في دراستها المقدمة إلى المجلس الثوري في اجتماعه، أول من أمس، في رام الله، تحدثت دائرة شؤون المفاوضات على لسان رئيسها الدكتور صائب عريقات عن الملامح الرئيسة "لصفقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب".
الدراسة تعيد توضيح أعراض المرض السياسي في المنطقة، وتشرح خطورة التوجه الأميركي من خلال إدارة منحازة إلى دولة الاحتلال بشكل لا لبس فيه ولا تراجع عنه.
الدراسة تعيد طرح الموقف الأميركي من القدس وقضية نقل السفارة إليها، والعلاقة مع السلطة الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير والعلاقة مع الأنظمة العربية.
طبعاً كل ما جاء في الدراسة معروف ولا جديد فيه، بل إن وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية وحتى الإسرائيلية نقلت تفصيلات ومعلومات أكثر حول "صفقة ترامب" التي من المقرر أن تنشر خلال الأسابيع المقبلة.
ويبدو أن اتصالات الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي بعدد من القيادات العربية وعلى رأسها ولي العهد السعودي وولي العهد الإماراتي والأمير القطري وغيرهم، والزيارات التي سيقوم بها القادة العرب إلى واشنطن ستبحث "صفقة العصر" كما يسميها الرئيس الأميركي، وإن حاول الإعلام العربي التركيز على قضية إيران وأطماعها في المنطقة، وخطورة مواقفها على دول الخليج.
من الواضح أن ترامب سيصر على مطلب أساسي وهو التأثير على القادة العرب من أجل الضغط على الفلسطينيين لتليين موقفهم المعلن من الصفقة. وطبعاً أساس الضغط الذي يطالب به ترامب سيكون الضغط المالي... وربما العمل على إيجاد البديل الفلسطيني للقبول بهذه الصفقة إذا أصرّت القيادة الفلسطينية على موقفها.. أما الطلب الثاني لترامب فسيركز على محاولة إقناع الدول العربية بقبول هذه الصفقة التي لا تقتصر على القضية الفلسطينية، وإنما تمتد إلى مجمل العلاقات العربية ـ الإسرائيلية، بمعنى التطبيع الكامل مع دولة الاحتلال، والتعاون المشترك من أجل الوقوف أمام الخطر الإيراني، وكأن الخطر في المنطقة هو إيران فقط وليس الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ العام 1948.
من المشكوك فيه أن يتبنّى الزعماء والقادة العرب المواقف الأميركية، لأنها أخطر بكثير مما يُعتقد على مجمل النظام العربي، ولا يمكن لأي زعيم أو قائد عربي أو غير عربي أن يتحدث بلسان الفلسطينيين.
نعم يستطيع البعض أن يضغط مالياً وسياسياً، ولكنه لن يستطيع إجبار الفلسطينيين على قبول حل يعمل على تصفية قضيتهم الوطنية التي سقط من أجلها مئات آلاف الشهداء والجرحى علاوة على أكثر من مليون أسير.
ولعلّ قضية القدس هي أكبر مثال على ما سيكون عليه الحال بعد طرح الصفقة بشكل رسمي.. إذا رفضها الشعب الفلسطيني. فبعد أقل من يوم على اندلاع المواجهات مع قوات الاحتلال كان الشارع العربي والإسلامي يهتز من أجل القدس والمقدسات، وبسرعة الضوء تغيرت مجمل المواقف العربية السرية والعلنية. وباءت كل محاولات مستشاري ترامب وجولاتهم المكوكية في المنطقة بالفشل الذريع.
حتى الخطاب الإسلامي العربي الرسمي وشبه الرسمي، أيضاً، تحول باتجاه الموقف الفلسطيني، وبهذا سقطت كل المحاولات الأميركية من أجل إيجاد شريك عربي أو حتى إسلامي أو دولي للقبول بموقفها، وعلى العكس أدى ذلك إلى إضعاف الموقف الأميركي، وأصبحت واشنطن وحيدة في مواجهة العالم.
اليوم يتحدث الأميركيون عن فرض التسوية وليس طرح الأفكار.. يعني غصباً وإجباراً.. ولكن الأحداث علمت الشعب الفلسطيني وقيادته أن كل محاولة لإجبار الفلسطينيين على قبولها فشلت وانتهت إلى موات. لا سياسة الإجبار ولا سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية يمكن أن تغير المشهد السياسي. أما على الصعيد الفلسطيني فلا يكفي طرح الأمراض وإنما لا بد من إيجاد علاج لهذه الضغوط الإقليمية والأميركية.

المصدر: الايام 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]