يوم الأرض الخالد، المناسبة السنوية التي توحّد الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده، وفيها يتم تجاوز الحزبية والفئوية البغيضة، ليكون الشعار "فلسطينيون" فقط.

في الثلاثين من آذار 1976 روت دماء 6 فلسطينيين أرض الجليل والمثلث في مظاهرات امتدت إلى النقب والضفة الغربية وقطاع غزة دفاعاً عن الأرض في وجه سياسة الاحتلال العنصرية القائمة على المصادرة والتهويد.

مرت 42 سنة على يوم الأرض، وفي كل سنة تنير دماء الشهداء الطريق المظلم من جديد في هذا اليوم.
يوم الأرض هذا العام جاء في ظل محاولات دولية وإقليمية لإزاحة القضية الفلسطينية جانباً من خلال طرح حلول معوقة ومشوهة لن تؤدي إلاّ إلى مزيد من القتل والخراب في المنطقة.

مسيرات العودة حملت أكثر من رسالة على الرغم من الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الفلسطيني 15 شهيداً وأكثر من 1400 مصاب في قطاع غزة حتى كتابة هذه السطور.

الرسالة الأولى: أن حق العودة سيظل أصيلاً وعصياً على محاولات التطويع أو الإلغاء والتشويه. فالأجيال اللاحقة لم تنس حق آبائها وأجدادها في أرضهم التي هجروا منها بعد مسلسل القتل والإرهاب ومحاولات إلغاء قضية اللاجئين من خلال الضغط المالي وتصفية "الأونروا" تدريجياً، وسيبقى اللاجئون جيلاً بعد جيل أمناء على حقوقهم وعلى أرضهم المسلوبة.

الرسالة الثانية: مسيرات العودة أكدت من جديد ألا أحد قادراً على تجاوز الشعب الفلسطيني، حتى ولو كانت أميركا نفسها. إدارة ترامب التي حاولت منذ تسلمها السلطة إخضاع القيادة الفلسطينية، وجرها إلى متاهات تسوية هي أقرب إلى التصفية.. اليوم يظهر فشل سياستها بشكل مطلق.. فلا أحد يمكنه أن يوقع بدلاً عن الشعب الفلسطيني أو يتحدث باسمه. حتى أصدقاء ترامب الذين وعدوه ربما بقدرتهم على الضغط، هم الآن أيضاً غير قادرين على تجاوز الشعب الفلسطيني، بل العكس هناك إجماع على أن القضية الفلسطينية لا تحل إلاّ بموافقة الشعب الفلسطيني.
الرسالة الثالثة: هي إلى الأحزاب والحركات والقوى الفلسطينية والتي تؤكد فيها هذه المسيرات أن القوة الحقيقية تتمثل في الشباب والأطفال والشيوخ الذين يرفعون فقط العلم الفلسطيني في مواجهة آلة الاحتلال العسكرية، وهم الذين يتصدون بصدورهم العارية لكل عمليات القمع الإجرامي. مسيرات العودة أكدت بلا شك أن إنهاء الانقسام أسهل بكثير من كل المفاوضات الثنائية وجهود الوسطاء وهم كثر، لأن هذا الانقسام هو خلاف ثنائي بين الحركات والأحزاب، وفي لحظة الحسم فإن الشعب الفلسطيني قادر على قول كلمته، ولهذا مطلوب من القيادات في الضفة الغربية وقطاع غزة كافة أن تعي جيداً هذه الرسالة، لأن صبر الشعب الفلسطيني المحاصر له حدود.

لا بد للقيادات من اغتنام هذه الفرص للعودة إلى حضن الشعب، وتجاهل مصالحها الذاتية، فلا قوة فوق قوة الشعب.
الرسالة الرابعة: موجهة إلى الاحتلال على قاعدة أن إجراءات القمع والقتل والإرهاب والعنصرية لن تغير أو تشوه وجه الحقيقة. فكل الإرهاب منذ العام 48 وحتى اليوم لم يزحزح الشعب الفلسطيني قيد أنملة عن مطالبته بحقوقه المشروعة.

الصحافة الإسرائيلية اليوم تعترف بأن كل الإجراءات الإجرامية في قطاع غزة لم تنه مشكلة القطاع. رئيس الوزراء مناحيم بيغن كره قطاع غزة، وكان يحلم أن يسلمه مرة ثانية إلى مصر، لأنه كان يعرف أبعاد وخطورة قطاع غزة، ولكنه فشل في ذلك، وجاء إسحق رابين الذي تمنى أن تغرق غزة في البحر، فيما حاول شارون الهرب إلى الأمام بعد كل المجازر التي ارتكبها في القطاع وخاصة في سبعينيات القرن الماضي، ورأى أن الحل هو الانسحاب من قطاع غزة، ولكن بعد أربع حروب ثبت فشل مخططه.

في النهاية فشلت الإجراءات الإسرائيلية لأنها في الأساس قائمة على مبدأ الاحتلال والقوة الغاشمة وليس الانصياع إلى الحق والحقيقة.
مسيرات العودة أمس، ودماء شهداء غزة حملت رسائل كثيرة ولكن ربما أهمها الذي لم نتطرق إليه هو أن عيون أطفال غزة ورضعها كانت تنظر إلى أشجار الصبار وقبور الأجداد في أرضهم التي سيعودون في النهاية إليها.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]