على ما يبدو، فإن إدارة ترامب نجحت في إقناع كافة الأطراف، بأن صفقة القرن، قد نجحت حتى قبل أن تتبلور من خلال خطة محكمة من المفترض أن تتقدم بها نهاية الشهر القادم، نجحت السياسة الأميركية في أن تبدو هذه الصفقة وكأنها "مدحلة" ستتقدم لتدمر كل من يقف في طريقها ولن تتأثر بالنتوءات المنتشرة على طريقها، وذلك من خلال الحزم الذي رافق هذه السياسة من ناحية، وتراجع التصريحات المضادة لها التي بدأت في تفسير مواقف متحدية سابقة بالتماهي المتدرج مع الاقتراب أكثر لتفهم هذه السياسة التي اعتمدت على مدحلتها المدمرة لتبرير هذه التصريحات المستجدة والتراجع "المبرر".

وبينما دشنت هذه المدحلة مهمتها الأساسية بدءاً من قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في محاولة أكيدة للسطو على حقوق الفلسطينيين في دولتهم وعاصمتها القدس، في سياق انتزاع الأرض الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967، إلى القرارات الأميركية المتعلقة بتقليص دعم واشنطن لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين "الأونروا" وهي القرارات المتعلقة بالإنسان الفلسطيني كونه لاجئاً، ما زال يحظى باعتراف دولي بحقوقه في العودة إلى وطنه والتعويض عن أملاكه التي اضطر إلى تركها من خلفه تحت ضغط الحرب الصهيونية عام 1948.

الترجمات لقرارات ترامب بشأن القدس، تم تعزيزها بسرعة ملحوظة من خلال ترجمات إسرائيلية تتعلق بالقدس والضفة الغربية، مشاريع تتقدم بها حكومة نتنياهو إلى الكنيست لضم الضفة الغربية ولاقرار مركزها القانوني وبحيث تتم عملية الضم من خلال خضوع الضفة الغربية، وخاصة الكتل الاستيطانية الكبرى للقانون الإسرائيلي، كعموم مناطق 1948، بدلاً من خضوعها للقضاء العسكري، بعدما تم ذلك في مجال التعليم وإخضاعه في المستوطنات للسيادة والقانون الإسرائيليين، مثلما هو الأمر عليه في كل إسرائيل.

في هذا السياق، وحسب تصريحات ترامب فإن مدينة القدس، بوصفها عاصمة لإسرائيل، باتت خارج اطار النقاش في أية مفاوضات قادمة، لقد حسم الأمر بالنسبة لأميركا وإسرائيل في هذا الشأن، ولم يعد ملف القدس، حسب هذا الفهم والتوجه، أحد الملفات التي يتوجب متابعتها والاتفاق عليها في مفاوضات قادمة حسب اتفاق أوسلو، ملف القدس ـ إذن ـ لم يعد قائماً، وهو الملف الأكثر تعقيداً وأهمية والذي كان يتوجب أن يخضع لأي مفاوضات قادمة.
هذا عن الأرض والقدس، ماذا عن الإنسان الفلسطيني، وكونه لاجئاً في الأساس فإن بقاء ملف اللاجئين المرتبط بحق العودة والتعويض، مدرجاً على لائحة الملفات المعقدة التي يتوجب التوصل إلى حل لها في أية مفاوضات قادمة، يشكل صراعاً للولايات المتحدة وإسرائيل. ومن هنا كانت القرارات المتعلقة بتقليص الدعم المالي الأميركي لوكالة الغوث، وإذا كان من الصحيح أن الحرب على الوكالة لم تبدأ مع إدارة ترامب، إلاّ أن كافة الإدارات الأميركية السابقة، جمهورية كانت أم ديمقراطية، لم تجرؤ على اتخاذ خطوات جدية بهدف تفكيك وإلغاء ولايتها التي أقرتها الأمم المتحدة بالقرار 302 عام 1949، تأكيداً على قرارات تتعلق بحق العودة وفقاً للقرار 194 عام 1948.
ومثلما مرت المدحلة الأميركية ـ الإسرائيلية على ملف الأرض والقدس، هكذا بدأت تتدحرج على ملف اللاجئ الفلسطيني، فبعد التقليصات الأميركية لدعم الأونروا المالي، بدأت اشتراطات واشنطن أكثر وضوحاً، فقد دفعت 60 مليون دولار من حصتها البالغة 125 مليون دولار، إلاّ أنها اشترطت أن يتم صرف هذه الدفعة المقلصة على عمليات ثلاث فقط من مجمل عمليات وكالة الغوث، قطاع غزة والضفة الغربية والأردن، لماذا؟ لأن عمليات الوكالة في كل من سورية ولبنان، تتقاطع مع الخطط الأميركية ـ الإسرائيلية لتوطين اللاجئين، وهذه العملية لا شأن لها في ساحة العمليات الثلاث المشار إليها. في لبنان وسورية، خطط التوطين تسير جنباً إلى جنب مع خطط التهجير، ونهاية المخيمات التي تعتبر مشاكل سياسية واجتماعية للاجئ الفلسطيني!!
المدحلة تتدحرج أيضاً وأيضاً مع اشتراطات جديدة على ملف اللاجئين الفلسطينيين، فقد اشترطت واشنطن على وكالة الغوث إن أرادت استمرار دعمها المالي، في كل من الأردن وقطاع غزة والضفة الغربية، تغيير المناهج التعليمية وشطب كل ما له علاقة بحق العودة وإسقاط هوية القدس باعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية وإلغاء كل ما له صلة بالنضال الوطني الفلسطيني.
إذن، نحن أمام مرحلة أميركية ـ إسرائيلية لشطب ملفين يعتبران جوهر القضية الفلسطينية ولب الصراع وأولويات أية مفاوضات قادمة محتملة. نحن أمام حسم القضايا الكبرى الجوهرية باتجاه استبعادها تماماً عن جدول الأعمال.

المصدر: الايام 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]