ناجحة مثابرة وتؤمن بان المرأة تمتلك القدرات والكفاءات الحقيقية لتحتل مناصب رفيعة وتساهم في نشر المساواة والعدل الذي ينعكس في تفكيرها الصائب ورؤيتها المميزة للأمور.

مريم كبها المفوضة الرئيسية لتكافؤ الفرص في العمل، هنأت المرأة بيومها وتحدثت لـ "بكرا" عن اهم محطات حياتها، وعن رؤيتها المستقبلية للمجتمع عموما والمرأة العربية بشكل خاص.

حدّثينا عن نفسك أكثر، مهنتك، حياتك الاجتماعيّة والعائليّة، كيف بدأت مسيرتك، وما هي الصعوبات التي واجهتيها في مسيرتك للوصول إلى النجاح؟

بدايةً أود أن اشكركم لاستضافتكم لي في هذه المناسبة المميّزة والخاصّة جدًّا. يوم المرأة هو مناسبة رمزيّة، تحتفل به بالمرأة لما تقدّمه من مساهمات للارتقاء بالمجتمعات والانسانيّة عامةً، على اختلاف المواقع والأدوار والوظائف التي تؤدّيها، لذلك فانّ تكريمها وتخصيص هذه المناسبة للاحتفاء بها، يحمل معانٍ جميلة ورسالة هادفة تخلّد العطاء والانسانيّة والرّحمة والجمال وقوّة الارادة التي اقترنت جميعها بالمرأة على مرّ العصور. 

بالنسبة لمسيرتي، انا أشغل اليوم ومنذ أكثر من سنتين منصب المفوّضة الرئيسيّة لتكافؤ الفرص في العمل، بعد أن عملت على مدار ست سنوات كمفوّضة عن لواء حيفا والشمال. وقبلها عملت كمحاميّة شريكة في مكتب محاماة في القطاع الخاص. 

مفوضيّة تكافؤ الفرص في العمل تتبع لوزارة العمل والرّفاه وتهدف إلى تعزيز المساواة في العمل دون اعتبار للفروقات الجندريّة والقوميّة والدينيّة والسياسيّة وغيرها من الاعتبارات التي يتم أحيانًا كثيرة التمييز ضد فئات ومجموعات سكانيّة معيّنة بناءً عليها. نحن نعمل على خلق واقع أفضل تكون فيه الحريّات وكرامة الإنسان وحقوقه في المركز. ونعمل من منطلق الايمان بالرسالة السامية التي نؤدّيها. وتنبع أهميّة المفوضيّة من كون المجتمع في اسرائيل متنوّع جدًّا يشمل العديد من الأطياف، ونحن نسعى لجعل هذا التنوّع والاختلاف ميزة ايجابيّة ونقطة قوّة، بدل كونه نقطة خلاف ونزاع ومصدر للتمييز. نحن نعمل على أصعدة مختلفة، بدءًا من المجال الجماهيري والتوعوي، مرورًا بالمجال القانوني الاداري.

عملي ومسيرتي المهنيّة يشغلان حيّز هام في حياتي، وفي نفس الوقت فانّ عائلتي هي مصدر قوّتي وعزيمتي، لذا فانّ حياتي العائليّة تأتي أيضًا في المركز من حيث الاهتمام والوقت الذي أخصّصه لها. انا أعتبر أنّ النجاح هو حلقة متكاملة مكوّنة من سلاسل مترابطة، فالنجاح المهني هو وقود للنجاح الأسري والاجتماعي والعكس صحيح. لا شك أنّ هناك العديد من الصعوبات والتحدّيات، فعملي يتطلب مني بذل جهود كبيرة نظرًا لكونه يشمل المبادرة والتخطيط والمتابعة والكثير من المسؤوليّات، فضلا عن كونه يتطلب السفر بشكل شبه يومي إلى مقر المفوضيّة في القدس والسفر خارج البلاد والمشاركة في العديد من المؤتمرات والمناسبات وما إلى ذلك، مع هذا، يمكنني خلق التوازن بينه وبين حياتي العائليّة، فهذان الحيّزان يمنحاني الطاقة والقوّة والارادة وهذا يجعل كل شيء ممكن. طبعًا هناك العديد من الأمور التي تساعد على النجاح وخلق التوازن كتوزيع المسؤوليّات والمهام والمشاركة والعمل الجماعي وتنظيم الوقت وتحديد الأولويات والتخطيط ووجود أسرة داعمة ومتفهمة.

كيف تصفين مكانة المرأة العربية في مجتمعنا بشكل خاص وفي البلاد عمومًا؟ مقارنة أيضًا بالمرأة اليهوديّة؟ وكيف يمكنها التغلب على واقعها؟

المرأة العربيّة في مجتمعنا نجحت في السنوات الأخيرة بإحداث نقلة نوعيّة في الأدوار التي تقوم بها، ونراها اليوم تخترق كافة الميادين والمجالات. لا بد من الاشارة إلى أنّ الطالبات الأكاديميّات العربيّات يشكلن ما يقارب ثلثيّ نسبة الطلاب العرب عامةً في مؤسّسات التعليم العالي للقبين الأوّل والثاني، وما يقارب النصف وأكثر في اللقب الثالث. المرأة العربيّة تتجه اليوم لدراسة مختلف التخصّصات والمهن، عوضًا عن تقييدها بمجال أو اثنين كما كان متّبع سابقًا، وهذا مؤشّر جيّد فهو يدل على أنّ المرأة تختار ما يتناسب مع ميولها وقدراتها وطموحاتها الشخصيّة وليس فقط ما يتناسب مع تطلعات وتوقعات عائلتها والمحيطين بها. نرى المرأة العربية اليوم في مختلف ميادين العمل وفي مختلف المواقع والمراكز. كما أنّ العمل بدافع بناء سيرة مهنيّة والنجاح المهني أصبح أكثر شيوعًا. كما نلمس حضور قويّ ومهيمن للمرأة العربيّة في كافة النشاطات والأحداث الثقافيّة والفكريّة والتطوعيّة التي تنظّم داخل بلداتنا وخارجها. ولا أنسى أيضًا دورها المركزي كأم ومربية وصانعة أجيال.

ما هي الجوانب التي تشعرين بأنّ المرأة العربيّة في مجتمعنا ظلمت فيها؟ وأكثر الجوانب التي نجحت بها؟

إلى جانب كل هذه التطوّرات والمعطيات المشجّعة التي تبعث على التفاؤل بالنسبة لمستقبل مكانة المرأة، لا تزال هناك مؤشّرات سلبية وواقع صعب، فالمرأة مستغلة بشكل مجحف في الكثير من أماكن العمل، وهي تحرم من حقوقها الأساسيّة، ولا يزال تمثيلها في المواقع القياديّة والاداريّة دون المستوى المطلوب وبعيد جدًّا عن أن يعكس قدراتها ومؤهلاتها. وفي الحياة الأسريّة، لا تزال العديد من النساء تتحمل المسؤوليّات المنزليّة وحدها دون شراكة كافية. هذا الواقع يجب أن يتغيّر فهو نتاج ظروف معيّنة، اليوم تغيّرت هذه الظروف كليًّا، لذا من غير المعقول أن يبقى هذا الواقع على حاله. من المهم الاشارة إلى أنّ جزء من هذا الواقع هو ليس محلي فقط وانّما عالمي، أي أنّ المرأة الأجنبيّة والمرأة اليهوديّة تعاني أيضًا من التمييز رغم المشوار الطويل الذي قطعته والنجاحات الهائلة التي حقّقتها، فلا تزال تتقاضى على سبيل المثال أقل ممّا يتقاضاه الرّجل في نفس المنصب والوظيفة، ولا يزال تمثيلها في المواقع القياديّة والاداريّة أقل ممّا ينبغي. لا شك أنّ هناك تباينات ما بين المجتمعات المختلفة بالنسبة لمستوى الظلم والتمييز الذي تتعرض له المرأة، لكن يمكننا القول أنّ الطريق الذي تسلكه المرأة سواء العربيّة، اليهوديّة أو الأجنبيّة من أجل تحقيق المساواة والعدل هو ذاته.

كيف تشعرين بانّك ساهمت من خلال مسيرتك المهنيّة ونجاحاتك بخدمة مجتمعك؟

نستطيع القول أنّنا في مفوضيّة تكافؤ الفرص في العمل نعمل على نصرة المظلومين الذين يتعرّضون للتمييز في سوق العمل، بما في ذلك أبناء المجتمع العربي والنساء وغيرهم من المجموعات السكانيّة التي تتعرّض للإقصاء والتهميش. تحقيق المساواة في سوق العمل هو المفتاح لتحقيق العدل والعيش الكريم. وبهذا أقوم بدوري اتّجاه مجتمعي. من ضمن مهام عملي ومسؤولياتي، ألتقي بالكثير من المشغلين والعمّال والمسؤولين وأصحاب القرار، لطرح قضايا المساواة ومكافحة التمييز وتجنيدهم لصالح هذه الأهداف السامية. هذا إلى جانب حملات التوعية الاعلامية المخصّصة للمجتمع العربي التي بادرنا لها وجنّدنا لها ميزانيّات كبيرة، في سبيل تعزيز المساواة في العمل، بالإضافة إلى العديد من النشاطات الأخرى.

يهمني بهذه المناسبة التطرّق إلى مشروع مؤشّر المساواة في العمل الذي أطلقناه في المفوضيّة بالتعاون مع جامعة تل أبيب ودائرة الإحصاء، وهو يفحص مستوى المساواة في مجالات وأماكن العمل المختلفة، أو بكلمات أخرى مستوى التمييز الذي تعاني منه الفئات السكانيّة المستضعفة. هذا المؤشر يعكس صورة الوضع في سوق العمل بحيث نجري مسحًا شاملا وموسّعًا، ونقوم بنشره سنويًّا وتقديمه لصناع القرار لحثّهم على العمل على تحسين الوضع.

أريد أن أضيف أيضًا أنّ اختياري من بين العديد من المرشّحين العرب واليهود لإشغال هذا المنصب القطري، الذي يخدم كل الفئات السكانيّة في البلاد وغير مخصّص للمجتمع العربي فقط أو مقتصر عليه، ربما يكون محفزًا للنساء والرجال العرب على حدٍ سواء بعدم التقيّد أو الاكتفاء بالوظائف التي تكون مخصّصة لأبناء المجتمع العربي، بل الترشّح لكل وظيفة مناسبة حتى لو كان هناك العشرات من المنافسين الأكفاء من الوسط اليهودي. يجب أن نتذكر دائمًا أنّه بالمثابرة والارادة الصلبة يمكن التغلب على العنصرية والتمييز.

تمنياتك للمرأة ونصائح توجهينها لها في يوم المرأة وطموحاتك المستقبليّة؟

أتمنى أن تتوفر الفرصة لكل امرأة بتحقيق الذات بالشكل الذي تراه مناسبًا، وفي حال لم تتوفر هذه الفرصة لها، أن تعمل على خلقها. أريد للمرأة ان لا تسكت عن أي ظلم أو تمييز ممكن أن تتعرّض له، وان تسعى للحصول على جميع حقوقها في كافة الميادين. طبعًا في ميدان العمل، نحن في مفوضيّة تكافؤ الفرص في العمل، بمثابة سند وعنوان لها يمكن أن تتوجّه لنا لطلب الاستشارة والتوجيه والمساعدة.

بالنسبة لطموحاتي المستقبليّة، أتمنى مواصلة عملي وتوظيفه لخدمة مجتمعي في أي منصب أو موقع أشغله، وأن أساهم قدر الامكان بجعل المحيط والحيّز الذي أعيش فيه مكانًا أفضلا. وأتمنى الاستمرار في النجاح في خلق التوازنات في حياتي على الصعيد المهني والأسري والاجتماعي.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]