موقف الدولة المصرية الرسمي من الأزمة السورية، يتّفق مع الوعي التاريخي بالدولتين، فدائماً وعبر التاريخ، كانت مصر وسوريا تتّحدان عندما تتجمّع المخاطر، ودائماً ما كانت الشام ومصر ينتصران في أوقات الشدّة، وهو ما يتّفق مع الموقف المصري الرسمي، سواء قبل أو بعد ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2015، حتى اليوم، ما عدا فترة حُكم الإخوان المسلمين، عندما قطع الرئيس محمّد مرسي العلاقات مع سوريا علانية في مؤتمر نصرة سوريا يوم 15 حزيران/يونيو 2013، وطلب من وزير الدفاع وقتها الفريق أول عبد الفتاح السيسي تدريب عناصر من المعارضة السورية، وهو ما رفضه الفريق، ورفضه باقي قيادات الجيش المصري، فحسب عقيدة الجيش المصري أن الجيش السوري هو الجيش الأول للجيش المصري، ومازال الموقف المصري داعماً للنظام السوري، ولو في صورة بيانات سياسية تحرص على تأكيد أهمية الحل السلمي السياسي في سوريا، ويتناغم ذلك أيضاً مع موقف الإعلام المصري، فالكل حريص على وحدة التراب السوري، لأن سوريا جزء لا يتجزّأ من الأمن القومي المصري، وليس ذلك فقط، بل هو يتّفق مع الموقف الروسي.

الموقف الروسي كما لا يخفى داعم أساسي للدولة السورية، ويتعارض الموقف الروسي المصري مع المواقف الأميركية والسعودية والأوروبية بالإضافة إلى تركيا وقطر، وهو ما يُدهِش كثيرين، عندما تتعاون مصر مع السعودية أو أميركا، ولكنها لعبة السياسة التي تلعب فوق الحبال، على أن ذلك يُعيد لعبة التوازن التي يلعبها بوتين والسيسي.

الرئيس الروسي أعاد الهيبة للدولة الروسية، وفرض واقعاً دولياً جديداً، منع أحادية القطب الواحد الأميركي، والرئيس عبد الفتاح السيسي تمكّن من حماية الدولة المصرية من الفوضى والتفكّك والإرهاب، ويعتبر بوتين والسيسي أن وجود الرئيس بشّار يحمي الدولة السورية، مع العِلم أن روسيا عانت وعادت مبكراً حركات الإسلام السياسي، وذلك قبل أن تُعاديها الأنظمة العربية ذاتها، فأصدرت محكمتها الدستورية العليا حكماً باعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في عام 2003، في وقت كان فيه هذا التنظيم يحظى بدعم الولايات المتحدة ودول عربية وإقليمية، خاصة أن روسيا عانت من الإرهاب في داغستان والشيشان، وترى ضرورة منع عودة الإرهابيين إليها بعد هزيمتهم في سوريا وليبيا وغيرهما، وهو ما يتفق مع الرؤية المصرية.

كما أعلن الرئيس الروسي في آخر زيارة له إلى القاهرة في كانون الأول/2017 أنه اتفق مع الرئيس عبدالفتاح السيسي على تعزيز التنسيق بين البلدين للمساعدة على تسوية النزاع في سوريا، واتفق معه على تعزيز التنسيق بهدف المساعدة على تسوية سياسية طويلة الأمد للأزمة في سوريا، وهو يعني اتفاق وجهة النظر للرئيسين على أن سوريا هي المحطة المهمة لكبح جماح المؤامرة الأميركية/الصهيونية على المنطقة، ومن يدري ما سوف يحدث في المستقبل القريب جداً..

إن العلاقة بين روسيا ومصر تتّفق مع الرؤية العربية والإسلامية عموماً، فروسيا لا يوجد لها صراع حضاري مع المسلمين تاريخياً، مثلما حدث مع الغرب الأوروبي في الحروب الصليبية التي دامت مائتي عام، وروسيا هي التي دعمت موقف مصر في حركة علي بك الكبير(1728 - 1773) الاستقلالية عن الدولة العثمانية، ثم محمّد علي وأولاده من بعدهأ بداية من عام 1805. وفي القرن العشرين، تميّزت العلاقات بين روسيا ومصر أثناء الاتحاد السوفياتي، ففي عام 1943 في العصر الملَكي، اُفتتحت أول سفارة لمصر في موسكو، وسفارة للاتحاد السوفياتي في القاهرة وقنصلية عامة في الإسكندرية، ومنذ ذاك الحين، بدأت شراكة ممتدة بين الطرفين على جميع الأصعدة، أسفرت عن توقيع أول اتفاقية اقتصادية لمُقايضة القطن المصري بحبوب وأخشاب سوفياتية، ثم وصلت العلاقات الثنائية إلى ذروتها في خمسينات وستينات القرن الماضي، في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إذ ساعد الخبراء السوفيات في إنشاء المؤسّسات الإنتاجية في مصر، مثل السد العالي في أسوان، ومصنع الحديد والصلب في حلوان، ومجمّع الألومنيوم في نجع حمادي، ومد خطوط كهربائية بين أسوان والإسكندرية، فضلاً عن إنجاز 97 مشروعاً صناعياً، وتسليح الجيش المصري.

كما دعم الاتحاد السوفياتي القضية العربية المركزية في فلسطين، وأسهم في دعم سوريا أيضاً، أي أنه دعم قوّى المقاومة العربية ضد الكيان الصهيوني، ثم فترت كل تلك العلاقات منذ عصر الرئيس السادات، بعد أن اعتبر أن 99% من أوراق القضية الفلسطينية في يد الولايات المتحدة الأميركية، كما انحاز حسني مبارك ضد الاتحاد السوفياتي في الحرب الأفغانية بداية من العام 1979، وهي الحرب التي أسهمت في تفكيك الاتحاد السوفياتي ثم ظهور الاتحاد الروسي، وظل الموقف على ما هو عليه، حتى وصول السيسي إلى سلطة الحُكم.
بدأ السيسي في تنويع السلاح، حتى لا يعتمد على السلاح الأميركي وحده، فعقد السيسي اتفاقيات عسكرية واقتصادية، واتفقا على وحده التراب السوري وأيضاً موقفهما واحد في ما يتعلّق بالمشكلة الليبية، وقضايا دولية أخرى، تتّفق فيها الرؤى، فهما إذن يتعاملان في واقع دولي مُتشابك الأطراف مُتعدّد الهواجس السياسية والعسكرية على السواء.

وهو ما قد نغفر لهما عدم وجود ديمقراطية كافية وتداول سلطة في البلدين، مع العلم أنه لا توجد ديمقراطية في العالم، حتى في الداخل الأميركي، توجد ديمقراطية الرأسمالية المتوحّشة، التي ليس فيها عدالة جغرافية، ولا مساواة سياسية، كلها دعايات غربية، من دول تُنادي بالحرية، ثم تنتهك الشعوب وثرواتها..
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]