالم الغربي يصفق لهم وأمريكا تستنزف أموالهم، وكي تتخلصوا من واقعكم الأليم ما عليكم سوى أن تستبدلوا اسم بلادكم اليمن باسم آخر وهو سوريا!
( شفاعمرو/ الجليل)
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]