لم يعد السؤال اليوم: هل ستضرب واشنطن وحلفاؤها الغربيون وعلى رأسهم لندن وباريس دمشق؟ وإنما أمسى السؤال: متى ستنفّذ الضربة؟ وما هو حجمها؟ وهل ستؤدي إلى مواجهة حقيقية مع روسيا؟ وإذا ما وقعت، فكيف ستكون ملامحها؟ وهل ستتدحرج المواجهة لنصبح على شفير حرب كونية ثالثة؟

أسئلة خطيرة تثيرها الأزمة السورية بأبعادها كافة، فلم تعد الأزمة في سورية حرباً بين نظام ومعارضة، وإنما تعدّت ذلك بكثير لتصبح ساحة متقدمة للاعبين دوليين، الأساس فيها الهيمنة القائمة على مبدأ القوة.

في سورية وضع غير عقلاني لا يخضع لتفسير منطقي، الحراك العالمي الخطير الذي يهدد فعلاً السلم العالمي جاء بشكل فجائي تحت ذريعة استخدام سلاح كيماوي في الغوطة الشرقية.. عدد القتلى في هذه الجريمة 40 شخصاً.. فهل هذا العدد من الضحايا يمكن أن يتسبب بتعاظم الأزمة العالمية بين القوى العظمى.
لا شك في أن قتل الشعب السوري بسلاح كيماوي جريمة كبرى، ولكن إذا ما نظرنا لبداية «النكبة» السورية، فإن مئات آلاف المدنيين قد قضوا بأسلحة القوى العظمى والإقليمية الغربية والشرقية التي تتشابك اليوم من أجل مصالحها، وليس من أجل الشعب السوري المهجّر والمقهور.
قتل وأصيب أكثر من مليون سوري خلال سنوات الحرب الدامية بأسلحة أميركية وأوروبية وروسية وحلفاء هذه القوى في المنطقة، بل الأكثر من ذلك أن القوى العظمى اتخذت من المشرق العربي ساحة لتجربة أسلحتها الذكية والفتاكة.
وكأن المواطن السوري يصرخ اليوم.. ليس بأي سلاح أقتل.. ولكن لماذا أقتل؟ فما الفرق بين طفل يُقتل بقذيفة دبابة، أو برصاصة متفجّرة، أو ببرميل متفجّرات يلقى من مقاتلة تابعة لتلك الدولة العظمى أو منافستها. في النهاية الفعل واحد وهو القتل والموت للشعب السوري.
طبول الحرب تُقرع في مختلف العواصم الكبرى ابتداءً بتغريدات الرئيس الأميركي الشعبوي، الذي لا يفكر للحظة وهو يكتب تغريداته ويضغط «زر الإرسال» في هاتفه، ليعيش العالم في دوامة من الشك والريبة.
لم تكن العلاقات الدولية قائمة على حد السيف كما هي اليوم، فقد أمست ربما أسوأ من مرحلة «الحرب الباردة» في خمسينيات وستينيات القرن الماضي وحتى نهاية الثمانينيات مع تفكك الاتحاد السوفياتي.
لا يُعقل لرئيس أكبر قوة في العالم أن يغرد باستهزاء «صواريخنا الذكية قادمة يا روسيا»؟! وفي المقابل يأتي الرد الروسي بأن «الرد سيكون قاسياً وغير متوقع».
ترامب يعيد حساباته ويجتمع مع مستشاريه للأمن القومي ليكون في تصريحاته الجديدة أقرب للعقلانية.. الدول الأوروبية مع ردّ على ما تسميه الهجوم الكيماوي، ولكن التردّد والحذر الشديد من تدحرج كرة المواجهة خشية أن يصلها لهيب الحرب.. يجعلها متأنّية كثيراً.

طبول الحرب لا تُقرع فقط في سورية، فمداها يصل إلى إيران واليمن والعراق.. وبهذا تصبح المنطقة كلها على صفيح ساخن.
العرب ليسوا لاعبين في هذه المواجهة، وإنما مفعول بهم وتابعون لقوى شرقية أو غربية، وبهذا العرب ضائعون وضعفاء وليس لهم أي أثر.
الأيادي التي أشعلت النار السورية قبل سنوات تعاني من النتائج الكارثية للأزمة السورية.
مما لا شك فيه أن هناك نظاماً ديكتاتورياً غير قادر على مراعاة مصلحة شعبه حتى لو دُمّرت سورية عن بكرة أبيها، وهو أيضاً، شريك كما المعارضة في تدمير سورية القومية.
في سورية حرب بين عرب وعجم وفرنجة ومغول جدد وبرابرة وتكفيريين باسم الرب.. ولكن الدم السوري هو من يدفع ثمن هذه الحرب.. في الوقت الذي تنظر فيه إسرائيل بارتياح تام إلى ما يجري.. وربما ينظر إليها البعض اليوم على أنها حليفة وليست عدوّة.
الاحتلال الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر مما يدور في سورية، وفي المنطقة.
ما زلنا نسمع جعجعة السلاح الإعلامي، ولكن هل ستكون هناك مواجهة أو حرب روسية ـ أميركية؟ الجواب: المواجهة أمر مستبعد، لأن الطرفين يعرفان ميزان الردع والخسارة.. وبالنسبة لهما فليذهب العرب والسوريون إلى الجحيم.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]